الرجل ذو البيجامة الملونة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش

الرباط، 1985.

اسمه (نجيب).

التقينا ذات يوم صدفة في (كليلة ودمنة)، إحدى المكتبات المشهورة بالمدينة.

كنت أنا طالبا في كلية الآداب، قسم السسيولوجيا، وكان هو موظفا في شركة دولية للتصدير والاستيراد، خبيرا في البيو- كيمياء، عاش فترة في أمريكا، كان واحدا من (هؤلاء الآخرون)، شخص مختلف، نسيج وحده، متفرد، مثقف، وسيم، أنيق إلى حد الهوس، يخيل لي أحيانا أنه ليس شخصا حقيقيا، فهو يبدو كما لو خرج توا من عمل أدبي.

مع مرور الأيام، توطدت علاقتنا، وأصبحنا صديقين…

لم أنجح أبدا في فهمه، فهو أحيانا يبدو بسيطا إلى حد السذاجة، ويبدو أحيانا إشكاليا إلى حد القلق، في كل مرة نلتقي ننخرط في سجالات فلسفية حول الحياة، الدين، الحب، المتعة، الحرية، الفن والسعادة…

من جهتي، كنت أعيش مرحلة التمرد والقلق الوجودي والبحث عن الذات، بفعل جرثومة الكتب، وأحلام الشباب، وتجربة الموت والحب، وأرمم بالكاد أعطابا خلفتها المراهقة، مراهقة قوية، مستعصية وجارفة.

وبالمقابل، يبدو هو مطمئنا، هادئا، ومتصالحا تماما مع ذاته…

كانت مسارات حياته مرسومة بعناية، ومتناغمة بدقة مثل ساعة سويسرية، يستيقظ باكرا يصلي الفجر، يتناول إفطاره على وقع الصوت الحزين للشيخ (عبدالباسط عبد الصمد) وهو يقرأ (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه…)

في المساء، يعود من العمل متأخرا، يصلي العشاء، ويطلق شريطا غنائيا للست (أم كلثوم)، وهي تصدح بالرباعيات (فما أطال النوم عمرا، ولا قصر في الأعمار طول السهر….)

كنا نلتقي بشكل منتظم، ونسهر نهاية كل أسبوع في بيته الصغير في حي النرجس، شقة أنيقة، منظمة، مريحة، وبدون بهرجة، سهرة دنيوية بامتياز، تخضع لطقوس وشكليات، رفقة طيبة، موسيقى، ومائدة في منتهى السخاء والكرم، روج، عرق أبيض، سجائر شقراء، وفاكهة باذخة…

يرتدي بدلة السهرة، (بيجامة) ملونة و(شاشية) سوداء، أنظر إليه، أتأمله، عبثا أحاول أن أفهمه…

يبدو حزينا، مكتئبا وصموتا في بداية كل سهرة، ولا تنتقل إليه العدوى إلا بعد مدة.

أخيرا، يشرق وجهه، فيبدو سعيدا ومنطلقا.

يرقص، يغني، يتمايل، يرفع يديه عاليا في حركة انتشاء، وبحركة معقدة يمسك بيده اليمنى سيجارته وكأسه المترعة، في حين تلتف سبحة من الفيروز بشكل أنيق حول معصمه الأيسر.

أنا كنت أسمي هذه الرقصة (فجورها وتقواها) في إشارة إلى الجمع بين الكأس والسبحة.

يردد دوما قولة (إبن سينا)

(العلة في الشارب، وليست في المشروب)

تمر الساعات، يمضي الليل، وتنتهي جلسة السمر دوما في وقت متأخر…

في الصباح، يستيقظ باكرا كعادته، يطوي ملابس السهرة بعناية، يدسها في الدولاب، يأخذ دشا دافئا، يغتسل، يتوضأ، يصلي الفجر، ويسترجع تدريجيا مرحه وابتسامته…

مرت سنوات طويلة، تفرقت بنا السبل، التقيته يوما عند بوابة المسجد الكبير، كان هادئا كعادته، استقبلني بالأحضان، وبابتسامة مرحبة…

انخرطنا في نوستالجيا قوية عن أيام الزمن الجميل، أيام المتعة والحب والكتب والأحلام الملونة…

– هي فعلا أيام جميلة…

– نعم، كنا نقضم كعكة الحياة بفرح طفولي مثل قطعة شوكلاطة.

– كنت دوما أود أن أسألك…

ابتسم، تردد قليلا، وأفضى إلي بسر (البيجامة الملونة) و(الشاشية السوداء)

– إنها استعارة لخروج مؤقت من ملة الإسلام.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون