الدخان

حسين عبد الرحيم
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

يلازمني منذ عقود، مرة في البر ومرة في البراري ومرات في البحر. وفي السحر كان البدء

كانت الحوانيت ضيقة في بلاد تسمى “هجرة”، ودق الطواحين وصلصلة وثمة وشيش، وأنا الطفل الضليل المرتجف من البرد. فات أبي أن يلكزني هذا الصباح كما تعودت منه كل ليلة بختامها :نام بسرعة.

يلكزني ببوز حذائه وقد ارتسمت الكآبة والجهامة على وجهة. انكمش تحت غطاء من الصوف الرمادي. بطانية مثقوبة ووشيش وابور قريب وذاكرة ترتج إلى القادم والآت مرات وإلى الخلف برهة لا تعيها أيها الطفل، الصبي.

وكان الصباح وبدء يناير. وأنا المنكمش تحت غطائي أطل من ثقب الغطاء على سماء مفتوحة متسعة المدى وبلاداً لاتعرفني ونجوما منثورة تبث ونسا ودلالات جمة في بشائر موسم اليوسفي والبرتقالـ وشقيقتي تقرب القشر وقد فتحت الثمرة على مقربة من ثقبي أنفي.وثمة أنصاف متساوية  لبرتقال بلدي بدم أحمر، بارد ملمسه .يطول الوشيش وأنا السابح في سماواتي بلاد الله خلق الله.وقد أطمأننت لرحيل الأب بعدما خطى بحذائه الثقيل وقتما زاد الطنين في اذني فخالني نذير شؤم مخادع، خاتلني فتحجرت في فراشي وحدي.على لهث صباع المرزبة الغليظ الدائر في جب العجين. حدثتني الخاله أم حامد بالأمس عن أمي وتغريبتها الأخيرة قرب كفر البطيخ وشرق الأسكندرية وقالت أم الغائب من عقود ببغداد:

ـ أمك ذهبت للتعاقد على ثلاثة فدادين من الكمثرى الثلاجة.وستغرب قليلا وبمهل قرب عزبة البرج لتستريح ثم تعاود النهوض لكفر البطيخ للانتهاء من دفع المقدمة الثانوية لمحصول الجوافة.

ويزيد الوشيش.وتدق ساعة الزمن بلا عقارب.بحواس منضبطة تعمل بالذعر وهواجس الخوف من أبي.!

قدر الوقت بالخامسة والنصف صباحا.وتوهتي لم تزل سارية وتلك الرائحة لبشائر اليوسفي في عرقي وحلقي وأنفي.والوشيش، وتمدد الصور والهالات وصوت كلاكسات لعربة بدفورد نقل بلا مقطورة، وأعمدة إنارة في طريق عتمة. ورؤى لطرق بعيدة مسفلتة.وجلباب أبي وجهامته وشد الصديري وكيس النقود المحلاوي المطوي تحت الإبط بالجيب الأيسر.وأزرار من نحاس تبرق ووهج ساعته الزودياك المعلقة بشق سحري. وحذائي الهلنكة قرب قدمي تدفعه شقيقتي في مداعبات مابعد الفجر. والصبح إذا تنفس.ورائحة حليب صابح معلقة بحواسي.ملفوظة دون قصد، بحميمية تهل بعدما طلت بالأمس من طاقة صدرها.ما بين حمار ونتف قرمزية تتأرجح شهقات الصبي فوق فراشه وحيدا.وكرمة العنب وظلال أم هاشم. والجونلة البرتقالي القصيرة وتلك الغور الشهي المتكور تحت عين النائم نشوان في بلاد العنب والبريق وسكك للسفر.وطرقات على باب منزل الكائن؟!!

وشيش وصلصلة وظلال لصدى شخاليل وأجراس كنائس وأذان توارى ومئذنة البازات.وشقشقة عصافير ودخان أسود ونار مكتومة إلا من بخر رماد يذر مع دخان يتعالى برائحة شواء تختلط برائحة كاوتشوك تصعد لحقول بعيدة.

……………

*من نصوص البناية

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون