الصافرة

موقع الكتابة الثقافي art 1
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نهلة عبد السلام

كلهن فى سباق للحاق بالقطار، يهرولن حين يسمعن صافرته وقد شحذن أسلحتهن وأعددن عدتهن، ريم.. سمر ونيروز.. تربطهن علاقة قرابة وكذا صداقة.

 كانت ريم أول من عثرت على مقعد خال، أو ربما هو من عثر عليها، تململ الشاب فى جلسته فور أن التقى عينيها، حين استقبلها والدها تبرع المسحور بحمل حقائبها والتى بالطبع استقرت فى منزله، خمسة وثلاثون يوماً فقط لا غير واعتلت فراشهما الجديد الوثير صورة الأبيض والأسود مع قليل من مساحيق دخيلة بألوان مثيرة وعابرة.

سمر ونيروز أغدقا طفلها الأول بالتدليل والهدايا وهو ما لم ينله التالى.. كان القطار يزحف فيخفت نور وجهيهما وكأنما يستمدان إطلالتهما من انعكاس كشافاته المبهرة، بات خوفهما من ذبول بداخلهم هو شاغلهم.. بل وشاغل كل من يعرفهم أو حتى لا يعرفهم.

تجاوزت سمر السن كما الحلم.. كان رأسه مشتعلاً شيباً وقلبها كمداً.. المقعد خال ولكن لبعض الوقت، تأففت وتململ العجوز فى جلسته فور أن التقى جسدها، حين استقبله شقيقها تبرع بحملها وبالطبع أودعها منزله أو ربما مقبرته.

أكثر ما جاهدت إخفاء الخجل حين يظنه الغرباء أباها ثم من بعد بطنها المتكور.. الجد المتشوق لرؤية ولده والذى يثير شفقتها أحياناً وغثيانها غالباً.

ريم وسمر أضحتا لا تأبهان سوى لبكاء.. ضحك.. مناغاة الصغار.. أما الصافرة فباتت لا تعدو خلفية باهته.. فالشاب والعجوز يتشاركان لعب الطاولة والشطرنج فى نفس ذات المقهى.. وكان أن تجرعا نفس الكوب.. نفس المشروب فتجعدت روحيهما بغض النظر عن المدون بالأرقام فى خانة الأعمار.

نيروز كَل يمينها من العقد والحل.. تذبذب أصبعها ما بين ضغط الإطار وخلخلة الفراغ، كاد يدهسها القطار.. تجمع خلق الله من بشر وطير وحيوان.. وفى دهشة واستغراب أعملوا فيها اللوم والعتاب “الصافرة يا امرأة .. الصافرة وأنتِ فى غيابات المتاهات”.. صمت أذنيها عن مناداتها بامرأة، كانت المرآة فى الحقيبة.. حين نظرت فيها ألقتها فى فزع فأكلتها العجلات.

المقعد خال ولكنه شائك يبرز منه رأس أسود لم تنتبه له.. انتفض الرجل فور أن التقى جرحها واشتم رائحة دمائها.. طيبة وتحفز ليصنع غيره خاصته.. غائر وداكن، حين استقبله عمها تبرع بحمل نفسه خارج نطاق اللغم.. تركهما فى الحقل، حتى الهدوء صار خدعة وإنذار بالإنفجار وإندلاع النيران.

يوم وضعت طفلها لم يكن بانتظاره لا جد ولا والد.. حتى ريم وسمر كان القطار قد حملهما بعيداً.. بعيداً جداً.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون