تنويعات على الحب

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد العبادي

ومين اللي قال إن الحب ينفع يتكتب عنه بالساهل كده؟!.. ما هو الحب ده أكتر شئ عبقري ومختلف في الدنيا دي كلها.. عشان كده محتاج كتابة عبقرية ومختلفة.. لما جيت أكتب عن الحب في الأول لقيت كتابتي أقل بكتير من قيمته.. فضلت أكتب.. أكتب.. أكتب لحد ما كتبت حاجة عبقرية وعظيمة بجد.. ساعتها ماقدرتش أخلي حد يقراها إلا إنتي.. إنتي وبس...

***

كان ياما كان.. في الحديقة الجميلة.. كانت توجد ورود كثيرة ملآنة بالرحيق.. وكانت العصافير تنتقل بينها لتشرب من رحيقها الحلو.. لكن عصفور واحد رأى وردة واحدة فأحبها.. كانت وردة بهية بيضاء اللون.. أما هو فكان أسود اللون على صدره نقطة بيضاء..ظل بقربها.. يشرب منها فقط.. لا يشعر بالشبع إلا من رحيقها.. ولا تشعر بالانتعاش إلا من لمسات جناحه الحنون…

مضى الوقت وجاء الشتاء.. بدأت الورود تذبل.. وانطلقت العصافير مهاجرة إلى بلاد الدفء.. أما عصفورنا فظل جوار وردته.. وأخذ اللون الأبيض يزيد في صدره…

وفي عز الصقيع.. بعد أن ذبلت كل الورد.. ظلت الوردة نضرة وملآنة بالرحيق.. وظل العصفور يطير حولها.. وقد صار لونه كله.. كلونها…

***

الجو الحار لأيام بداية الدراسة.. التراب الأصفر يملأ الشارع.. العمال منهمكون في طلاء الرصيف الجديد بالأسود والأصفر.. يناديها بصوته العالي الملئ بالشقاوة:

         سلمى.. سلمى…

تكمل سيرها.. لكن تلتفت له خلسة بطرف عينها.. ملامحها سمراء جميلة تزينها ضفيرة كبيرة.. مريلتها نظيفة ومكوية تبديها في غاية الأناقة.. يجري خلفها ويستمر في النداء:

         سلمى.. يا سلمى.. يا سوسو…

يفاجئها نداءه: “سوسو؟!”.. تقف وتنظر له.. وتنظر لمريلته المهربده وشعره المنعكش:

         نعم؟.. عاوز إيه؟

         شفتي دي؟…

يمشي على طرف الرصيف الملون وهو مادا يديه كمن يمشي على حبل.. تنظر له باستهانة وتهم بأن تعود للمشي…

         استني.. طب شفتي دي؟

يقفز وينقلب فجأة فيمشي على يديه على طرف الرصيف.. نظرت له.. ثم اطلقت ضحكة دهشة…

تلوثت يداه تماما بطلاء الرصيف.. كان يعرف أن الضرب ينتظره حين يعود للبيت.. لكن كان يكفيه أنها ضحكت.. ضحكت له.. له فقط…

***

عند باب “القاعة” وقفا.. هي بفستان العرس الأبيض وهو ببذلته ذات الياقة اللامعة ويديهما مترابطتين.. الموسيقى تعزف في استقبالهما بينما “المعازيم” واقفين يغرقونهما في التصفيق والزغاريد…

الأمطار تهطل بقوة خارج القاعة.. نظرَتْ للأمطار ثم نظرت له وضحكت.. وفجأة سحبته من يده وانطلقت به إلى قلب الأمطار.. أخذا يجريان ضاحكين.. أخرست الدهشة المعازيم وهم يرونها تلقي بالبوكيه في اتجاههم.. وهو يفك “كرافتته” ضاحكا ويصرخ: مجنونة.. يا مجنونااااااااااااه!!

***

يجلس أمام الكاتب وينظر له بعينين قد انحاشت فيهما دموع كثيرة.. يمليه:

         هانت يا أم أحمد.. وإن شاء الله تزول الغمة ونرجع لكم عن جريب…

         يصمت لثانية كأنه يلتقط أنفاسه.. يسرح بعيدا وتلين ملامحه القاسية.. يقاطعه الكاتب:

         ماتخلص يا بلدينا.. عاوز تكتب حاجة تاني؟

         طول بالك عليّ شوي يا عم الاستاذ.. اكتب.. بعت لكم مع حامل هذا الخطاب حوالة…

         كتبتها قبل كده دي.. صحصح معايا يا بلدينا.

         خلاص خلاص.. إكتب…

ثواني الصمت تمتد أكثر.. تصلبت شفتاه واغمق وجهه الأسمر حتى صار أقرب للأزرق…

         أكتب إيه تاني يا بلدينا.. خلصني.

بدا كمن يجر الكلمات جرا وهو يقول:

         واعلمي يا أم أحمد إني.. إني.. أرسل سلامي لكل أهل الـ…

         ودي كمان كتبتها قبل كده.. يبقى كفاية كده.. خلاص أهو.. والسلام ختام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 ***

جلسا متقابلين على مائدة الإفطار في ذلك الفندق الدافئ.. نظر بحنان إلى وجهها الجميل رغم سنوات العمر الطويلة.. انتبهت له فابتسمت:

         بتبص لي كده ليه؟

         إنتي حلوة قوي…

ضحكت:

         أول مرة تاخد بالك؟!

         كل ما أشوفك بحس إنك حلوة.. بنبهر زي أول مرة…

         زي أول مرة؟!

         زي أول مرة…

         بعد خمسين سنة؟!

         ولو بعد ميت سنة…

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون