اسم قصير من مقطعين متماثليْن

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 714
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أجلسُ مفترشةً الحشائشَ على هضبةٍ واسعةٍ. أخرج الأطفال من أكياسِهم وأبعثرهم في الحديقة ليمتلئوا بالبراح والضوضاء المحببة لهم.. العزلة تخنقُ شفاههم الباسمة. أطمحُ في ملء عينيَّ بخضارٍ كهذا فحسب. الألوان اندمجت داخلي طويلًا حتى لم أعد أتعرفها بسهولة. أتوه في الحديثِ مع صديقتي في كل شيء إلا ما ترغبُ كلتانا في قوله بحق. وتظهر في الأفق بصعوبةٍ نلحظها. تخطو الصغيرةُ بين الجالسين ببطء. تخترق جلستنا بثقةٍ أتمنى لو أعرف من أين أتت بها. تتجهُ نحوي بيقين حتى تلتقي بطرف عباءتي السوداء وتلتقطُ قلبي. صغيرة للغاية. أطرافها لا تزال هشةً لا تحمل ثقلها رغم خِفتها. تتكئُ على الهواءِ بدلًا من أرجلها الأربعِ فتكاد تسقط. لا أعرف ما حَمَلَها على الخطو نحو عباءتي بالتحديد، رغم إنني لا أنكر بهجتي باقترابها المتئد نحوي. ربما أبصرت عيناها الضئيلتان غيمةً رحيمةً فوق رأسي أو حنانًا يساقط مني يبلل الأرض أو ربما كل الأمر أنها رغبت في بعض الدفء الذي لا يحمله الخواء حولها فارتضتْ عباءتي ملجأ من الفراغ.

فلماذا أنا يا عزيزتي؟

أفكرُ.. أفكر طويلًا وأسألُ لماذا قررتٍ المجيء يا ماريةُ؟ لماذا رغبت في أن تكوني نجمةً في حلكة واقعي؟

أقولُ لها إن العالمَ قلعةٌ مخيفةٌ حتى لنا نحن الكبار.

أكتب لها علّها تفهم المكتوب إذ لم تدرك نداءاتي. أقولُ لها أمُّكِ مسكينة وحائرة ومتعبة يا عزيزتي. أسألها كثيرًا وأيأسُ من ردّها. أسألها مكتفية بذلك عن سؤال الله لماذا أعطيتني قرة عينٍ جديدة وأنا متعبةٌ معظم الوقت يا ربِّ؟

لا أنتظر إجابةً من مارية ولا أنتظر إجابةً من الله. أُسكِنُ عيني الزائغة بإجابةٍ تكتمُ الصوتَ فحسب. أقول هي حكمةُ الله التي ربما تنكشفُ بعد عقود.

اليوم أشعرُ بمخاضٍ جديد. تنقرُ الصغيرة بمخالبها الأربعة على قدمي، تتسلق فخذي وتتخذه مسكنًا. تتقدّم حتى تدفن وجهها بين جنبي وذراعي. نضحكُ كثيرًا، لكن قلبي يئتنسَ بنبضات قلبها السريعة وتنفسها المنتظم. أتفقّدها فأجدها كماها، ساكنةً داخل كُمّي الواسع. لا يكاد يظهر منها شيء. ماريةٌ أخرى على حِجري. شيءٌ حينذاك نقر قلبي برقةٍ وقسوة في آن. كنتُ قد قررتُ مسبقًا ألا أحمل عبئًا أخر سوى ما أحمل داخل قلبي. الحُب ليس متعةً مكتملةً كما يُهيأُ لنا. وكل ما يسعد القلب يجور في بعض مراحله. كل متعةٍ لا بد لها من طرفٍ حادٍ ينغز القلب.

تجرح مارية لسانها، فينغرس الطرف الحاد في قلبي، وفي لساني الذي لم ينجرح بدلًا منها.

تبكي رقيةُ لظلمٍ تراه منّي أو من أبيها، فتحرقني دمعتها السريعة وتلتهب وجنتي وتسخن.

وحين يشكو يحيى صاحبًا لا يرغب في اللهو معه، يوجعني جزء من جسدي لم أعف بوجوده من قبل.

كنتُ قد حصّنتُ قلبي من الحب ومن الأحبة.

فلماذا انسكب قلبي الساذج فجأةً على حِجري ملتصقًا بالهرة التي اتخذتْني أمًا ثانيةً، فاتّخذتُها بنتًا رابعة؟!

نترك المنزل خمسةً ونعودُ إليه بفرد جديد. له ما له وعليه ما عليه.

نمرُّ على طبيب يفحص الصغيرة التي يتضح أنها ذكرٌ ضئيل لا يتعدى عمره شهرًا واحدًا.

يبدو أن كل الأسماء التي نقترحها أكبر من حجمه وعمره. يُسميه الأطفال سمسم. اسمٌ قصير من مقطعين متماثليْن. أتقبله.. الاسم، أقبِّلُهُ.. سمسم، وأستند إلى اسمٍ لا أشعر معه بثقل الحِمل.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون