استراتيجية الرفض فى رواية “حذاء فللينى”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

خالد بيومى

“حذاء فللينى” هى الرواية الرابعة للكاتب وحيد الطويلة، بعد “ألعاب الهوى، وأحمر خفيف، وباب الليل”، التى لاقت احتفاء نقديا مكثفا وحصلت على جائزة ساويرس العام الماضى.

وظل وحيد الطويلة فى كتاباته أميناً لاستراتيجيته الليبرالية المتحررة التى تستصفى من الثقافة الغربية ألمع ما فيها لتدين بروح التطور ومنظوره التقدمى دون أن يقع فى فورة الفكر اليسارى، كما حافظ على المسافة الضرورية من الممارسة السياسية والإعلامية، فلم يتحول إلى كاتب صحفى تابع للسلطة ومتقلب بحركاتها حتى لا يضطر إلى مناوءتها، وهو يشبه إلى حد كبير يحيى حقى، حيث هناك قواسم مشتركة بينهما مثل الجمع بين الفكر الإبداعى والتحليلى، والعلاقة الحميمة بطرفى المعادلة التراثية والطليعية، والحدب الدائم على أجيال المبدعين اللاحقين، وإخلاصه الصادق لفن الكتابة الأدبية، وعنايته بالأسلوب العفوى الجميل.

وفى روايته “حذاء فللينى”، التى نفذت طبعتها الأولى والصادرة عن دار المتوسط، نجد قوتين تتصارعان: “قوة السلطة التى تريد أن تثبت أركانها من خلال التنكيل بمعارضيها، وقوة أخرى تمثل عينة من المجتمع الرافض لاختيارات الدولة وتتحمل فى سبيل ذلك الرهق والقمع.

واستعارالطويلة قناع المخرج الإيطالى الشهير “فللينى” لإيصال رسالته.. بطل الرواية “مطاع” طبيب نفسى شهير ذاق مرارة التعذيب على يد أحد ضباط أمن الدولة فى فترة شبابه ونظرا لشدة التعذيب الذى لاقاه لمدة شهر فى إحدى أقبية التعذيب، يجبره على تغيير اسمه إلى مطيع فى دلالة على الانسحاق والانبطاح غير المحدود، وتدور عجلة الزمن ويحال الضابط الهمجى إلى التقاعد، ويذهب رفقة زوجته إلى الطبيب النفسى عقب إصابته بالعجز الجنسى رغم فحولته الجنسية التى وجدت متنفسا لها مع زوجات وقريبات المعتقلين، بمباركة من فقهاء السلطة الذين يبررون سلوكياتها تجاه الناس، حيث كان يفرج عن المعتقلين السياسيين، مقابل رشاوى جنسية، وللأسف الدولة تغض الطرف عن هذه التجاوزات: “أنتم جاحدون يا مطيع تنعتوننا بوقاحة بكل الأوصاف الحقيرة، لم نأت بشىء من عندنا يا خائب، الفقهاء الذين نسير وراءهم ونتبرك جميعا ببركاتهم هم من أفتوا بشجاعة ومعرفة أكيدة بقتل ثلثى الأمة ليعيش الثلث الباقى فى سلام وأمان، صدقنى إن الوزير كان يعرف أن أحد مساعديه زير نساء ويشرب المخدرات مع الممثلات”.

وهو يقتفى خطى الزعيم الصينى “ماو” لكن الفارق الوحيد بينهما أن “ماو” كان ينام على فراش من النساء، بينما كنت أتعب وأجهد نفسى للحصول عليهن”.

يلجأ الضابط إلى مطيع للعلاج، ويقرأ نظرات الشماتة والتشفى فى عيون الطبيب وزوجته أيضا التى كان يراودها إقامة علاقة مع الطبيب انتقاما من زوجها الذى خانها مع طوب الأرض، كما كان يعاشرها بعنف.

لكن خيار اغتصاب الزوجة من قبل الطبيب مرفوض طبقا لنصيحة فللينى “العاهرة تأخذ جزءاً من روحك لا من جسدك، يجب أن تسترد روحك لتسترد جسدك”.

العشق كان حاضرا أيضا فى الرواية من خلال تنافس مطيع ووالده على حب جارة لهما كانت تطعم قطط الشوارع، وعندما ماتت بكى الوالد عليها بكاء شديدا وراح يطعم قططها كل ليلة إكراما لروحها، وعندما مات الأب بكت عليه وعلى المرأة كل قطط المدينة، وكان العشق هو الملاذ الأخير لمطيع الذى لا يقبل بديلا عنه “ربما أسامح فى التعذيب، لكننى لن أسامح فى العشق”.

وليس القصد من ذكر مواقف التعذيب فى الرواية مجرد الحكى والامتاع، ولكنه مؤمن بالشجب والإيقاف، وما دام الأمر كذلك، فليس للراوى الاكتفاء بسرد الوقائع كما لو كان الأمر عاديا، لكن أردف السرد بالتعليق فيقول مخاطبا فللينى “خيالك أقوى من الواقع ، والحياة بدون خيال شيء بشع”.

ويقول أيضا عقب استنكاره سيطرة المنتفعين والانتهازيين من المحامين ومنظمات حقوق الإنسان “الطبق النظيف هو ما يجب أن تأكل فيه ولو كان مغسولا بالدم”.

كما أن السخرية فى الرواية لا تهدف إلى التسلية بمعنى السطحي، حيث نجد السخرية مبثوثة فى كل نصوصه، ولا تشكل ظاهرة قائمة بذاتها، وإنما هى ملامح أسلوبية وفكرية وعقدية وفنية تهدف إلى كشف ظواهر الواقع واستكشاف بواطن الذات.. فيقول على لسان ضابط أمن الدولة “هل كنت تريدنى أن أجعل القبو صالة رياضية مثلا؟” ، ويقول أيضاً “ نحن الأوائل على العالم فى تأديب المساجين، وبمرتبة الشرف أيضاً، والنوم مع الكعب العالى شرف”.

كما يتبلور القهر والألم عبر الإفرازات الجسدية مثل مشهد تعذيب المرأة فى مروحة السقف ، وعندما يعريها الضابط ويتأملها من أسفل تبول على وجهه.

كما استخدم الكاتب لغة شعرية مفعمة بالقهر والألم ترتكز على شعرية تصويرية “هناك فرق بين آهة الفتك وآهة الغرام”، وهناك المفارقة حاضرة أيضا فيقول: “تصنع السلطة ببطشها وغبائها أبطالاً، ثم تستدير تعد العدة لمقاومتهم”.

نجح وحيد الطويلة فى تحليل التجارب الشعورية للقامع والمقموع معا، واستبطان النفس، والتنظير المباشر للواقع ـ ولم يعتمد على الإحصاءات كما هو الحال فى البحوث الاجتماعية، كما أنه لم يعتمد على الأيديولوجيات المسبقة التى تضع الحلول قبل أن تحلل الأزمات والمشكلات، والتى من أبرزها الحديث عن حقوق المواطن المهدورة، وهيمنة العنف السلطوى، وإبراز التناقضات التى تحكم العلاقة بين المواطن والسلطة.

وحيد الطويلة فى هذه الرواية يجسد صوتا فضائحيا، حيث يقتحم المسكوت عنه فى طبيعة العلاقة القائمة بين المهيمن والمهيمن عليه.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم