الوظيفة الإغرائية للعتبات النصية في ديوان  “كمكان لا يعول عليه” للشاعرة نوارة لحرش

كمكان لا يعول عليه
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 قلولي بن ساعد

عرف القارئ الجزائري والعربي عموما قارئ الشعر على وجه الخصوص الشاعرة نوارة لحرش بوصفها إحدى الشاعرات اللواتي أخلصن للكتابة الشعرية ضمن أفق ما يسمى بالقصيدة النثرية النسوية عبر مجموعتيها الشعريتين “نوافذ الوجع” الصادرة سنة 2005 ثم “أوقات محجوزة للبرد” الصادرة سنة 2007 عن منشورات وزارة الثقافة.

وهما مجموعتان تندرجان ضمن سياق شعري هو سياق القصيدة النثرية النسوية كقصيدة لها فرادتها الهوياتية والجنسية مما لا يعني بالضرورة تخليا نهائيا عن  عن إشتراطات “بيوطيقا الأنوثة” بتعبير الناقد السعودي محمد العباس أو الغيرية الأنثوية نصيا بوصف “بويطيقا الأنوثة  شكلا تخصيصيا للكتابة الإبداعية النسوية للإقرار بتملكها لمخيالية مستقلة وفق معيارية ابداعية خاصة ” (01).

 في نصوص لا تتواني في خروجها المتعمد عن الأنساق المكرسة في النص الشعري الجزائري عموما سواء تعلق الأمر بالنص الشعري  السبعيني الذي سيطرت عليها المحاكاة الواقعية في صور لم تترك مسافة فاصلة بين المتخيل والواقعي بين الممكن واللاممكن بين ماحدث بحرفيته وما يمكن حدوثه لتتولى المخيلة الإبداعية تشذيبه وصهره في بوتقة الفن الإبداعي أو بالنص الذكوري الجديد نص “الحساسية الشعرية  الجديدة” الممثل لمركزية ذكورية في الكتابة الإبداعية التي  لم تفكك بعد بعض الألغام  والمتعاليات  الذوقية و المعيارية والتربوية والأبوية والذكورية   باتجاه “وعد القصيدة في الإقامة في لا نهائي اللغة و مجهولها في اللامؤكد نازلة إلى الآثار المحجوبة لضيافة لغات و ثقافات في إتجاهات لا نعرفها(02).

 ولم تتخلص مما سماه محمد عبد الله الغذامي “خطاب الشعرنة” أي ذالك النسق الشعري في الذات العربية المبدعة حسب الغذامي  في صناعة وإنتاج الفحل الشعري والطاغية والشاعر النرجسي كمركزيات لابد من تعرية مضمراتها بصور مغايرة مع إختلاف المعطيات والوقائع  ومن مختلف الأنساق الثقافية الشعرية المهيمنة في التراث الشعري العربي كأب له كل السطوة على حداثة شعرية هي الأنثى الشريدة الضالة.

 وليس في قدرة جيل الحساسية الجديدة فعل ذلك وهو أمر ليس غريبا ولا جديدا وليس ظاهرة عربية محضة.

ففي كل ثقافات العالم  يقول الدكتور محمد عبد الله الغذامي  “تظهر المرأة على أنها مجرد (معنى) من معاني اللغة نجدها في الأمثال والحكايات وفي المجازات والكنايات ولم تتكلم المرأة من قبل على أنها فاعل لغوي أو كائن قائم بذاته والمعنى البكر بحاجة دائما إلى اللفظ الفحل لينشأ في ظله” (03).

  خاصة وأن اللغة لغة الكتابة الإبداعية ليست بريئة تماما وأنها تخفي داخلها بعض قوى مستعمليها بكل إحالاتها الدلالية والسيميائية  التي تتناص مع الأنساق الثقافية الرمزية المهيمنة والكامنة فيها وفي دوالها وتشاكلاتها النصية.

“حيث تعمد بعض الخطابات النسوية إلى الاحتفاظ بمركزية المثول الرجالي فحينما تفكر المرأة هنا تفكر بعقل الرجل وتستخدم لغته ومعاييره وتستعير اهتماماته فتغيب اعتباراتها وتقصيها بل وقد تصل إلى استخدام نفس تمثيلاته انتصارا لموضعيته المركزية” (04). لكن هذا لا ينسحب بالطبع على كل أنماط الكتابة الشعرية النسوية.

 فهناك بعض النصوص والتمثيلات الشعرية التي حاولت الخروج نسبيا عن قيم الطاعة الإبداعية في بعدها الذكوري والأبوي المهيمن على الأصعدة اللغوية والموضوعاتية والقيمية والدلالية وغيرها.

ولا داعي لذكر بعض الأمثلة عن ذلك دون أن يعني هذا بالضبط أننا بصدد إصدار أحكام قيمية على هذه أو تلك بفعل تعقد و ضبابية تعامل الأصوات الشعرية الجزائرية النسوية  مع أسئلة الكتابة في بعدها الموضوعاتي والقيمي أو أننا نطالب الأصوات الشعرية الجزائرية النسوية بكتابة تمثل نوعا من ” المقايسة النسوية ” عند النظر إلى بعض التجارب التي أخلصت لروح الكتابة الشعرية النسوية في صلتها بالهموم الفردية النسوية أو الهوية الأنثوية فليس من حقنا ولا من حق أي كان أن يحدد للآخر كيف أو ماذا يكتب.

 وعليه فإننا نقترح قراءة عتباتية لهذه المجموعة الشعرية الصادرة عن منشورات دار الوطن سنة 2016 آخذين في الإعتبار ظروف النشر المعقدة في جزائر اليوم لما لذلك من علاقة مع فقه العتبات النصية التي تجد أسسها النظرية على صعيد بعض ” الفواتح النصية ” بتعبير جيراجينيت في بعض متكآت النص المرئية والبصرية وفي طرائق عرض المادة الإبداعية المنشورة على صعيد البعد الجمالي والعتباتي للمنجز الإبداعي بوصفه ” سلعة أدبية ” بتعبير ألبير ميمي تتوجه إلى مستهلك لهذه ” السلعة الأدبية ” وهو القارئ.

ومع ذلك على مايبدو فقد بذل الناشر / الروائي كمال قرور جهدا لا يستهان به من أجل إخراج هذه المجموعة الشعرية في حلة تليق بها لإغراء القارئ وإستمالته تمهيدا للغوص في بواطن النصوص الحاملة لها دون أن يذهب في ذلك بعيدا بالطبع.

 العتبات النصية في “كمكان لا يعول عليه”

قد لا يخفى على القارئ أن جيرار جينيت هو الذي قام بنحت مفهوم العتبات النصية في قراءة النصوص الإبداعية من داخل عتباتها ولكن جيرار جينيت نفسه هو الذي حذر من العتبات قائلا “احذروا العتبات”.

 فلا يمكن قراءة كل النصوص والتشاكلات الخطابية بنفس الطريقة والإستراتيجية ولا وجود مطلقا لدليل قار أو مانفستو عتباتي صالح لكل النصوص على إختلاف أشكالها وأجناسها ولا يمكن أيضا قراءة العنوان كعتبة نصية منفصلة عن “محيط النص” بتعبير جيرار جينيت.

وعليه فإننا سنركز على الوظيفة الإغرائية للعنوان عنوان المجموعة الشعرية “كمكان لا يعول عليه” ثم العناوين النصية للنصوص الشعرية التي حملتها المجموعة أو “محيط النص” أو “النصوص المصاحبة أو الموازية”.

وهي كلها مفاهيم تعود بجذورها إلى المؤسس الفعلي لفقه العتبات النصية جيرار جينيت  للبحث فيها عن صلتها المعجمية والإسلوبية والإفرادية  بروح النصوص الشعرية المؤلفة منها الروح الكامنة ضمن بوتقة التيار الشعري الذي تنتمي إلى فضائه الإبستيمي والثقافي النصوص الشعرية التي حملتها المجموعة الشعرية “كمكان لا يعول عليه” وهو تيار القصيدة النثرية النسوية عند الشاعرة نوارة لحرش كما عندغيرها من بنات جنسها من الشاعرات أو “الشواعر” حسب الإشتقاق الوصفي  الذي وضعه الناقد الجزائري الدكتور يوسف وغليسي لكتابه الذائع الصيت ” خطاب التأنيث / دراسة في الشعر الجزائري النسوي ” المتخلصة من و”هم المرجع” بتعبير السعيد بوطاجين المرجع الشعري التقليدي في الثقافة العربية الذي كرسته الثقافة الدينية ممثلة في ذلك الإلزام الباديسي في بعده التربوي الإصلاحي الذي حمل لواءه بعض الشعراء وعلى رأسهم محمد العيد آل خليفة ومن معه من شعراء  “الحساسية الدينية” أو “الأرثوذسكية الشعرية” ثم من مركزية الكتابة الذكورية ومن لاءات “خطاب الشعرنة ” الذي قام الغذامي بتعرية كل الأنساق الثقافية الشعرية المهيمنة في ترثنا الشعري العربي أي ذالك النسق الشعري في الذات العربية المبدعة حسب الغذامي  فقط في صناعة وإنتاج الفحل الشعري والطاغية والشاعر النرجسي كمركزيات لابد من تعرية مضمراتها.

 فالدكتور عبد الحق بلعابد و بالنظر لعمق مصاحبته للمسالك العتباتية النقدية وهو الذي يعد في نظرنا من أبرز النقاد الجزائريين المتخصصين في “فقه العتبات النصية”  في كتابه “عنفوان الكتابة..ترجمان القرءة..العتبات في المنجز الروائي العربي” يقدم عددا من الوظائف للعنوان التي يحاول حصرها في الوظائف التالية                                    

– الوظيفة التعينية                                                            

– الوظيفة الإيديولوجية                                                      

 – الوظيفة الإغرائية                                                        

– الوظيفة الوصفية                                                           

 – الوظيفة الإيحائية أو الدلالية ” (05)

وسنكتفي من هذه الوظائف بالوظيفة الإغرائية لصلتها بالمحمول الإغرائي الملتبس بعنوان المجموعة الشعرية ” كمكان لا يعول عليه ” بما يمارسه على القارئ من سلطة إغرائية  وهو يحيل إلى علامة نصية شهيرة تقول هذه العلامة التي تنسب للمتصوف الأكبر محي الدين بن عربي أن “النص الذي لا يؤنث لا يعول عليه”.

وهناك إغراء آخر أيضا يضاعف من إجبارية إعتماد الوظيفة الإغرائية كخيار منهجي لهذه القراءة وهو أن كاتبه هذه النصوص أنثى وهو أمر لا ننكره بطبيعة الحال والمرء “يفتنه عن المقول ويفتنه القول عن الخطاب لإقامة الجسر الرابط بينهما” (06).

 العنوان كعتبة نصية

يعتبر العنوان المدخل الأساسي الذي يمكن القارئ من الولوج إلى باطن النص وقراءة محموله الإبداعي والفكري وفض ما تنطوي عليه جمالياته وأدواته الفنية وعناصر تشكله كنص إبداعي مادته اللغة لغة الكتابة الإبداعية بكافة أشكالها والعناصر الثاوية فيها “فمن خلاله تتكشف معالم أساسية تنتج الدلالات العميقة لأي نص” (07).

لقد لا حظ الناقد السعودي الدكتور ناصر سليم الحميدي ان القارئ هو الذي “يبني توقعه من خلال قراءته للعنوان مما يدفعه الى تحديد جنس النص ومضمونه اعتمادا على صياغته اللغوية وابعاده الدلالية” (08).

ولا ينبغي النظر فقط أو الإكتفاء بما تحيل إليه الوظيفة الإغرائية للعنوان بوصفه عتبة نصية مفصولة عن طبيعة المتن أو المتون التي يتصدرها أو يحمل لواءها هنا يشترط ناقد ومفكر من المتخصصين في وظائف العنوان هو جوزيب بيزاكمبرومبي وجود النص الذي يعبر عنه “لشرح العنوان ومراعات خصوصياته لكي ينظر إلى عنوان ما على أنه كذلك وليست هناك أية خصيصة أو ضرورة ذات طبيعة شكلية” (09).

وعلى هذا الأساس يعتبر العنوان في المنظور السيميائي “النواة المتحركة التي خاط المؤلف عليها نسيج النص لأنه من المنطلقات السيميائية المهمة وليس عنصرا إضافيا أو متمما” (10).

لكن هذه الملاحظة قد تصح على بعض النصوص وقد لا تصح على البعض الآخر والدليل على ذلك أن بعض النصوص الإبداعية  مثلما إستنتج الدكتور عامر رضا “تمارس العناوين المالئة لها نوعا من التموية والإغراء الخادع يجعل القارئ في حيرة من أمره ويخلق له تشويها قهريا وقد يقوده إلى متاهة حقيقية لا مهرب منها سوى إلى النص ذاته” (11).

فعلى غلاف الكتاب يواجهنا العنوان التالي “كمكان لا يعول عليه” المكتوب على عرض الغلاف وليس أفقيا بلونين مختلفين فقد كتب باللون الأصفر “كمكان”.

بينما كتب الشطر الثاني من العنوان  بلون مغاير هو الأبيض كما لو أن اللون الأبيض “لا يعول عليه” جاء لتأكيد أن الذي لا يعول هو المكان فهل حقا أن المكان لا يعول عليه وأي مكان…؟.

وهناك سؤال آخر وهو ما دور كاف التشبيه في هذه الحالة…؟.

وبالطبع لن نستعجل في طلب المعنى والدلالة دلالة العنوان ” كمكان لا يعول عليه ”  مالم نتمكن من فتح مغالق النص على إعتبار أن العنوان ليس مجرد ” ضرورة ذات طبيعة شكلية ” مثلما قال جوزيب بيزاكمبرومبي ” بينما أسفل العنوان كتب بخط أصفر (شعر) كدلالة على هوية النص التجنيسية وفوق عنوان المجموعة ” كمكان لا يعول عليه ” كتب  بخط أبيض إسم الشاعرة نوارة لحرش وتحت عبارة (شع) لوغو دار النشر وهنا هي دار الوطن التي يشرف عليها ويديرها الروائي كمال قرور ضمن ” الواجهة التي يقدم بها الشاعر بضاعته فيجد القارئ كل ما يحتاجه من معرفته من / اسم السلعة (العنوان) اسم مصممها (المؤلف) شركة الإنتاج (دار النشر) (12).

 ويشير الدكتور عامر رضا أن الناقد المغربي حميد لحميداني كان صاحب السبق في تمييزه اللافت للنظر “بين نمطين في تشكيل الغلاف الخارجي للنص هما تشكيل واقعي مباشر لا يحتاج القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص والتشكيل ثم تشكيل تجريدي يتطلب خبرة فنية عالية من المتلقي لإدراك بعض دلالاته وكذا للربط بينه وبين النص” (13).

 ووفقا لهذا المنظور فنحن إزاء غلاف المجموعة الشعرية “كمكان لا يعول عليه” أمام تشكيل تجريدي لوحة سوداء مع بعض الأبعاد السينوغرافية مدرج في وسطها عرضا عنوان المجموعة الشعرية “كمكان لا يعول عليه” بوصف غلاف الكتاب  نص آخر ينبغي أن يقرأ النص الإبداعي على ضوءه، وانطلاقا من الأفق الجمالي الذي يواجه القارئ الحصيف لأول وهلة وهو ينتمي إلى عنوان آخر كبير هو “محيط النص” مثلما يسميه جيرار جينيت، وبالتالي فهو يمنح القارئ والناقد مزيدا من الإدراك الموسع لقراءة النص الإبداعي في أبعاده التكاملية ناهيك عن الوعي أيضا بالبعد البصري في الكتابة الذي عادة ما يحضر بقوة في بعض التجارب القليلة لدى شعراء و”شواعر” القصيدة النثرية حيث تستعين فيه الذات الشاعرة بوعيها البصري ومساحات التشفير والبياض والتقطيع الحروفي أو ما يسمى إجمالا “الإحالة إلى بياض” كرافد جديد يقدم للدرس النقدي السيميائي إمكانية إستثمار بعض إشعاعات ما يسميه السميائيون “بالبياض الدلالي”.

  فكل هذه المتكآت النوعية لظاهرة الكتابة الشعرية في أفقها البصري التي غفل عنها النقد الكلاسيكي تقدم بعض الإضافات الممكنة لراهن الكتابة الشعرية إختراقا لظاهرة “الكتابة بالصوت” بحثا عن حساسية جديدة تستعين بالبعد البصري في الكتابة الشعرية لقول ما لم تقله القصيدة الكلاسيكية أو “الكتابة بالصوت”  بتعبير محمد بنيس التي لا زالت تهيمن على العديد من التجارب الشعرية العربية بوصفها من المآخذ التي كان يرى الشاعر الجزائري معاشوقرور أنها “وسمت الحوار البصري العربي بوصمة الأمية البصرية بالرغم من الإرث الجمالي لثقافة العين العربية” (14).

لكن أيضا لماذا  “كمكان لا يعول عليه”…؟  ما دلالة ذلك وما موقع هذا العنوان من الفهرست بوصفه أحد فروع ما يسميه جيرار جينيت “بالملحقات النصية”…؟.

لكن عند قراءة فهرس المجموعة لا يعثر القارئ بالمرة على أية قصيدة تحمل العنوان الجامع أو “جامع النص” بتعبير جيرار جينيت ” كمكان لا يعول عليه” مما درج عليه بعض الشعراء و”الشواعر” في إختيار عنوان نص يجعل منه عنوانا للمجموعة بأكملها غير أن قراءة وجيزة لنصوص المجموعة الشعرية تكشف لنا أن هذا العنوان “كمكان لا يعول عليه” إنما جاء في سياق نصوصي ضمن نص من نصوص المجموعة أو “النصوص الموازية” لجامع النص ” بتعبير جيرارجينيت هو نص “مأدبة متأخرة” ” فبالقدر الذي تبين للذات الشاعرة أن “القلب تماما بمحاذاة الأذى / تمتم الذي من تعبه الفادح / كمسودة منذورة للحذف /  كمكان لا يعول عليه” (15).

 لكن هذا لا يكفي ولا ينبغي أن نعتبر بسذاجة وسطحية “العنوان الجامع” ” كمكان لا يعول عليه ” مجرد إشتقاق لغوي أو هو نوع من التناص اللغوي الخارجي أو الفيزيائي العابر للحظة الكتابة الإبداعية من داخل المحمول الإبداعي لنصوص وروح المجموعة الشعرية وهي هنا روح الأنثى الشريدة الباحثة عن عشبة الخلاص أو عن ” العشب بين الحجر” بتعبير جيل دولوز  مع تلك العلامة النصية الشهيرة لمحي الدين بن عربي ” المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه ” بل سنحتاج إلى قليل من الصبر مما سنأتي عليه في آخر التحليل.

“التوازي النصي” في “كمكان لا يعول عليه”

يتفق أغلب الباحثين الذين أستلهموا ما سمته جوليا كريستيفا “بالإنتاجية النصية” لفقه العتبات النصية أن جيرار جينيت يعود له الفضل في نحت بعض المفاهيم المتعلقة “بالنصوص المصاحبة أو النصوص الموازية” للنص الجامع للمدونة النصية موضوع القراءة النقدية من زاوية عتباتها المختلفة  فقد أفرد لها حيزا مهما من كتابه “تطريسات” بوصفه “المعنى الدال على تجلي  النصية المتعالية التي تتضمن جامع النص” (16).

 فما يمكن التأكيد عليه في هذا السياق  هو ذلك التناغم على الصعيد المرجعي بين دلالة العنوان الجامع أو “النص الجامع” يتعبير جيرار جينيت  وعناوين بعض النصوص الشعرية أو “النصوص المصاحبة” وما تتركه من أثر دلالي في لا وعي القارئ في انتمائها لموضوعة واحدة معروفة هي الإرتباط شعريا بالمحمول الأنثوي للكتابة الشعرية من داخل جنس أدبي مخصوص لتيار شعري هو تيار قصيدة النثر النسوية النصوص التي تتشكل من  العناوين التالية (شجر المعنى / قميص اللغة / حالة غياب / أعطاب باكرة / الحياة أقصر من قامتي / إتفصامات / مأدبة متأخرة / وليمة الأسئلة / كالكمنجات / رغبات منكسة / كثمرة صغيرة ذبلت في آنية الغروب / صهيل / إنطفاء / حكمة / لفافة / جحيم / سراب / جوارب معلقة على شتاء القلب / مفارقات / مايحدثه التصبير / أناشيد العطب ) بحيث تشكل  عناوين هذه ” النصوص المصاحبة ” بؤرة استقطاب وما تحيل إليه من دلالات مرجعها ” بويطيقا الأنوثة” بتعبير الناقد السعودي محمد العباس وتفاعل الذات الشاعرة نصيا مع كينونتها الأنثوية في بعدها الهوياتي الجنوسي أو ” الجندر ” بإعتبار الجندر هو علم النوع البشري إنطلاقا من البوتقة الأنثوية التي ألقت بظلالها على مخيال الشاعرة ولا وعيها الإبداعي وبالتالي على لاوعي اللغة لغة الكتابة الإبداعية لديها من ناحية المعجم الفني والأسلوبي الذي يميز دلالات ” النصوص الموازية أو النصوص المصاحبة ” وهو معجم بالطبع مرجعه هشاشة الذات الأنثوية في ظل ثقافة أبوية كرست ولا زالت تكرس لما سماه الغذامي ” بخطاب الشعرنة ” في الثقافة العربية المعاصرة كسياق ثقافي  كتبت فيه هذه النصوص وما تخلل ذلك من ظلال فكرية ومعرفية تعود باصولها إلى ما كان يسمى آنذاك وحدة النص الإبداعي بصرف النظر عن جنس كاتبه ذكرا كان أو أنثى النافي لأي تعدد أو خرق أو تجاوز للمسلمات التي درجت عليها الثقافة العربية في تعاملها النقدي مع الصوت النسوي المقصى من دائرة التداول الإعلامي والنقدي والأكاديمي إلا فيما ندر وعليه ليس غريبا أن نعثر على نوع آخرمن ” النصوص المصاحبة ” هي ما يسميه جيرار جينيت ” النصوص الملحقة ” أو ” الملحقات النصية ” ومنها ما يصطنعه الناشر المسؤول الثاني عن ” النص والمناص ” بتعبير عبد الحق بالعابد على ظهر غلاف المجموعة ومما جاء فيه ” أتمدد في المعنى / أفتح بابا بقامة الأحلام / أدخل منه / على حياة ليست بإنتظاري / أصافحها بحرارة لا مثيل لها إلا في المفردات ” (17).

وهي في الأصل شتات نصوص مقتطعة من باطن نص من نصوص المجموعة هو ” إنفصامات ” كنوع من الدلالة الإشهارية السابقة على النص وهو أمر طبيعي دأبت عليه تقاليد النشر المحددة لفواتح النصوص الإبداعية ” كسلعة أدبية ” بتعبير أبير ميمي يتوجه بها إلى مستهلك لهذه السلعة هو القارئ وليس مهما بالطبع معرفة هوية هذا القارئ إن كان قارئا متخصصا أو قارئا مستمتعا أو قارئا رقيبا متوجسا مشحونا بخبرة قرائية مضادة للنص الإبداعي موضوع ” السلعة الأدبية ” الحاملة لمنتوج شعري نسوي حمل عنوان ” كمكان لا يعول عليه ” ليس فقط من قبل ما تحيل عليه دلالة المكان الذي لا يعول عليه بوصفه مكانا ذكوريا و” المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه ” مثلما هجس بذلك محي الدين بن عربي.

وهنا بالذات نصل بالقراءة العتباتية في بعدها التأويلي إلى حد فك شفرات رمزية العنوان للمكان الذي لا يعول عليه بإعتباره مكانا ذكوريا  المصدر الأساسي لعناصر تنشئة النص الإبداعي أو العنوان الجامع أو “جامع النص”  بتعبير جيرار جينيت ولهذا السبب بالذات كان الروائي والسيموطيقي البارزأمبيرتو إيكو يرى أنه “ليس على القاص أو الشاعر مطلقا أن يقدم بعض التفاسير لنصه فالنص بمثابة آلة تخييلية لإثارة عمليات التفسير” (18).

وهي متباعدة بلا شك من حيث تعدد منظورات المقاربة والأسئلة التي تحاول إثارتها لإضاءة الجوانب الداجية في النصوص الإبداعية الجزائرية وما أكثرها

……………………………

إحالات

01) )  سادنات القمر.. سرانية النص الشعري الأنثوي – محمد العباس – ص 57 / 58 دار الإنتشار العربي بيروت 2003

02) الحق في الشعر محمد بنيس – ص28 – دار توبقال – 2007 الدار البيضاء

03) المرأة واللغة – عبدالله محمد الغذامي – ص 08 – المركز الثقافي العربي  بيروت الطبعة الثالثة 2006

04) الكتابة النسوية بين المثول المركزي ووهم الإيديولوجيا الإصطفائية – غزلان هاشمي-  مجلة مسارات – ص 48 – العدد 03 الجزائر

05) عنفوان الكتابة.. ترجمان القراءة – العتبات في المنجز الروائي العربي – ص 56  57 عبد الحق بلعابد – دار الإنشاء العربي – بيروت

06) محاورات مع النثر العربي – مصطفى ناصف – ص15- سلسلة عالم المعرفة – المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويت – 1997

07) شعرية العتبات النصية في ديوان ” لا تجرح الماء ” للشاعر أحمد قران الزهراني – ناصر سليم الحميدي – ص 44 مجلة عبقر منشورات النادي الثقافي الأدبي بجدة عدد سبتمبر 2012

08) )  نفس المصدر ص 45

09) وظائف العنوان – جوزيب بيزاكمبرومبي ضمن كتاب السيميائيات السردية – نمذجة سردية – الأشكال السردية – وظائف العنوان – ص250 ترجمة وتقديم عبد الحميد بورايو دار التنوير الجزائر 2013

10) علم السيمياء والنص الادبي – محاضرات الملتقى الوطني للسيمياء والنص الادبي – بلقاسم دقة – جامعة بسكرة الجزائر نوفمبر 2000 ص 43

11) سيمياء العنوان في شعر هدي ميقاتي – عامر رضا ص125 مجلة الواحة للبحوث والدراسات المجلد 07 العدد 02 جامعة غارداية

12) نفس المصدر ص 128

13) نفس المصدر ص 129

14) الأمية البصرية / إشكالية تلقي الحداثة في الفن التشكيلي العربي – معاشوقرور – ص56 – دار ميم الجزائر 2013

 15) كمكان لا يعول عليه – شعر – نوارة لحرش ص43 منشورات دار الوطن الجزائر 2016

16) سيميائية العتبات النصية في خطاب الإهداء – أحمد يوسف – مجلة اللغة والأدب والعربي – جامعة الجزائر ص 170 – العدد 15 2001

17) كمكان لا يعول عليه مرجع مذكور ص 21/ 22

18) حكايات عن إساءة الفهم – أمبيرتو إيكو – ترجمة ياسر شعبان   ص77 – منشورات الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2002

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم