أوسكار أحسن “صوابية سياسية”

تسع نصائح للفوز بالأوسكار
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد العبادي

خرجت علينا الأكاديمية الأمريكية بشروط جديدة لتحكيم جائزتها الأبرز: أوسكار أحسن فيلم.

الشروط الجديدة تهدف لدعم التعددية ومحاربة العنصرية في صناعة السينما الأمريكية، على أن يتم تطبيقها ابتداءً من جوائز أفلام عام 2024.

ورغم نبل المقصد الذي دعا الأكاديمية لاتخاذ هذا القرار، إلا أنه جاء قرارا مثيرا للتساؤل لكثير من المتابعين لعدة أسباب.

مما يثير التساؤلات – وربما السخرية – التعامل مع هذا القرار بصيغة مستقبلية: “يطبق ابتداءً من 2024”. بينما الحقيقة أن هذا القرار ليس سوى إعلان لما هو قائم فعلا منذ سنوات، تحديدا منذ جوائز 2016.

فبعد حملة “الأوسكار ناصعة البياض” #Oscarsowhite التي صاحبت أوسكار 2015، استجابت الأكاديمية للضغوط الواقعة عليها، وسعت جاهدة لأن تنفي عنها الاتهامات المنسوبة لها بتفضيل ذوي البشرة البيضاء وتجاهل الأقليات العرقية والجنسية المختلفة. فنجد أن هناك تعمدا ملحوظا في جوائز السنوات التالية لتفضيل الأفلام القادرة على تبييض وجه الأكاديمية من تهمة العنصرية، مثل الأفلام التي تحتوي على ممثلين ملونين أو تدعم قضاياهم، أو الأفلام التي تتناول مواضيع مثل المثلية الجنسية. إذن إعلان الشروط هذا ليس سوى إعلان لوضع تم إقراره منذ سنوات ورآه كل من له نظر.

هذا الاتجاه العام من الأكاديمية يعد انتكاسة للجائزة في اتجاه “المحلية” رغم التسويق لها دوما باعتبارها جائزة عالمية، بالأصح هي فرصة للتأكيد على هذه المحلية، ومحاولة جديدة لإرضاء الرأي العام الأمريكي، يمكننا أن نضع هذا القرار جنبا إلى جنب مع قرار الأكاديمية زيادة تمثيل “الأقليات” بين أعضائها لنتأكد أننا أمام قرارات “سياسية” أكثر منها “فنية”.

بالفعل رغم أن الأكاديمية هي أكاديمية “علوم وفنون” السينما، إلا أن لنا أن نتساءل عن الأثر “الفني” الإيجابي لمثل هذه القرارات على الجائزة، وعلى صناعة السينما الأمريكية عموما.

أزعم أن هذه القرارات قد تؤثر سلبا على المستويات الفنية للأفلام المقدمة للجائزة، فلنا أن نتخيل الأثر على المسيرة الإبداعية لانتاج الفيلم، مثلا: في حالة الاختلاف في وجهات النظر من ستكون له الكلمة العليا؟.. المخرج؟.. بطل العمل؟.. لا.. ستكون لـ”ممثل الأقليات” في العمل.. لأن انسحابه سيقضي على فرصه الفيلم في الحصول على الأوسكار المأمول.

سنجد لدينا تساؤلات عديدة حول العملية الإبداعية: ماذا لو كان “ممثل الأقليات” دون المستوى؟.. هل سيتم استبداله؟.. وهل الخيارات المتاحة للاستبدال سترضي شروط الأكاديمية أم لا؟

أما عن قرار زيادة نسبة ممثلي الأقليات في أعضاء الأكاديمية؟: كيف سيؤثر على طبيعة التصويت في الجوائز المختلفة؟.. هل سيتسم التصويت بالموضوعية أم سيتحيز الأعضاء لانتماءاتهم العرقية والجنسية؟

يا لـ”وجع الدماغ”!!

كل هذا فقط لأن الأكاديمية لم تجد طريقة أكثر جدية للتعامل مع مشكلة الأقليات!.. فالنهج الذي اختارته الأكاديمية بإدخال “الصوابية السياسية” في صلب الحكم على الأعمال الفنية ليس حلا.. فهذه الشروط العرجاء لن تنجح في تحسين أوضاع الأقليات، وبالتأكيد لن تنجح في تطويرصناعة السينما.

ربما اقتربت الأكاديمية من الحل الصحيح حين وضعت بين شروطها قيام الفيلم بتدريب كوادر من الأقليات على صناعة السينما، فالأنسب هو محاولة دعم صناع السينما من الفئات المظلومة، لرفع مستواهم الفني وتمكينهم من أن يكون لهم صوت سينمائي مستقل. أما محاولة دعم الأقليات عن طريق التدخل في “طريقة إنتاج العمل الفني فهي مجرد “نفاق” لا أكثر…

الغريب أن تاريخ السينما الأمريكية وأوسكارها ليس بهذا الشرف المزعوم.. فهو تاريخ يذخر بالممارسات العنصرية والاستغلالية، فمن حيث بيئة الإنتاج نجد أن هوليود بنيت على استغلال العمالة في ظروف عمل قاسية، ويمضي التاريخ لنقابل “القائمة السوداء” التي استبعدت الكثير من العاملين في الصناعة بناءً على آرائهم السياسية، ثم نصل في النهاية إلى فضائح التحرش وحركة #MeToo.

وحين نراجع “منتَج” صناعة السينما الأمريكية نجد الكثير، يمكن أن نعتبر بداية تطور السينما الأمريكية كانت مع انتاجها لواحد من أكثر الأفلام عنصرية في التاريخ: مولد أمة. 1915. وبمضي تاريخها ظلت السينما الأمريكية هي الذراع الفني للسياسة الأمريكية، تقوم بـ”شيطنة” أعداء أمريكا التاريخيين مثل النازيين في الحرب العالمية والشيوعيين في الحرب الباردة، وحتى أعدائها اللذين اصطنعتهم لنفسها مثل المتطرفين الإسلاميين.

إذن فالأكاديمية الأمريكية ذات التاريخ الحافل بالعنصرية واضطهاد الأقليات تأتي الآن لتعلمنا نبذ العنصرية وتقبل الآخر.. ليس عن طريق خطوات إيجابية حقيقية، بل عن طريق إنشاء “عنصرية مضادة” تحت اسم “الصوابية السياسية”

مقالات من نفس القسم