الطاهر شرقاوي.. سيد التفاصيل الصغيرة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 36
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف محمد عبد المجيد

من قرية نائية تتبع محافظة قنا الجنوبية التي يمتاز ناسها وأهلوها – بجانب سمرة الوجوه – بالطيبة المتناهية..شدَّ الطاهر محمد حسين شرقاوي الشهير بالطاهر شرقاوي رحاله وحطها في القاهرة..المدينة التي تجذب إليها كل مفتون بالكتابة وبعوالمها الساحرة.. ولأنه قاص وروائي فقد جاءها يسعى بغية اكتشاف أسرارها ولتكتشف هي أسرار موهبته الحقيقية المتدفقة.

الطاهر شرقاوي بجسده النحيل وبكابه الذي لا يفارقه تقريباً (نظراً لأن ثمة علاقة عداء على ما يبدو بين الطاهر وبين شعره الذي يحلقه دائماً على الزيزو) وبسمرته الخفيفة يلقاك بابتسامة عريضة تسَعُ الكثيرين.. وللوهلة الأولى تكتشف أنك تجلس مع إنسان رائع يفيض محبة ومودة على الجميع.. إنسان دمث الخلق..يحدثك في هدوء حتى لتكاد لا تشعر بوجوده.

يكتب الطاهر شرقاوي القصة والرواية وقصص الأطفال.وقد أصدر عددا من المجموعات القصصية منها:البنت التي تمشط شعرها..حضن المسك..صوت الكمان..عجائز قاعدون على الدكك ومن رواياته: فانيليا ورواية أخرى قيد النشر سماها عن الذي يُربي حجراً في بيته.يفضل الطاهر شرقاوي الجلوس مع الأصدقاء على إحدى مقاهي وسط البلد ليتناقشوا في الأدب والسينما وعوالم الإبداع عموماً.هذا وعلى الرغم من موهبته التي فاقت مواهب آخرين إلا أن الطاهر شرقاوي لا يجيد التسويق أو الدعاية لأعماله رغم جودتها وحصول الكثير منها على جوائز رفيعة..هو يكتفي فقط بأن يهدي أعماله إلى بعض الأصدقاء ليتعرف على آرائهم فيما يكتب..ولم يطلب ذات يوم من أي أحد أن يكتب عنه..إنه بخجله الصعيدي الذي ما زال يرافقه حتى اليوم في القاهرة لا يسعى لا للشهرة ولا لأضوائها ولا لبريقها..إنه يكتب فقط ما يحب ولا ينشغل للحظةٍ بما بعد الكتابة.إنه يراهن على أن صدق الموهبة وحده هو كافٍ ليصل بصاحبها إلى القراء مهما كانت العقبات ومهما طبّل آخرون لعديمي الموهبة أو لذوي المواهب الضحلة.يبدو الطاهر شرقاوي شخصاً ملولاً بطبعه يمكن أن يبدأ في مشروع إبداعي ثم يتوقف ولا يكمله وهو لا يستطيع أن يرغم نفسه على إقامة جدول معين للكتابة..وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنه يهتم بالكيف وليس بالكم..لا يهمه كم رواية أو مجموعة قصصية أثمرها بل هو مهتم بكيفيتها..بجودتها.. بقيمتها الإبداعية وماذا ستضيف إلى رصيده الإبداعي هو أولاً ثم إلى الرصيد الإبداعي العام.

هذا ويتحفظ الطاهر شرقاوي على أي مقولات سائدة ترفع من شأن فن على حساب فن آخر وتجعل منه بطلاً للحظة الراهنة..إنه يرى أننا لا نعيش في زمن الرواية أو السينما أو المسرح أو الإعلام..ببساطة يرى أننا نعيش في زمن الفن الجيد..فالأنواع الأدبية على اختلافها تتشابك خيوطها وتتنافر في تشكيل معقد.

وعن الطاهر شرقاوي يقول الناقد محمد بدوي بعد صدور روايته فانيليا ووقت حصولها على المركز الأول في مسابقة ساويرس:الطاهر شرقاوي برغم غنائيته وحسن ظنه بالعالم..لا ينكر نسَبه..لكنه ينقش على هذا النسب صوته ونفسه وهو نقش يمكن أن تزداد خطوطه وضوحاً وحِدة وبالتالي اختلافاً في الكتابة القادمة.أما الروائي جمال الغيطاني فيرى أن رواية فانيليا نقلة متميزة لا في مسيرة الطاهر شرقاوي فحسب بل في عالم كتابة الرواية خاصة بين مجايليه من الكتاب الشباب.هذا ويقول الغيطاني:بعد أن انتهيت من قراءة رواية فانيليا للطاهر شرقاوي قلت لنفسي تلك هي الكتابة الجديدة بحق.ويضيف:مع توالي السرد نجد أنفسنا في مواجهة لغة جديدة إيقاعها مختلف رغم بساطتها الظاهرة إلا أن الشاعرية الكامنة وراءها تمنحها عمقاً.. كأن المؤلف يرى العالم بعينيّ طفل.وبعد صدور مجموعته القصصية عجائز قاعدون على الدكك وهو يجيب عن سؤال:ما الذي دفعك للكتابة عن عالم كبار السن وأنت ككاتب شاب لك اهتمامات أخرى يقول الطاهر شرقاوي: عالم كبار السن فكرة مبهرة لي..فمحيطي الاجتماعي الذي عشت فيه كان قائماً على احترامهم فالأهل والشيوخ الذين تولوا تعليمي في الكُتّاب والمدرسة كانوا عجائز وكنت أراهم دائماً في عالم جذاب..من خلال دراستي الأزهرية إذ كانوا شيوخي كبار السن أو مكفوفين فاحتككت بهذا العالم منذ طفولتي وعالمهم مختلف عنا كثيراًوخاص بهم ولهم تجمعاتهم وحكاياتهم الخاصة وأشعر دائماً أنهم في انتظار شيء معين يعرفونه هم فقط. في إحدى قصصه يكتب الطاهر شرقاوي:بلا احم أو دستور تزورنا الأحلام.. فما إن نسقط في بئر النوم المظلم..حتى تتسرب الأحلام من مخابئها السرية..فتأخذنا إلى مدينة كبيرة..مكتوب على بوابتها الذهبية الضخمة:انسَ عقلك..واخلع نعليك..وادخل برجلك اليمين. إذن هذه هي مدينة الأحلام التي تلبي رغباتنا وطموحاتنا المكبوتة..لا فرق إن كانت تلك الرغبات بسيطة أم معقدة.

وفي قصة أخرى يكتب:ماذا يفعل الولد وقد استيقظ اليوم، وهو يشعر بمزاج سيء؟

عادة يحدث معه ذلك عدة مرات في الشهر، وعندما يفكر في الأمر لا يعثر على سبب واحد يعكر صفاء روحه.. هو فقط يصحو من النوم فيجد نفسه هكذا، جسد ثقيل لا يرغب في ترك الفراش، ووجه يرمق السقف بعينين تشبهان عيون السمك.أيقن الولد أن هذا ليس يومه، وعليه الآن أن يهيئ نفسه لمرافقة الملل واللامبالاة والانغماس في الصمت فكر: إنه لابد وأن يقرأ كثيرا في علم النفس، ليس للبحث عن علاج لحالته، والتي يراها غريبة، وإنما فقط من أجل المعرفة، قائلا: إن المعرفة وإن لم تقُدْك إلى الحل، فهي على الأقل ستقلل من رهبتك، وتساعدك في التعايش بسلاسة مع مزاج سيء يأتي بلا سبب..قطعة من البهجة..هذا ما كان يدور في خلد الولد البهجة هي بالضبط ما يحتاجه الآن، في هذا الصباح الباكر، بهجة تجعله يغادر سريره بخفة ويمارس طقوس يومه بهمة ونشاط.. بهجة تجعل مزاجه صافيا، وقادرا على الكتابة بشغف بينما موسيقى محببة تعزف في خلفية المشهد.ترى..من أين تأتى البهجة؟

 

 

مقالات من نفس القسم