إبراهيم فرغلي: الجهل بعالم نجيب محفوظ تسبب في تشبيه أعمال علاء الأسواني “الشعبوية” بأعمال أديب نوبل

إبراهيم فرغلي: لا بد للكاتب أن يستفيد من خبرته الشخصية في علاقته بأولاده
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته: مي أبو زيد

يقول الروائي إبراهيم فرغلي أنه برواية "أبناء الجبلاوي" الصادرة عن دار "العين" يحاول خلق واقعية سحرية عربية تتخلص من التراث الغرائبي في ألف ليلة وليلة، وفي الوقت نفسه تدخل الغرائبي في متن الواقع، ويقول أن أعمال محفوظ موجودة كتيمة أساسية من تيمات العمل، إضافة إلي تيمة البحث عن الأب، إنه يطرح إذا عددا من القضايا الهامة المتعلقة بعدم تقدير الشعب المصري المتجه نحو التصحر لأعمال محفوظ، وقضية البحث عن الذات، وبحث المرأة عن جسدها.  هنا يتحدث فرغلي عن عمله وعن قضايا أخري كثيرة، في حوار أجري معه بالبريد الإلكتروني، لإقامته في الكويت:

حاورته: مي أبو زيد

يقول الروائي إبراهيم فرغلي أنه برواية “أبناء الجبلاوي” الصادرة عن دار “العين” يحاول خلق واقعية سحرية عربية تتخلص من التراث الغرائبي في ألف ليلة وليلة، وفي الوقت نفسه تدخل الغرائبي في متن الواقع، ويقول أن أعمال محفوظ موجودة كتيمة أساسية من تيمات العمل، إضافة إلي تيمة البحث عن الأب، إنه يطرح إذا عددا من القضايا الهامة المتعلقة بعدم تقدير الشعب المصري المتجه نحو التصحر لأعمال محفوظ، وقضية البحث عن الذات، وبحث المرأة عن جسدها.  هنا يتحدث فرغلي عن عمله وعن قضايا أخري كثيرة، في حوار أجري معه بالبريد الإلكتروني، لإقامته في الكويت:

هل اختيارك لعنوان “أبناء الجبلاوي” المقابل الإنجليزي ل” أولاد حارتنا” بسبب اختفاء أعمال محفوظ أم للعنوان دلالة معينة؟

كنت قد أسميت الرواية “كبرياء” في مرحلة الكتابة، وبعد اتساع عوالم الرواية، وجدته لم يعد معبرا عنها، فبحثت عن عنوان يشير لوجود محفوظ كتيمة من تيمات العمل، ويعبر في الوقت ذاته عن عوالم أخري، ووجدت “أبناء الجبلاوي” يحقق كل هذه الدلالات، فهو يحيل مباشرة لعالم نجيب محفوظ، وفي نفس الوقت ليس تكرارا لأي عنوان من عناوين روايات محفوظ، كما أنه يشير للعلاقة بين الأجيال الروائية وأجيال الحياة أي علاقة الأبناء بالآباء، وهما محوران مركزيان في الرواية. ثم وضعت علي الغلاف الداخلي بين قوسين (سيرة رواية) لتوضيح فكرة أن هناك رواية داخل رواية.

تردد أن الرواية واجهت مشكلة مع الرقابة، حدثنا عنها، وكيف نجا العمل من يد الرقيب؟

لا توجد رقابة مسبقة علي الكتب في مصر، الرقابة موجودة علي الكتب القادمة من الخارج، ويفترض أيضا أن المصادرات لا تتم إلا بحكم قضائي، وهي مسألة متناقضة، علي أي حال، مثل أشياء أخري، وأظن أن مناخ التعددية الذي يفرض نفسه علي الوسائط الافتراضية الآن سيؤدي إلي تحول فكرة الرقابة إلي مومياء زمنية، طال الوقت أم قصر، وفكرة الرقابة هي المثال الساطع علي مدي ما نتمتع به من ديموقراطية، كعلاقة عكسية.

هل توافق علي القول بأن بالرواية نوعا من الربط بين البحث عن كتب محفوظ والبحث عن الذات والأب؟

بالتأكيد البحث عن الأب تيمة أساسية في هذا العمل، الأب بمعناه الأشمل، أي المرجعيات، مرجعية الأدب، وأسباب انحدار الذوق الأدبي، ومرجعية المصريين، وأسباب “تصحرهم” بالرغم من أنهم أبناء نهر في الأساس، وأبناء بيئة فيضان وخصوبة، وحضارة، لكن المصريين يتنصلون منها بشكل مريب وينفضون أيديهم تحت دعاوي عدة، وهذا أحد أسئلة الرواية، كما أن مثل هذه البيئة المتناقضة تولد لدي الأفراد أصحاب الأسئلة الحقيقية صراعات كبيرة، ولعل هذا الصراع هو ما ركزت عليه الرواية لدي الشخصيات التي سميتها وغيرها.

هل قصدت بانتقادك لإهمال تراث محفوظ الإسقاط علي طريقة إدارة الأزمات الحالية؟

ليس إسقاطا علي طريقة إدارة الأزمات، وإنما سخرية من كابوسية الواقع المصري الراهن، الذي تأتي هذه التفصيلة كواحدة من أبرز نماذجه التي تلاحقنا يوميا في وسائل الإعلام، وفي طريقة التعاطي الرسمي والإعلامي مع أي أزمة.

هل تري في تكاسل المؤسسات الرسمية في الاحتفاء بنجيب محفوظ أولي خطوات ضياع تراث صاحب نوبل؟

يمكن أن تكون تيمة اختفاء كتب محفوظ هي رؤية تنبؤية، لكنها في جوهرها دعوة لقراءة محفوظ، لأن المؤسف فعلا أن محفوظ لم يقرأ لا جماهيريا ولا نقديا، فكل ما حاوله النقاد مجرد قراءات تفسيرية لما افترضوا أنه يرمز إليه في أعماله، أما الجمهور، في غالبيتهم فقد شاهدوا الأفلام التي اقتبست عن رواياته، وادعوا أنهم يعرفونه، والحقيقة أنها لا علاقة لها بنصوصه البتة، بالعكس، الأفلام وخاصة تلك التي استلهمت الحرافيش، لأن الحرافيش عمل فلسفي، اختلق حارة لا وجود لها، وشيد بها عالما خياليا كاملا، يموج بكل نوازع البشر، وليس مجرد صراع بدائي فج علي الفتونة أو السلطة كما صورته الأفلام الركيكة، وهذا الجهل بأعمال محفوظ مرر أيضا مقولات دعائية من بينها مثلا تشابه العملين “الشعبويين” اللذين كتبهما علاء الأسواني مع أعمال نجيب محفوظ. تصوري!!؟ أعتقد أن كل من يردد مثل هذه الدعاوي هو نموذج آخر من مدعي المعرفة بمحفوظ.

كشفت الرواية عن اهتمامك بموضوعات المرأة، كيف أتيح لك أن تتعمق في مناطق خاصة جدا بها، وكيف تقرأ حال المرأة المصرية الآن؟

هذا صحيح، لدي ولع بمحاولة فهم المرأة، ربما لأنني نشأت في أسرة كنت فيها الأخ الوحيد لشقيقاتي الثلاث، وكنت أتأمل طريقة تفكيرهن، واختلاف تأثير المناخ العام حولهن، كما أنني بشكل عام شغوف بمحاولة تقصي أفكار الآخرين، والمرأة تمثل جزءا أساسيا من هذا الآخر، وكنت ألاحظ أن هناك دائما شيئًا ما خطأ في الاتصال بين الرجل والمرأة، ربما يعود لقصور دلالة الكلمات عن التعبير عن جوهر المقصود منها، أو لاختلاف في تركيبة الدماغ بين الرجل والمرأة، مع إيماني بأن المجتمعات التي نعيش فيها هي مجتمعات ذكورية بامتياز.

في “جنية في قارورة” وفي “أبناء الجبلاوي” هناك انتقاد واضح لتزايد المنتقبات في المجتمع، في رأيك ما أسباب هذا التزايد، وهل تراه نوعا من التشدد وهل يقتصر علي المرأة فقط؟

أحب بداية أن أؤكد أنني لست ضد من تتحجب أو تنتقب عن قناعة أي عن إجابة عن أسئلة حقيقية تخصها هي، وليس مجرد خضوع لابتزازات اجتماعية أو عاطفية، أو امتثال لأعراف بلا يقين حقيقي، وأومن أنه في المقابل هناك من الجيل الجديد فتيات كثيرات جدا متفتحات ومستنيرات وقادرات علي الرؤية بشكل أفضل وأكثر قوة من أجيال سبقتهن، لكن الحقيقة أنه بدون إصلاح منظومة التعليم الذكورية التي تتسبب في إشاعة مثل كل تلك الأفكار بالإضافة إلي المؤثرات العديدة الإعلامية والاجتماعية التي تحيط بالأفراد من كل اتجاه، فلا أظن أن المستقبل يمكن أن يكون مبشرا إلي أي نحو.

وهناك وجه إيجابي مبشر هو المدونات التي ترينا كيف يمتلك المتحرر العقل والقدرة علي الحوار علي عكس معتنقي الأفكار المحافظة الذين لا يمتلكون سوي ثنائية الحلال – الحرام.

وهل تري أن الزخم الإبداعي الشبابي منه بخاصة، هو بادرة خير في ظهور كتاب جدد؟

طبعا أي فورة إبداعية هي شيء مبشر، لكن الموضوع زاد عن حده، وكل واحد معدي في الشارع الآن يقول أنه كاتب!! الآن أقرأ أعمالا جديدة فأتذكر فورا شخصية الفنان محمد عوض حين جسد شخصية “عاطف الأشموني مؤلف الجنة البائسة” وأتحسر معه علي أنه لم ينشر نصه، وربما لو رأي الأشموني اليوم ما ينشر من قبل الشباب وما يروج له علي الإنترنت لمات غما قبل أن ينطق جملته الشهيرة، الفن الحقيقي عملية صعبة ومعقدة، والكتابة لكي تكون مدهشة تحتاج إلي سنوات طويلة من القراءة قبل التجرؤ علي الكتابة علي أي حال لا يمكن الحديث عن إبداع بدون مناخ نقدي جيد، وهذا للأسف في أسوأ حالاته. نحتاج إلي مجلات متخصصة في النقد، والمراجعات الأدبية، لاستقطاب أجيال جديدة من النقاد، هناك ظاهرة جديدة هي الورش الأدبية أظنها يمكن أن تنجز شيئا أكثر احترافا في ظل وجود عشرات من دور النشر الصغيرة تنشر الكثير من العبث.

لماذا خرجت علي تيمة “قتل الأب” التي وسمت أعمال جيل التسعينيات الذي تنتمي إليه، وركزت علي فكرة البحث عن الأب؟

قتل الأب مسألة طبيعية في استمرارية الأجيال، لكن القتل بأي معني؟ قتله بمعني مراهق يعني نفيه، واعتباره لم يكن موجودا، أم قتله معنويا بمعني فهم السياق الذي نشأ فيه، وتفهم قدراته ومنجزه في ذلك السياق وبالتالي محاولة تجاوزه بناء علي ما أسسه؟ هذا سؤال مهم لأن القطيعة لا تعني البدء من العدم، وإنما في القطيعة نفسها إصرار علي تأمل الأب جيدا لمحاولة نفيه، وبالتالي أعتقد أن مقولة قتل الأب مشبوهة لأنها تظهر غير ما تبطن.

الخيال في “أبناء الجبلاوي” أقل من “جنية في قارورة”، وكأنك في كل عمل تتجه قليلا نحو الواقعية، وتختلف كثيرا مثلا عن أعمال مصطفي ذكري ومنتصر القفاش، فهل توافق علي ذلك؟

طبعا نحن نحتاج لمراجعة الكثير من المصطلحات وبينها مصطلح الواقعية، كتاباتي كلها تنحو نحو الغرائبية، مع محاولة تضفيرها مع الواقع، إيمانا بأن نقل الواقع لا يفسره، كما أن نقل الواقع يفتقد للجمالية وللمتعة التي يمكن أن توفرها الكتابة كعملية خلق جمالية وإبداع للغة وأساليب سردية جديدة وليس مجرد نقل للواقع، أبناء الجبلاوي هي محاولة لخلق واقعية سحرية عربية، لكنها متخلصة من تراث الغرائبية في ألف ليلة وليلة لصالح تدوير الغرائبي ليصبح مقبولا في متن الواقع، والعكس صحيح.

ومن البداية كتابتي طبعا مختلفة عن كتابة مصطفي ذكري، وهو كاتب كبير، لكنه كاتب ذهني، يفضل الكتابة من المنطقة التي تنتهي عندها الدراما الصاخبة، وهذا ليس سهلا، كما أنه يحاول أن يقول ما لم يقل من قبل، وهو صاحب لغة جميلة جدا، نتفق في أننا نكتب أعلي أو أدني من الواقع، بينما أنا مرن في تقبل الكثير من تيمات سيئة السمعة مثل الميلودراما أحيانا، والسرد الحكائي الذي تعطله التأملات، لكن بتمريرها في قوالب شديدة الحداثة، وبحيث يتم قبولها حتي من أصحاب الذوق النخبوي في الكتابة، نموذجي ينحو إلي دوستويفسكي وساراماجو، من حيث الذوق الكتابي، بينما هو ينحو لنموذج أصعب مثل جويس وكافكا وبروست، وربما نجد رغم ذوقينا المختلفين نموذجا نشترك في تذوقه بلا تعسف وهو بول أوستر.

وبالتأكيد كتابة ذكري رغم ذهنيتها فهي إنسانية جدا، ولها شخصية خاصة جدا، وهذا بعيد عن كتابة منتصر القفاش، لم أشعر أن هناك علاقة بين نصوص القفاش وذكري، خاصة أن منتصر قادم للكتابة من مناطق لغوية شعرية، وعندما بدأ في تعديل ذائقته فقد نصه شئيا ما أظنه ما يطلق عليه “روح النص“.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم