حبيبي يسعد أوقاته

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أسماء جمال عبد الناصر
حبيبي ...
"زي القمر قبل ظهوره يحسبوا المواعيد ... زي القمر يبعت نوره من بعيد لبعيييد ..."
هكذا غنت أم كلثوم ولكن ليس هذا ما وددت أنا أخبرك إياه.
أنا زعلانة منك فشخ!، وتختلط في ذهني جُمل عتابي لك بين العامية بمستوياتها وأجيالها والفصحى أيضا، ولا أعرف لم تنتصر الفصحى حتى الأن، دعنا نُرجأ الحديث عن اللغات إلى حين، دعني، الأن أفصح لك عن بعض ما يؤرقني اليوم ويضيق به صدري ولا ينطلق لساني، شاهدت بالأمس فيلم ويل سميث الجديد، ولا أعلم إن كان سيعجبك أم لا، كان يلعب فيه دور الأب المَكلوم، ويكتب رسائل مثلي تماما، لم يرسلها لأشخاص بل كانت لِمَعانِ مجردة: الحب، الزمن، الموت.


الساعة الآن قاربت الواحدة بعد منتصف الليل، ولدي رغبة شديدة في البكاء، لا أعرف لها سببا واضحا. ربما أتشاغل بكتابتي لك عن تلبية نداءات هذه الرغبة.
أتعرف؟ فقدَ ويل سميث  طفلته في الفيلم، ووقع -إثر صدمته- في حالة نفسية بائسة، لم تجدي معاها جلسات “الجروپ ثيراپي” ولا مؤازرة الأصدقاء، حالة جعلته يبني صروح كاملة – من أحجار تشبه مستطيلات الدومينو – بصبر جميل، أشكال هندسية تعتلى مساحات كبيرة تسر الناظرين وتدعوهم للتأمل، بنايات مختلفة ألوانها، يستمر أيامًا وأيامًا في وضع المستطيل خلف المستطيل، أو فوقه، أو أمامه. وفي لحظة ما يُحَرِّك آخر مستطيل وضعه، بشكل يسمح له بهدم كل ما تم بناءه على التوالي، في متتالية حسابية حتى البداية، حتى هدم الصروح بأكملها… إثر نفاد الصبر ربما …

قلت لك أنه كان يكتب رسائل للمجردات الثلاثة حتى استحالت شخوصًا يحاورونه طوال الفيلم. أتعرف؟ أفقد أجِنَّتي كل شهر وأُصاب بسببها بتقلبات مزاجية سخيفة فشخ، ولا يعلم من حولي عنها شيئا، ولم يجبر كسري أحدا، رغم أن ألامها – أسفل بطني وظهري- توقظني من نومي أيامًا معدوات بشكل دوري. ولا أدري إن كنت أكتب لك لأجد منك ردا حانيا، أم لأني أريد أن أكسب تعاطف من يقرأ رسائلي – كما اختار كاتب الفيلم تيمة موت الطفلة ليستدر عطف المشاهدين على اختلافاتهم-، ولكن فعلا لم يُنعي أحدٌ من قبل أجِنَّتي، ولا شاركني وداعهم ولا شاطرني الأحزان وهم منبوذون حتى من جسدي، دون أب. أطفالي بلا أباء حتى في أحلامي يا حبيبي. يولدون في الحلم ولا أدري من أين جاءوا.

لماذا ننتظر من الحب أن ينتشلنا من العَتمة، لماذا يحتاج الرومانتيكيون لحضن دافيء في الشتاء خاصة، لماذا يَجذُبني الاكتئاب إلى السرير صباحا ويسلمني للكسل “تسليم أهالي”، لِمَ يرتل عَلَيّ أيات اللاجدوى من العمل والدراسة والمُعافرة في هذه الحياة بدون تعليل، وكأنه يقول فقط انظري للواقع حولك يا حالمة، لِمَ أحاول الهرب منهم جميعا كَدِيون تثقل كاهلي وتتعقبني في كل السُبل؟ لِمَ يُحب السنتمنتاليون أفلاما ك”سويت نوفمبر”؟ ولِمَ يجذبهم الجري تحت المطر؟ لِمَ تتعاقب علينا الفصول والمزاجات والأحوال في دورات متتالية؟

تعرف أني أفكر كثيرا في وقع الزمن علينا، كقصيدة شوقي التى تبدأ أبياتها “اختلاف النهار والليل يُنسي، اذكرا لي الصبا وأيام أُنسي”. أُفكر أيضا في حبي لك ومقداره وكيف أن عنفوانه يتغير من حين لأخر. مؤخرا أتحادث مع أصدقائي الأكبر عُمرا عنه: عن أفعاله وتصاريفه. لا يراه أحد كما رأه هاورد (ويل سميث في الفيلم): شابا يجاورنا دوما ويحادثنا مثله. كما نتحادث عن الحب وأشكاله رغم أن هيئته ليست بالضرورة كالفتاة الجميلة التي جالست البطل في الفيلم أيضا، والتي بكت حينا وضحكت وأضحكته وحذلته أيضا أحيانا أخرى.

 هل قلت لك أني حضرت ورشة للكتابة الإبداعية هذا الأسبوع؟ استطرد فيها الكاتب الإسباني حينما حاد بنا الحديث عن الحب، فكلمنا عن زوجته. قال لنا أنها تكبر مثله، أنه يلاحظ أحيانا- في إضاءات معينة- التجاعيد وقد بدأت تخط علامات على وجهها، وحينما يقارن صورهما القديمة والحديثة معا. قال لنا أنه يحبها رغم أن ممارستهما للجنس لم تعد كأزمان مضت. تأثرت حينما ذكر هذه التفصيلة. وأيضا حينما قال أن الحب الذي يستمر عشر سنين من الحياة المشتركة به شيئا ما: شيئا من الوُد سمح له بالاستمرار كل هذه الفترة على تبدل أحواله.

حينما جالسناه – على سطح فندق التونسي في الدقي وقد استحالت المدينة من حولنا حِراكا هادئا يُرى من عَلي- لم يأكل البطاطس المقلية التي قدمها له النادل مع الشيش طاووق. علل ذلك قائلا أنه لم يعد يأكل الكربوهيدرات وخاصة في المساء، تحدث عن أن معدته في السابق كانت قادرة على هضم كافة أنواع الطعام، لكنه مؤخرا بدأ يتعب بعد تناول بعض الأكلات.
“أنا أكَبُر” هكذا قالها متأملا صفحة النيل أمامه بينما كنا نتسامر.

أأثقلت عليك؟
يكفيك هذا اليوم، فقط سأُنهي رسالتي بإخبارك عن رغبتي الآنية في الرحيل، فقد زهقت أو “زِهِئت” كما نقولها بالعامية القاهرية. لما لا تأتي السيدة العجوز الحكيمة ذات الشعر الأبيض – التي جاءت لويل سميث في الفيلم بزيها الأزرق- لتأخذني معها في نزهة لمكان أفضل جدا؟ أو فقط لتحكي لي حكاية قبل النوم وتتمنى لي نوما هادئا و”رز بلبن مع الملايكة”؟ لست مجنونة، أو على الأقل أعتقد ذلك، فكما ذكر أحد أبطال الفيلم: الأطفال يكتبون الرسائل إلى سانتا كلوز، فهل يعني ذلك كونهم مجانين؟!، وها نحن نقترب من أعياد الميلاد. أتوق لعِناق يمزج أضلعنا معا. عناق حار يناسب الليلات الباردة كليلتي هذه. لمَ يبدو حضنك بعيدا ولا يشبع حاجتى إليك؟! عاد هاورد في آخر الفيلم لزوجته وعانقها وأمسك بيدها وسارا معًا في الطريق … فهلا أتيت؟!


سلامات ومحبات
أسماء
J

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون