الذي سرقت القطة عشاءه

الذي سرقت القطة عشاءه
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد ربه طه

يختار أحمد طه القضايا الخاسرة ليدافع عنها لآخر رمق،  يمكن أن نقول أنه شجاع لكن لدرجة التهور، قد يواجه الخطر دون أن يفكر في وزنه أو قوته.

في طفولتنا كنت أؤمن أن العدو الحقيقي لا يمكن رؤيته كالريح والعاصفة، وهو كان يعتقد أن كل من ابتسم له أصبح صديقا أبديا لا يمكن أبدا أن ينقلب إلى عدو.

أحمد طه من أنصار الفلسفة المادية وكان من أصحاب الفكر المنطقي، أما أنا فاؤمن بالحدس، وأن الحدس نور به يدرك العقل الأوليات دفعة دون حاجة إلى برهان، وكان بالطبع يعارض ذلك ويقول إنه يؤمن بما قاله ابن رشد من أن هدف كل من الفلسفة والدين الوصول الى الحقيقة، فكنت أرد عليه أن الإنسان أصبح مغرورا يعتقد أنه ذو سلطان على الارض لربما شعر “وكأنه رب نفسه وليس يفوقه رب”، فينفعل أحمد قائلاً: “الحياة صراع ضد ظاهرة الموت”، ونظل في جدل حتى تعلو أصواتنا، وربما أمسك كل منا في تلابيب الآخر حتى تتدخل أمي بيننا وهى تلهث خوفا

في الثانوية كان يعطي الدروس الخصوصية للطلبة الذين في نفس المرحلة وخصوصا في مادة الرياضيات، وفي مرحلة مراهقتي الأولى كنت أصحبه معه ليشاركني بعض المغامرات ولكي أعلمه الشقاوة والفقدنة، مثل التشعلق في الترام والجلوس عليه من ناحية الشمال، أو الدخول في مشاجرات مع الصبيان الآخرين بعد مباراة كرة قدم في الشارع، وقد استفاد هو فيما بعد في كل هذه الأشياء، وأضاف عليها قدرته على معاكسة البنات والخروج معهم للفسحة أو دخول السينما، وكان عند عودته من إحدى خروجاته مع البنات التي تعقبها مشاجرة غالباً، تأتي البيت بشرطة في وجهه وقميص ممزق.

كانت أمي تقول عنه أن القطه تخطف عشاءه، لأنه أي إنسان كان يستطيع ببعض الكلمات المعسولة أن يضحك على أحمد ويسلبه نقوده، وعندما يملك مالا فهذا المال ليس له بالمرة، إنما بالتأكيد لصاحب نصيبه،  أما شحات غلبان أو صديق معذور او أصدقاء في المقهى.

من وجهة نظري، فإن اهم دراسة كتبها أخي أحمد بعد أن أدى واجبه كجندي في الجيش في حرب أكتوبر 1973 هى دراسته عن النفري والتي شاركه في كتابتها صديقه الطبيب الشاعر عبدالمقصود عبد الكريم.

كنا نشترك معا في حب الادب والشعر، وكان يحب أمل دنقل وصلاح عبد الصبور ومحمد عفيفي مطر وبابلو نيرودا، أما أنا فقد كنت أحب هولدرين أكثر من نيرودا، كما كان أخي أحمد يعشق التراث الصوفي الاسلامي وكما قال في أحد حواراته أن التراث الاسلامي وليس العربي فقط يمثل عنده مكوناً هاماً من مكوناته الشخصية والثقافية أن أحد مشاريعه القديمة والمهمة والتي مازالت تلح عليه كتابة كتاب عن النفري، وتحقيق شرح مواقفه والتي كتبها التلمساني في القرن السادس الهجريـ لأنه يرى أن هذا التراث العظيم قابل دائما للتحاور مع أي عقل ومعنا بالذات نحن أبناء هذا الجزء من العالم، كما يرى أن المتصوفة ونتاجهم  أهم حلقة في تراثنا الاسلامي لأنه تراث كل  الشعوب وليس تراث شعب بعينه

أنا لا أنسى الكثير من مواقف أخي أحمد، وخصوصا عند موت شقيقتي الكبرى زينب والتي كانت معه في نفس المدرسة الابتدائية، ظل حزينا لأيام لا يستطيع تناول الطعام لكنه لم يبك، وإنما كان كأنه أصيب بالخرس، وتغيرت نظرته إلى الوجود بعد ذلك، صار كأنه فيلسوف صغير متشائما أكثر منه متفائلا، وأذكر بعد ذلك القصائد التي كتبها عن زينب ولم ينشرها أبدا، ثم بعد أن توفيت أختي بثينة وهى في بداية صباها أصبحت قصائده تقطر حزنا، كانت قصائد لشاعر وفيلسوف وجودي صغير شعر بأن الحياة ليست إلا فخا.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم