الخال حسين عبد العليم.. بروفيسور الكتابة الجميلة وصيّاد العجائب

أحمد مجدي همام
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد مجدي همام

في دار ميريت رأيت الكاتب المهم جدًا حسين عبد العليم للمرة الأولى. ربما كان ذلك في 2009 أو 2010، هادئًا منزويًا بجانب محمد هاشم يدخن سجائره الكليوباترا. كدت أجن وأنا الذي انبهرت به وقرأت الكثير من أعماله. قدمني عم محمد هاشم له، سلام هادئ ودفء غريب يلف المكان. هذا هو حسين عبد العليم الكاتب الكبير الذي لا يحب الصخب. صيّاد الشخصيات الجانحة، مستودع حكايات، كاتب راسخ بروح طليعية. شابَ شعره وقلبه لا يزال أخضر.

لاحظ الخال حسين عبد العليم إعجابي بكتابته، كنت في بداياتي شغوفًا بالمغامرات الفنية وأسعى للتعلم طوال الوقت، وكنت أطرح عليه الكثير من الأسئلة الفنية والتقنية حول الكتابة وأسرارها وأدواتها، لكنه أبدًا لم يصعد إلى المنبر ويخطب، بل كان يطرح قناعاته بصفتها وجهات نظر لا ضمانة على صحتها سوى اطمئنانه – النسبي – لها، حمل تلك الروح القلقة للفنان حيال فنه، فكان يطرح إجابات عن أسئلتي تكاد تكون المثلى في نظري، غير أنه كان يقولها بشيء من التهذيب الخجول وسرعان ما يغير الموضوع ويجعل من كتابتي أنا موضوعًا للحديث، ويجعل من أسئلتي ملفات للنقاش لا مجالًا للخطابة وإطلاق الأحكام الكونية الدامغة.

بعض العباقرة تنقضي أعمارهم دون أن ينالوا ما يستحقونه لعبقريتهم. ومؤلف “رائحة النعناع” واحد من هؤلاء، وهو لم يكن يحب الأضواء والصخب، كان مخلصًا لفنه وفقط، لا يزاحم في موائد المؤسسات الثقافية ولا يلهث وراء جائزة أو منحة أو سفرة ومصروف جيب ولا يحتمي بشلّة ثقافية. حسين عبد العليم لم يكن فنانًا وحسب، بل كان قطعة فنية في حد ذاته، رجل يستحق أن يُدرس، زاهد في كل شيء إلا الجمال، يستقبله ويخمّره ويعيد تدويره.

قبل أيام فتحت رائعته “موزاييك” لأستعيد بعض أجواء عوالم قنّاص العجائب، وتذكّرت، أن هذا الكاتب الكبير لم يكتف بأن يكون “حكّاءً” جيدًا وخلاص، في عالم الرواية أسمّي هذا استسهالًا، فصاحب “فصول من سيرة التراب والنمل” و “المواطن ويصا عبد النور” مهندس روائي يحترف بناء نصوصه بتأنٍ وحرفة يحسد عليهما. في “موزاييك” الصادرة عن دار ميريت في 2011 خاض عبد العليم مغامرتين فنيتين كبيرتين في مساحة صغيرة: السرد كله بالعامية. ليس أول من يفعلها، لكن في حالة “موزاييك” كانت تلك اللغة ضرورة فنية وليست مجرد “تجريب للتجريب”، ثم إن كل فصول الرواية فسيفسائية البناء، قطع صغيرة مستقلة تصنع في منقضاها وبشكل إجمالي مشهد فني أكبر.

هذا هو الخال، الكاتب الكبير حسين عبد العليم، الذي اختار مستوى لغوي يندر وجوده في السرد المصري، لأنه الأكثر التصاقًا بطبيعة شخصيات “موزاييك” التي نبتت من الواقع المصري ذي المستوى العجائبي بطبيعة الحال، رواية بلا حبكة مركزية ولا انعطافات درامية لزوم التشويق. حبكتها هي بنيتها المميزة، وتشويقها هو الأسلوب الانسيابي الفريد للكاتب – والأسلوب شرف الكاتب كما يُقال – وحسين عبد العليم وفقًا لهذا المعيار هو أحد شرفاء وسادة السرد المصري.

الآن أتمنى لو ينال هذا الكاتب الكبير جزءًا يسيرًا مما يستحقه، وأن تعاد طباعة أعماله الكاملة، وأن يجري تدريسها، إن لم يكن ضمن المناهج التعليمية المدرسية فعلى الأقل ضمن المناهج في كليات الآداب واللغات أو حتى كمواد صالحة تمامًا لورش الكتابة وشهادات النقد والتذوق الفني.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم