انتهى الدرس يا غبي

إسلام عشري
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إسلام عشري

لا يعرف أبي، فيم أفكر، ما أقوله.. لا يعرف كيف يتعامل مع تفكيري. لا يمكنني أن ألومه حقيقة.. لقد تعبت حقا، في محاولة إفهامه.. والآن لم أعد أفهم حرفيا ما أريد.. يبدو أن كل محاولاتي قد ذهبت في مهب الريح.. أسف على استخدام هذا التشبيه القديم، لكنه تعبير بليغ ويعبر عن ضياع كل الأمال أكثر من أي تعبير..

أخبرني أبي بمرات حديثنا القصيرة منذ عشر سنوات، أنه قد شاهد مسرحية “انتهى الدرس يا غبي” لمحمد صبحي، بوقتها.. لا بد أن أخبر القارئ عن المسرحية، ليس لغرض إبراز عضلاتي المعلوماتية، ولكن ليخرج القارئ باستنتاج مرضي..

المسرحية عن:

 دكتور فريد (محمود المليجي) يكتشف جزء في مخ الإنسان يساعد علي الذكاء إذا أجريت فيه عملية من خلال القفا وتساعدة في ذلك ابنتة نبيلة (هناء الشوربجي) فتأتي بمتأخر ذهنيا يدعي سطوحي (محمد صبحي) فيتراهن دكتور فريد زميله الدكتور شفيق (توفيق الدقن) علي العملية ولكن بعد العملية وجدوا أن سطوحي ما زال على ما هو عليه وبعد أن يترك دكتور شفيق المنزل يجدوا سطوحي قد زادت نسبة ذكائه فيعلموه العربي والحساب والإتيكيت فيعترف لنبيلة بحبه لها وبعدها يترك المنزل لمدة سنة ليعود لهم إنسانا جديدا.. كأن الأمر بهذه السهولة..

علمت أني أشبه سطوحي فيما بعد. يبدو أن خطئيتي الكاملة، أني حاولت أن أبحث عن روحي. كان يجب أن أفعل كل ما يفعله الجميع في هذا الوقت. كنت في هذا الوقت، لا بد أن أكن متزوجا، وزوجتي حامل، وأنا بلا عمل، وأخبرها بأنها يجب أن تسقط الجنين، أو ربما تركتها هي وابني وهو ما زال قطعة لحم حمراء.. سأخبرها بأن تنفذ ما أخبرها به، لأني زوجها، ويجب أن تسمع الكلام..

كنت أدور دوما في فلكي، ليس لكوني أنانيا، بالعكس، لكوني وحيدا، كان علي أن أخوض كل الخيارات وحدي.. كل شيء بوقته. كان يخوفني كون الآخرين واثقين من خياراتهم فيما أتخبط بأوهامي. اللعنة على كل أصحابي. أبي السبب.. كان كل يوم يموت شيء بداخلي، ولا أحد يلاحظ.

بفترة سيئة من حياتي، لم يكن بحيلتي أي شيء.. كنت مثل مذئوب، أبله، بعد منتصف الليل مع القمر المكتمل، أطارد الخمر. اسمح لي عزيزي القارئ بأن أخذك بجولة معي، لتعرف كيف كان يومي. هذه الجولة مجانية على حسابي. سأدفع أنا كما اعتدت وحيدا. كنت أشبه الوحوش الخرقاء التي لا تخيف أحدا، إحم إلا نفسها..

كمن يطارد وعلا بغابة، كنت أجد شيئا جديدا لأفعله كل يوم. أكسر كل القواعد التي اعتدها. بقصة أتذكرها لبطوط بميكي جيب، ذهب إلى مُنجم، فأعطاه جهازا ينفذ كل ما يظهر على شاشته.. كان يفعل ما يؤمر به.. كنت أفعل مثل بطوط، بهذه الأثناء. كأن أدخن في عز الحر، أو أن أعتبر شهر مارس، مكان أغسطس، أو أغطس في سطل من البيرة، وأخرج رأسي مثل وحش لوخ نس.. أنام للظهيرة مستلقيا على ظهري, لكم أتمنى لو أنني أتبعك أنت عزيزي القارئ، فأنا لم أتحمل عواقب التبعة.

أنا خارج عن الطريق، لا أحد أعرفه لأمضي له. كل من عرفته أعطيته روحي لكنه كان يبصقها عن جسده.. كنت وحدي تماما، أحاول المضي إلى ما يشبه البيت. الحب الذي ارتأتيه بحياتي مثل صخرة سيزيفية فوق جبل، فكان لا بد أن أفلتها مثل كرة ثلج لتتدحرج، لأن حلم الحب كان أبعد من يدي.

كان علي أن أتحول جينيا، أنا الآخر لأن الحياة الطبيعية بالفعل لا تصلح لي. أحببت فتاة كانت تشبه الفأرة. كانت تشبه الفأرة شكليا، وأيضا للأسف في صفاتها. الجبن وتجنب المشاكل. كانت تلقي إلي بفتات الحب، وكنت أقبل ذلك، لأن ليس لدي ما أخسره..

بآخر محاولة لي معها أخرجت رأسي أنا الآخر خارج جحري، وأخبرتها بأني أريدها معي في حياتي، ذلك الجحر الصغير.. أخبرتني بأنها لا يمكن أن تعيش دون مستقبل مضمون. لا يمكنها أن تخاطر بخسارة ما تملكه معي!

لا أمتلك وظيفة ثابتة، بيت.. كان تريد كل الأشياء التي ترغب بها كل الفتيات  غيرها، كانت تنظر إلى فتى أحلامها من طاقة، كمن يسحب جاموسة من زريبة. الحقيقة لم يمكنني وقتها لومها. كان علي أن أقرض حبال الود التي تقع بيننا. وبالفعل سحبت كل ما تعرفه عني..

في النهاية فأنا لست أحد أبطال الروايات التي أقرأها، الروايات التي خربت عقلي كما سمعت أبي كثيرا، وهو يتحدث عني من خلف ظهري. لست مثلا بطل “سد هارتا” لهيسه.. أو مثلا لن أترك حبيبتي، لأجري بحثا عن ذاتي.. لأن بالفعل لا يوجد أي أحباء في حياتي كما فعل بطل رواية “حد الموسي” لسومرست موم..

الجولة الأخيرة التي خسرت بها بالقاضية، حين وقفت أمام المرأة بشعر أبيض أشعث، وقد أضعت كل حياتي على الفلسفة الفارغة.. لم أفعل شيئا حقيقة. لم أقبل طفلا، لم أحظ بحديث حقيقي مع شخص يحاول الوصول لحقيقة الأمور.. لم أفعل كل الذي سخرت منه كثيرا، واعتبرته نكتة فارغة.. أحسست أني لست أمام صورتي، لكن أمام صورة كالحة من دوريان جراي، ولأن كل شيء مرتبط ببعضه البعض، عرفت الآن أن الزمن قد أخرج لي لسانه، ويكلمني بصوت عال “أرجو أن تكن قد استوعبت الدرس.. انتهى الدرس يا غبي..”

………………………

* “انتهى الدرس يا غبي”: مسرحية مصرية من تأليف لينين الرملي..

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون