أليس مونرو :لن أكتب رواية حقيقية أبدا

أحمد شافعي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 حوار جيني ماكولوتش ـ مونا سيمسن  

ترجمة: أحمد شافعي

لا يوجد طيران مباشر من نيويورك إلى كلينتن في بلدة أونتاريو الكندية التي يسكنها قرابة ثلاثة آلاف نسمة وتقضي أليس مونرو فيها أغلب العام. خرجنا مبكرين من لاجارديا في صباح يوم من يونيو، استأجرنا سيارة إلى تورنتو، ومضينا بها طوال ثلاث ساعات على طرق كانت تزداد ضيقا وريفية بمرور الوقت. وقرب الغروب، أوقفنا السيارة لدى البيت الذي تعيش فيه مونرو مع زوجها الثاني جيري فريملين. للبيت فناء خلفي واسع وحديقة زهور غريبة، وهو البيت الذي توضح مونرو أن زوجها فريملين ولد فيه. كانت مونرو تجهز في المطبخ وجبة بسيطة بأعشاب عطرية محلية. جدران غرفة الطعام تحمل الكتب من الأرض إلى السقف، وفي جانب منها منضدة صغيرة عليها آلة كاتبة يدوية. وهنا تعمل مونرو.

 حوار جيني ماكولوتش ـ مونا سيمسن

ترجمة: أحمد شافعي

لا يوجد طيران مباشر من نيويورك إلى كلينتن في بلدة أونتاريو الكندية التي يسكنها قرابة ثلاثة آلاف نسمة وتقضي أليس مونرو فيها أغلب العام. خرجنا مبكرين من لاجارديا في صباح يوم من يونيو، استأجرنا سيارة إلى تورنتو، ومضينا بها طوال ثلاث ساعات على طرق كانت تزداد ضيقا وريفية بمرور الوقت. وقرب الغروب، أوقفنا السيارة لدى البيت الذي تعيش فيه مونرو مع زوجها الثاني جيري فريملين. للبيت فناء خلفي واسع وحديقة زهور غريبة، وهو البيت الذي توضح مونرو أن زوجها فريملين ولد فيه. كانت مونرو تجهز في المطبخ وجبة بسيطة بأعشاب عطرية محلية. جدران غرفة الطعام تحمل الكتب من الأرض إلى السقف، وفي جانب منها منضدة صغيرة عليها آلة كاتبة يدوية. وهنا تعمل مونرو.

بعد فترة، تصطحبنا مونرو إلى جودريتش، وهي مدينة أكبر، إذ هي عاصمة المقاطعة، حيث أنزلتنا في فندق بيدفورد المطل على ميدان في مواجهة مبنى المحكمة. والفندق نفسه مبنى من القرن التاسع عشر ذو غرف مريحة، فيها أسرّة متطابقة وليس فيه تكييف، يبدو مناسبا لسكنى أمين مكتبة أو معلم في بلدة حدودية في قصة من قصص مونرو. على مدار الأيام الثلاثة التالية، كنا نتكلم في منزلها، ولكن بدون أن يفتح المسجل مطلقا. فالحوار نفسه كنا نجريه في غرفتنا الصغيرة في الفندق رغبةً من مونرو في أن يبقى «الشغل خارج البيت».

ولدت مونرو وزوجها على بعد قرابة عشرين ميلا من المكان الذي يعيشان فيه حاليا، فكانا يعرفان تقريبا تاريخ كل مبنى نمر به، أو يثير إعجابنا، أو نتناول فيه وجبة. سألنا عن نوعية الوسط الأدبي المتاح في المنطقة القريبة. وقيل لنا إنه على الرغم من وجود مكتبة عامة في جودريتش، فإن أقرب متجر لبيع الكتب موجود في ستراتفورد على بعد نحو ثلاثين ميلا. وحين سألنا إن كان هناك أي كتاب محليين آخرين، أقلتنا بالسيارة إلى بيت متداع يجلس في شرفته الخلفية رجل عاري الصدر، منكفئا على آلة كاتبة، محاط بالقطط وقالت «لا ينتقل من هنا. مطر شمس. لا يتحرك. لا أعرفه، والفضول يقتلني إلى أن أكتشف ما الذي يفعله».

في الصباح الأخير لنا في كندا، تزودنا بالتوجيهات، ومضينا إلى البيت الذي نشأت فيه أليس مونرو. كان والدها قد بنى البيت وعمل في تربية حيوانات المينك. وبعد أن جرَّبنا طرقا كثيرة مسدودة، عثرنا عليه، فإذا به بيت جميل مقام من الآجر في نهاية طريق ريفي، يواجه أرضا خاوية تستقر بها طائرة بدا أنها هبطت هبوطا مؤقتا. كان سهلا علينا من موقعنا أن نتخيل فتنة الهواء، والطيار راحل بزوجة ريفية كما في قصة «نفاية بيضاء White Dump» أو الدوبلير الجوي الشاب إذ يهبط في حقل كهذا في قصة How I Met My Husband [«هكذا التقيت بزوجي»].

ليست أليس مونرو طاغية الحضور، شأنها شأن البيت، وشأن أفق أونتاريو الشبيه بالغرب الأوسط في أمريكا. هي كريمة، مرحة. لها سبع مجموعات قصصية [حتى ذلك الحين في عام 1994] من بينها مجموعة قادمة بعنوان «أسرار معلنة»، ورواية «حياة البنات والنساء»، حصلت على جائزة الحاكم العام (وهي الجائزة الأدبية الكبرى في كندا)، وهي دائمة الظهور في سلسلة «أفصل القصص القصيرة الأمريكية» السنوية (ولقد أدرج رتشارد فورد قصتين لأليس مونرو في المجلد الذي قام على تحريره). حصلت كذلك على جائزة أوه هنري، وتنشر قصصها بانتظام في مجلة ذي نيويوركر. وبرغم هذه الإنجازات، لا تزال مونرو تتكلم عن الكتابة بنبرة إجلال وشك كالتي يسمعها المرء في أصوات المبتدئين. فليس لديها شيء من اصطناع أو طنطنة الكتاب المشاهير، حتى ليسهل فعلا نسيان أنها واحدة منهم. وعند كلامها عن أعمالها، لا تعطي بالضبط ذلك الإحساس بأنها سهلة، بل تعطي الإحساس بأنها ممكنة، وكأن بوسع أي شخص أن ينجز مثلها لو اجتهد قليلا. فلم نرحل إلا وقد شعرنا أننا التقطنا عدوى تلك الإمكانية. قد تبدو كتابتها بسيطة، لكنها البساطة المثالية التي تستغرق إجادتها سنين ومسوَّدات. ومثلما قالت سينثيا أوزيك يوما «هي تشيكوفنا، وهي التي ستبقى بعد أن يختفي كثير من معاصريها».

***

* ذهبنا هذا الصباح إلى البيت الذي نشأت فيه، هل قضيت طفولتك كلها هناك؟

ـ نعم. عندما مات أبي، كان لا يزال يعيش في ذلك البيت بتلك المزرعة، وكانت مزرعة ثعالب وحيوانات المينك. لكنه تغير كثيرا. أصبح الآن مركز تجميل اسمه Total Indulgence. أعتقد أن قاعة التجميل لديهم في الجناح الخلفي. وهدموا المطبخ بالكامل.

* هل دخلته منذ ذلك الحين؟

ـ لا لم أدخل، لكن فكرت أنني لو دخلت لطلبت أن أرى غرفة المعيشة. هناك المدفأة التي أقامها أبي وأرغب أن أراها. فكَّرت مرَّات أن أدخل وأطلب جلسة مانيكور.

* رأينا طائرة في الحقل المواجه للبيت فتذكرنا قصتيك «نفاية بيضاء» و « هكذا التقيت بزوجي».

ـ نعم، كان ذلك المكان مطارا لفترة. الرجل الذي كان يمتلك تلك المزرعة كان يهوى الطيران، وكانت لديه طائرة صغيرة خاصة. لم يكن يحب العمل في المزارع مطلقا، فتركها وذهب ليعمل في تعليم الطيران. وهو لا يزال حيا. وصحته ممتازة وهو من أكثر الرجال الذين عرفتهم في حياتي وسامة. تقاعد من تدريس الطيران حينما بلغ الخامسة والسبعين. وفي غضون ثلاثة أشهر من تقاعده خرج في رحلة وأصيب بمرض غريب تنقله الوطاويط في الكهوف.

* قصص مجموعتك الأولى «قصة الظلال السعيدة» فيها أصداء كثيرة جدا من تلك المنطقة، ومن عالم طفولتك. في أي مرحلة من حياتك كُتبت تلك القصص؟

ـ امتدت كتابة تلك القصص لنحو خمسة عشر عاما. «يوم الفراشة» كانت أولاها. وكتبت ربما وأنا في الحادية والعشرين. وأتذكر بوضوح شديد كتابتي «شكرا على التوصيلة» لأن طفلتي الأولى كانت نائمة بجواري في مهدها. أي أنني كنت في الثانية والعشرين. القصص المتأخرة فعلا هي التي كتبت في ثلاثينياتي. «رقصة الظلال السعيدة» منها. و« سلام أوتركت The Peace of Utrecht » أيضا. و«صور» آخرها. وكتبت «الأخوة ووكر رعاة البقر Walker Brothers Cowboy » أيضا بعدما بلغت الثلاثين. أي أنها كتبت جميعا على مدى زمني كبير فعلا.

* وكيف يبدو تماسكها لك الآن؟ هل تعودين إلى قراءتها؟

ـ في تلك المجموعة قصة مبكرة عنوانها «البيوت اللامعة» كان عليّ أن أعيد قراءتها في هاربرفرانت بتورنتو قبل سنتين أو ثلاث في فعالية خاصة أقيمت احتفاء بتاريح مجلة تاماراك رفيو Tamarack Review. لأن تلك القصة كانت قد نشرت أصلا في أحد الأعداد الأولى من تلك المجلة، كان عليَّ أن أنهض وأقرأها، وكان ذلك في منتهى الصعوبة. أعتقد أنني كتبت تلك القصة وأنا في الثانية والعشرين. ظللت أحرِّر وأنا أقرأ، منتبهة إلى كل الحيل التي كنت أستعملها في ذلك الوقت، والتي بدت لي في لحظة القراءة عتيقة للغاية. كنت أحاول إصلاحها بسرعة، وعيناي تسبقانني بينما أقرأ إلى الفقرة التالية، لأنني لم أكن قرأتها مسبقا. وأنا لا أقرأ أي شيء مسبقا. حينما أقرأ قصة مبكرة أستطيع أن أرى ما لا يمكن أن أفعله الآن، الأشياء التي كان الناس يفعلونها في الخمسينات.

* هل تحررين قصة بعد نشرها؟ يبدو أن بروست قبل موته أعاد كتابة الأجزاء الأولى من «البحث عن الزمن المفقود».

ـ نعم، وهنري جيمس أعاد كتابة أشياء بسيطة ومفهومة فباتت غامضة وصعبة. وأنا في الواقع فعلت ذلك في الفترة الأخيرة. قصة « Carried Away» نشرت في «أفضل القصص الأمريكية» سنة 1991. قرأتها مرة أخرى حينما نشرت في تلك الأنطولوجيا، لأنني أردت أن أرى كيف هي، فوجدت فيها فقرة سيالة للغاية. وكانت فقرة في منتهى الأهمية، وصغيرة للغاية، مكوَّنة من جملتين مثلا. فتناولت القلم وأعدت كتابتها في هامش الأنطولوجيا لأرجع إليها هناك حينما أنشر القصة في كتاب. غالبا ما أجري مراجعات في تلك المرحلة [أي مرحلة تجهيز الكتاب] ويتبيَّن أن هذا خطأ لأنني لا أكون فعلا جزءا من إيقاع القصة. أرى قطعة صغيرة من الكتابة لا يبدو أنها تؤدي من العمل ما ينبغي أن تؤديه، فأعمد في النهاية إلى تقويتها بطريقة ما. ولكنني حينما أقرأ القصة أخيرا قراءة أخرى أجد تلك التعديلات مقحمة. لذلك لست على يقين من هذا الأمر كله. لعل الحل هو أن أتوقف عن هذا السلوك كله. ربما ينبغي أن تأتي مرحلة أقول فيها لنفسي ـ كما هو حال الواحدة مع أبنائها ـ إن هذه القصة لم تعد ملكي.

* ذكرت أنك لا تعرضين أعمالك أثناء كتابتها على أصدقائك.

ـ لا، لا أعرض أي شيء أعمل فيه على أحد.

* إلى أي مدى تعتمدين على محرريك؟

ـ مجلة ذي نيويوركر كانت تجربتي الأولى فعلا مع التحرير الجاد. قبلها كان الأمر يقتصر على التصحيح، مع قليل من الاقتراحات، ولا شيء أكثر. يجب أن يكون بيني وبين المحرر اتفاق على نوعية ما يمكن أن يحدث. فالمحرر الذي يتصور أنه لا يحدث شيء في قصص [الكاتب الأمريكي] وليم ماكسويل على سبيل المثال لن ينفعني في شيء. وأيضا لا بد من انتباه هائل للطرق التي قد أخدع نفسي بها. تشيب مكجراث من ذي نيويوركر كان أول محرر لي، وكان جيدا جدا. اندهشت من قدرة أي شخص على أن يرى بعمق ما أردت أن أفعله. في بعض الأحيان لم نكن نفعل الكثير، لكن بين الحين والآخر كان يعطيني الكثير من التوجيهات. أعدت مرة كتابة قصة عنوانها «موسم الديك الرومي» بعد أن كان قد اشتراها بالفعل. تصوَّرت أنه سوف يقبل ببساطة النسخة الجديدة لكنه لم يفعل. قال، شوفي، في النسخة الجديدة أشياء أحبها أكثر، وأشياء في النسخة القديمة أحبها أكثر. لما لا نعيد النظر؟ لا يقول مطلقا شيئا من قبيل «سنعيد النظر». ونظرنا فيهما معا فخرجنا بتلك الطريقة بقصة أفضل، في تصوري.

* وكيف كان يجري ذلك؟ بالتليفون أم بالبريد الإلكتروني؟ هل تذهبين أصلا إلى ذي نيويوركر وتنهين قصصك مع المحرر؟

ـ بالبريد. وبيننا علاقة هاتفية مثمرة جدا، لكننا لم نتقابل غير مرات قلائل.

* متى نشرت للمرة الأولى في ذي نيويوركر؟

ـ «هزائم ملكية Royal Beatings» كانت قصتي الأولى، ونشرت سنة 1977. لكنني بعثت كل قصصي الأولى إلى ذي نيويوركر في الخمسينات، ثم توقفت عن الإرسال لفترة طويلة ولم أعد أبعث إلا لمجلات في كندا. وكانت ذي نيويوركر تبعث لي رسائل لطيفة، مكتوبة بالرصاص، رسائل غير رسمية. وغير موقعة دائما. لم تكن مشجعة جدا. لا أزال أتذكر إحداها: الكتابة لطيفة جدا، لكن الثيمة مألوفة أكثر قليلا مما ينبغي. وكذلك كانت فعلا. كانت قصة رومنسية بين شيخين، عانس مسنّة، تعرف أنها عانس، يتقدَّم إليها مزارع مسنّ. كان لدي كثير من العوانس المسنات في قصصي. كان عنوانها «يوم تفتحت أزهار الاسترز». كانت فظيعة فعلا. ولم أكتبها وأنا في السابعة عشرة، بل وأنا في الخامسة والعشرين. لا أعرف لماذا كنت أكتب عن العوانس، ولم أكن أعرف أي عانس.

* وتزوجت مبكرا. فلم تكوني تتوقعين أن تعيشي حياة عانس مسنة.

ـ أعتقد أنني كنت أعرف في قرارة نفسي أنني عانس مسنة.

* هل كنت دائما تكتبين؟

ـ تقريبا منذ الصف السابع أو الثامن.

* هل كنت كاتبة جادة في الوقت الذي التحقت فيه بالجامعة؟

ـ نعم. ولم تكن لدي الفرصة لأن أكون أي شيء آخر، لأنني لم أكن أمتلك نقودا. كنت أعرف أنني لن أقضي في الجامعة إلا سنتين لأن المنح المتاحة في ذلك الوقت لم تكن تدوم إلا لسنتين. كانت فسحة صغيرة في حياتي، ووقتا رائعا. كنت مسؤولة عن بيتنا وأنا دون العشرين، فكانت فترة الجامعة هي الفترة الوحيدة في حياتي التي لم أكن مسؤولة فيها عن شغل البيت.

* وهل تزوجت بعد سنتيك مباشرة؟

ـ تزوجت بعد السنة الثانية مباشرة. كنت في العشرين. ذهبنا إلى فانكوفر. وكان هذا أكبر الأمور المتعلقة بالزواج، تلك المغامرة الكبرى، الانتقال. إلى أبعد ما نستطيع، وبقاؤنا داخل البلد. كنا في العشرين والثانية والعشرين. وعلى الفور حققنا نوعا من الوجود اللطيف المناسب للطبقة الوسطى. كنا نفكر في امتلاك بيت وإنجاب طفل، وفعلنا الاثنين على الفور. أنجبت طفلي الأول وأنا في الحادية والعشرين.

* وكنت تكتبين أثناء ذلك كله؟

ـ كنت أكتب بهوس أثناء الحمل ظنا مني أنني لن أستطيع أبدا أن أكتب بعد ذلك. كان كل حمل يحفزني على إتمام شيء ضخم قبل أن يولد الطفل. وفي الحقيقة لم أتم شيئا ضخما قط.

* في «شكرا على التوصيلة» تكتبين من وجهة نظر صبي مديني صلب يصطاد فتاة قروية فقيرة لقضاء الليلة معها، ويتناوب عليه الانجذاب إلى فقر حياتها والتمرد عليه. يبدو مدهشا أن تأتي تلك القصة في فترة كانت حياتك فيها شديدة الاستقرار والانضباط.

ـ جاء صديق لزوجي لزيارتنا في الصيف الذي كنت فيه حبلى بابنتي الكبرى. أقام لشهر أو نحو ذلك. كان يعمل في الهيئة الوطنية للسينما، وكان ينفذ فيلما هناك. حكى لنا أشياء كثيرة، وكان يتكلم ـ مثلما نفعل جميعا عن حياتنا ـ من خلال حكايات ونوادر. حكى حكاية عن وجوده في بلدة صغيرة على خليج جورجيان باي وخروجه مع فتاة من البلدة. كان لقاء بين فتى من الطبقة الوسطى وشيء مألوف لي للغاية لكنه ليس مألوفا له بالمرة. فتماهيت على الفور، وبقوة، مع الفتاة وأسرتها ووضعها، وأعتقد أنني كتبت القصة بعد ذلك مباشرة، لأن ابنتي كانت تنظر لي من مهدها.

* كم كان عمرك عندما نشر كتابك الأول؟

ـ كنت في السادسة والثلاثين تقريبا. كنت أكتب تلك القصص منذ سنين وأخيرا كتب إليَّ ناشر من دار رايرسن بريس ـ وهي دار نشر كندية اندمجت لاحقا في مكجرو هيل ـ وسألني إن كان لدي من القصص ما يكفي لكتاب. كان في الأصل يريد أن يضعني في كتاب واحد مع كاتبين أو ثلاثة كتاب آخرين. وفشل ذلك، لكن بقيت لديه مجموعة من قصصي. ثم استقال، لكنه نقلني إلى محرر آخر قال، إذا استطعت أن تكتبي ثلاث قصص أخرى، سيكون لدينا كتاب. فكتبت «صور» ، و« الأخوة ووكر رعاة البقر» و«بطاقة بريدية» خلال السنة الأخيرة قبل صدور الكتاب.

* هل نشرت تلك القصص في مجلات؟

ـ أغلبها نشر في تاماراك رفيو. كانت مجلة صغيرة وجميلة، وشديدة الشجاعة. كان محررها يقول إنه المحرر الوحيد في كندا الذي يعرف جميع قرائه بأسمائهم الأولى.

* هل حدث أن كان لك في أي فترة وقت مخصص للكتابة؟

عندما كان أبنائي صغارا، كان وقتي يبدأ بمجرد خروجهم إلى المدرسة. فكنت أعمل بمنتهى الاجتهاد في تلك السنوات. كان لديَّ أنا وزوجي متجر كتب، فحتى في الفترة التي عملت بها في ذلك المتجر، كنت ألزم البيت حتى الظهيرة، حيث يفترض أن أنتهي من شغل البيت، وكنت أكتب في ذلك الوقت أيضا. بعد ذلك، حين لم أعد أعمل يوميا في المتجر، كنت أكتب إلى أن يرجع الجميع إلى البيت في موعد الغداء، ثم بعد خروجهم، ربما حتى الثانية والنصف، ثم أتناول فنجان قهوة سريعا وأبدأ بعده في شغل البيت، محاولة الانتهاء منه كله قبل المغرب.

* وماذا عن الفترة السابقة على التحاق البنات بالمدرسة؟

في قيلولتهن.

• كنت تكتبين في قيلولتهن؟

نعم. من الواحدة إلى الثالثة بعد الظهر. كتبت أشياء كثيرة لم يكن لها أي نفع، ولكنني كنت منتجة. في السنة التي كتبت فيها كتابي الثاني «حياة البنات والنساء» كنت منتجة بصورة هائلة. كان لديّ أربعة أطفال لأن صديقة إحدى البنات كانت تعيش معنا، وكنت أعمل في المتجر يومين في الأسبوع. كنت أعمل حتى الواحدة صباحا مثلا، ثم أستيقظ في السادسة. وأتذكر أنني كنت أحدث نفسي قائلة، عارفة، قد أموت، وهذا رهيب، قد أصاب بأزمة قلبية. كنت في التاسعة والثلاثين فقط آنذاك، ولكنني كنت أفكر بتلك الطريقة، ثم قلت لنفسي، ليكن، حتى لو مت، لديَّ الآن كل هذه الصفحات المكتوبة. سيجدون هم وسيلة لإخراجها. كان سباقا يائسا، محموما. ليست لديَّ تلك الطاقة الآن.

• كيف كتبت قصص «حياة البنات والنساء»؟

أتذكّر اليوم الذي بدأت فيه الكتابة. كان في يناير، يوم أحد. نزلت إلى المتجر، ولم نكن نفتحه في أيام الأحد، وأغلقته على نفسي. كان زوجي قد قال إنه سيحضر العشاء، فصار العصر متاحا لي. أتذكَّر أني تلفّت إلى كل الأدب العظيم المحيط بي وقلت لنفسي، ما الذي تفعلينه هنا يا بلهاء؟ ولكنني صعدت إلى المكتب وبدأت أكتب القسم المعنون بـ«الأميرة إيدا» وهو عن أمي. كل ما يتعلق بأمي يمثل مادة أساسية في حياتي، وهو الجاهز الحاضر طول الوقت. فلو استرخيت سيكون أول ما يرد بذهني. وهكذا، بدأت بكتابة ذلك، ثم توقفت. ثم ارتكبت غلطة كبيرة، حاولت أن أكتب رواية عادية، رواية من روايات الطفولة والمراهقة. وفي مارس تقريبا تبيَّنت أن الأمر لن ينجح. لم يبد لي صحيحا، وفكرت أن عليّ أن أهجرها تماما. وشعرت بإحباط بالغ. ثم خطر لي أن ما عليّ عمله هو أن أفكِّكها وأكتبها في قالب قصصي. وحينذاك أمكنني التعامل معها. ذلك هو الوقت الذي علمت فيه أنني لن أكتب رواية حقيقية أبدا لأنني لا أستطيع التفكير بتلك الطريقة.

* «الشحاذة العذراء» أيضا أقرب إلى رواية، بسبب الترابطات الداخلية بين قصصها.

لا أحب أن أستبق الأحداث أكثر مما ينبغي، لكنني كثيرا ما شعرت بالرغبة في كتابة متتالية قصصية أخرى. في كتابي الجديد «أسرار معلنة»، هناك شخصيات تعاود الظهور. «بي داود» في «الفنداليين» Vandals تذكر باعتبارها البنت الصغيرة في «Carried Away»، وهي القصة الأولى التي كتبتها للمجموعة. بيلي داود ابن أمينة المكتبة. وكلهم مذكورون في «هبطت سفن الفضاء». لكنني لا يمكن أن أسمح لهذه المخططات بالاستيلاء على القصص نفسها. فلو بدأت في صياغة قصة بحيث تتلاءم مع أخرى، فلعلي بذلك أكون مخطئة، ولعلي أكون قد عمدت إلى استعمال القوة في غير موضعها. لذلك لا أعرف إذا كنت سأكتب مثل هذه المتتاليات مرة أخرى، برغم أن الفكرة تروق لي. كاثرين مانسفليد قالت في إحدى رسائلها شيئا من قبيل، أوه، أرجو أن أكتب رواية، أرجو ألا أموت غير تاركة إلا هذه النتف والقطع. صعب جدا أن تفطم الواحدة نفسها عن إحساس النتف والقطع هذا، لو أن كل ما تتركه الكاتبة لا يعدو قصصا مبعثرة. أنا متأكدة أنكما قد تفكران في تشيخوف وكل شيء، ومع ذلك.

* وتشيخوف كان يريد دائما أن يكتب رواية. وكان يريد أن يجعل عنوانها «قصص من حيوات أصحابي».

أعرف. وأعرف إحساس أنه كان يمكنك أن تحققي ذلك الإنجاز، إنجاز وضع كل شيء في عبوة واحدة.

•عندما تبدئين كتابة قصة هل تعرفين مسبقا ما ستكون إياه؟ هل تكون مفصَّلة لديك مسبقا؟

ليس بشكل كامل. أي قصة مقدر لها أن تكون على نصيب، أي نصيب، من الجودة، عادة ما تتغير. في الوقت الراهن أبدأ في قصة. أعمل عليها كلَّ صباح وأجدها مراوغة كثيرا. وبالفعل لا أجد أنها تروق لي، لكنني أفكر أنني ربما، في مرحلة ما، أجد نفسي فيها. في العادة، ينشأ تعارف كبير بيني وبين القصة قبل أن أبدأ في كتابتها. حينما لم يكن لديَّ وقت معين أمنحه للكتابة، كانت القصص تعتمل في رأسي طويلا بحيث لا أبدأ في كتابتها إلا وأكون منغمسة فيها بعمق. الآن أفعل ذلك بملء الدفاتر.

•تستعملين الدفاتر؟

عندي أكوام من الدفاتر الحاوية لتلك الكتابة الخرقاء الرهيبة التي لا تتجاوز تدوين أي كلام. وكثيرا ما أتساءل حينما أنظر في هذه المسودات الأولى لو أن هناك أي جدوى من عمل ذلك كله. أنا النقيض للكاتب ذي الموهبة الحاضرة، ذلك الكاتب الذي يجدها مكتملة بداخله. أنا لا أقطفها جاهزة على الإطلاق، مهما يكن ذلك الذي تعود إليها «ها». وكثيرا ما أجد نفسي في المسار الخاطئ فيكون لزاما عليّ أن أرجع نفسي إلى البداية.

• كيف تدركين أنك في المسار الخاطئ؟

قد أكتب في يوم وأتصوَّر أن ما كتبته جيد جدا، وأنني كتبت من الصفحات أكثر مما أكتبه في العادة. ثم أستيقظ في الصباح التالي وأدرك أنني لا أريد أن أستمر في العمل عليها. حينما ينتابني عزوف رهيب عن الاقتراب منها، حين يكون لزاما عليّ أن أدفع نفسي إلى الاستمرار، أعرف بصفة عامة أن خطأ ما قد وقع. غالبا، في ثلاثة أرباع شغلي مثلا، أصل إلى نقطة في موضع ما، من البداية في الغالب، فيخطر لي أنني سوف أترك هذه القصة. وأضع نفسي في يوم أو اثنين من الاكتئاب والغضب. وأفكر في شيء آخر يمكن أن أكتبه. الأمر أشبه بقصة غرامية: إذ تخرج الواحدة من كل الخيبة والشقاء عبر الخروج مع رجل جديد ربما لا يروق لها كثيرا لكنها لا تلاحظ ذلك. ثم يخطر لي فجأة شيء له علاقة بالقصة التي تركتها، وأرى كيف يمكنني أن أتمَّها. ولكن هذا لا يحدث إلا بعد أن أكون قد قلت، لا، هذه القصة لن تنجح، وأنسي أمرها.

• هل بوسعك دائما أن تفعلي ذلك؟

أحيانا لا يكون بوسعي، وأقضي اليوم كله متعكِّرة المزاج للغاية. وفي مثل هذا الوقت فقط أكون سريعة الغضب فعلا. فإذا كلَّمني جيري في هذا الحالات، أو ظل يدخل الغرف ويخرج منها، أو يصفق الأبواب كثيرا، أكون على حافة الانفجار في الغضب. وإذا بدأ في الغناء أو في شيء من هذا القبيل، يكون الأمر رهيبا. في هذه الأوقات أحاول أن أفكر في شيء، فأصطدم بجدران صلبة لا أستطيع النفاذ منها. بصفة عامة أستمر في ذلك لفترة قبل أن أيأس. وهذه العملية كلها قد تستغرق أسبوعا، هذا هو وقت محاولة التفكير في حل، محاولة استرداد القصة، ثم التخلي عنها والتفكير في شيء آخر، ثم الرجوع إليها، بصورة غير متوقعة في العادة، بينما أكون في متجر البقالة، أو خروجي بالسيارة. أفكر، أوه، فعلا، ينبغي أن أتناولها من زاوية نظر فلان، وينبغي أن أحذف هذه الشخصية، وهذا الشخصان طبعا لا يمكن أن يكونا متزوجين، أو أي شيء. التغيير الكبير، عادة يكون التغيير الراديكالي.

•وبهذا تنجح القصة؟

لا أعرف حتى إن كان هذا يجعلها أفضل. ما يحدث هو أنه يصبح بوسعي أن أستمر في الكتابة. هذا ما يجعلني أقول إنني لا أعتقد أن لدي هذا الشيء الغامض الذي يأتي فيملي عليّ. كل ما يبدو هو أنني أفهم ما أريد الكتابة عنه بصعوبة شديدة. وبأقل قدر ممكن من الفهم.

•وكثيرا ما تغيِّرين زاوية النظر أو النبرة؟

أوه، نعم. في بعض الأحيان أفتقد اليقين، فأحوِّل ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب، وأتنقل بينهما المرة تلو المرة. هذه إحدى مشكلاتي الضخمة. كثيرا ما أستعمل ضمير المتكلم لأدخل نفسي في القصة ثم أشعر لسبب ما أن ذلك لن يفلح. وأنا ضعيفة أيضا أمام ما يقوله لي الآخرون في تلك المرحلة. وكيلي لم يعجبه مثلا ضمير المتكلم في «العذراء الألبانية»، وهذا ما جعلني أغيِّره، في ما أتصور، فأنا لم أكن على يقين تام من أمري، لكنني رجعت بعد ذلك وغيَّرت إلى ضمير الغائب.

• إلى أي مدى تكونين واعية، على مستوى الثيمة، بما تفعلينه؟

يعني، المسألة ليست واعية للغاية. يمكنني أن أرى الطريق التي قد تفشل القصة إن سارت فيها. أرى السلبيات بصورة أيسر من الإيجابيات. بعض القصص لا تفلح مثل بعضها، وبعض القصص أخف أفكارا من غيرها.

* أخف؟

شعر أنها أخفّ. لا أشعر بالتزام كبير تجاهها. كنت أقرأ سيرة ميرييل سباركس، وهي تعتقد، بما أنها مسيحية، كاثوليكية، أن الرب هو الكاتب الحقيقي. وهذا ما يوجب علينا ألا نحاول اغتصاب هذه السلطة، ألا نحاول كتابة أدب عن معنى الحياة، أدب يحاول فهم ما لا يمكن أن يفهمه إلا الرب. فنكتب للتسلية. أعتقد أن هذا ما تقوله. أعتقد أنني أحيانا أكتب قصصا بنية التسلية.

* هل يمكن أن تضربي لي مثالا؟

يعني، أعتقد أن قصة «فندق جاك راندا» التي أحبها كثيرا، يمكن أن تقرأ كتسلية. أنا عموما أردتها كذلك. برغم أن قصة مثل «صديق شبابي» لا تصلح كتسلية. بل تعمل بطريقة أخرى. تعمل في أعمق مستوياتي.

* هل تكدحين في هذه القصص التي تعدينها «قصص تسلية» بقدر ما تكدحين على مادتك المركزية؟

نعم، هذا صحيح.

• هل هناك قصص لم تعانِ مطلقا في كتابتها؟

في الواقع كتبت «صديق شبابي» بسرعة كبيرة. انطلاقا من نادرة. هناك شاب أعرفه يعمل في مكتبة بـ جوردريتش ويجري لي بعض الأبحاث. كان في بيتنا ذات ليلة وبدأ يتكلم عن جيران أسرته، الجيران الذين كانوا يعيشون في المزرعة المجاورة. كانوا يعتنقون دينا يحرِّم عليهم لعب الورق، فكانوا يلعبون بدلا منه لعبة الكرونيكول Crokinole، وهي من ألعاب الرقعة. حكى هذا فسألته عن الأسرة، ودينها، وحال أفرادها. فوصفهم لي ثم حكى لي عن فضيحة زواج: الشاب الذي يأتي، وهو منتم إلى كنيستهم، ويخطب الابنة الكبرى. ثم، تأملوا ما جرى، إذا بالأخت الصغرى تحبل، وتتبدَّل خطة الزواج من الكبرى إلى الصغرى. ويستمرون جميعا يعيشون معا في بيت واحد. الكلام عن تجديد البيت، وعن طلائه، كله صحيح. الزوج والزوجة قاما بطلاء نصفهما، والأخت الكبرى لم تطل نصفها، نصف البيت فقط هو الذي طلي.

•وهل كانت هناك ممرضة أيضا؟

لا، الممرضة أنا اخترعتها، ولكن الاسم لم أخترعه. كنا نقيم حفلا لجمع تبرعات في مسرح بلايث، على بعد نحو عشرة أميال من هنا. وساهم الجميع بأشياء ليقام عليها مزاد لجمع التمويل، واقترح شخص فكرة أن أقيم مزادا على الحق في تسمية شخصية في قصتي التالية. ودفعت امرأة من تورنتو أربعمائة دولار لتكون شخصية عندي. وكان اسمها أودري آتكينسن. فقلت على الفور هذه هي الممرضة! لم أعرف رأيها قط. أرجو ألا تكون قد انزعجت.

• كيف كانت بداية القصة؟

حينما بدأت كتابة القصة كنا في إحدى رحلاتنا من أونتاريو إلى مقاطعة كولومبيا البريطانية [في كندا]، ونحن ننتقل كلَّ عام في الخريف ونرجع في الربيع. فلم أكن أكتب، ولكنني كنت أفكر في تلك الأسرة وأنا في الفنادق الصغيرة بالليل. ثم اقتربت قصة أمي كلها، وبدأت أحكي القصة على مقربة من قصة أمي، فرأيتها بوضوح. يمكنني القول إن القصة جاءت بسهولة. لم أواجه أي صعوبة. كتبت شخصية أمي كثيرا، ومشاعري تجاهها ليست بحاجة إلى أن أبحث عنها أصلا.

• لديك أمّهات كثيرات في قصصك. تلك الأم بالذات تظهر في قصص أخرى، وتبدو واقعية للغاية. ومثلها أيضا فلو، زوجة أبي روز في «الشحاذة العذراء».

لكن فلو لم تكن شخصا حقيقيا، كانت شخصا شبيها للغاية بناس عرفتهم، لكنها كانت من تلك الشخصيات المركَّبة التي يتكلم عنها الكتاب. أعتقد أن «فلو» كانت قوة قاهرة، لأنني كتبت تلك القصة بمجرد أن رجعت لأعيش هنا بعد ثلاث وعشرين سنة عشتها بعيدا. فلطمتني الثقافة لطمة هائلة. شعرت أن العالم الذي كنت أستعمله [في الكتابة]، عالم طفولتي، بدا أشبه بعالم ذكرى مصقولة بمجرد أن رجعت وواجهت العالم الحقيقي. «فلو» كانت تجسيدا للعالم الحقيقي الذي بدا أقسى كثيرا مما كنت أتذكر.

• واضح أنك تسافرين كثيرا، ولكن أعمالك تبدو أساسا نتاجا لحساسية ريفية. هل تجدين للقصص التي تسمعينها هنا صدى أكبر في نفسك، أم أنك كنت تستعملين مادة من حياتك بالقدر نفسه حينما كنت تعيشين في المدن؟

حينما تعيش الواحدة في بلدة صغيرة تسمع أكثر، وعن كل أنواع الناس. في المدينة قد تسمعين قصصا عن أمثالك من الناس. وإذا كنت امرأة فهناك دائما قصص كثيرة من صديقاتك. أخذت قصة «بطريقة مختلفة» من حياتي في فكتوريا، وكثير من «الكومة البيضاء». أخذت قصة «نوبات» من حادثة رهيبة حقيقية وقعت هناك، مقتل-انتحار زوج وزوجة في الستينات من عمرهما. في المدينة، ما كنت إلا لأقرأ عن القصة في الجريدة، ما كنت لألتقط جميع الخيوط.

• أيهما أيسر عليك، أن تخترعي الأشياء أم تؤلفي بينها؟

كتابتي الذاتية الآن أقل من ذي قبل، لسبب واضح تماما، أنك تستهلكين طفولتك، ما لم تكوني قادرة قدرة وليم ماكسول على الاستمرار في الذهاب إليها والعثور فيها على مستويات جديدة مدهشة. مادة النصف الثاني من حياتك، المادة العميقة الشخصية، هي طفولتك. يمكنك أن تكتبي عن أبويك بعد رحيلهما، ولكن طفولتك سوف تبقى حاضرة، وسوف تبقين راغبة في أن يأتيا لزيارتك في دار الرعاية. ربما الأفضل هو الانتقال إلى كتابة تلك القصص الأكثر ميلا للتأمل.

•خلافا لقصصك العائلية، قد يوصف عدد من قصصك بالتاريخي. هل تتعمدين البحث عن هذا اللون من المواد، أم تنتظرين فقط ظهوره؟

لم أواجه قط مشكلة في العثور على مادة. أنتظر ظهورها، وهي دائما تظهر. التعامل مع المادة التي تغرقني هو ما يثير المشكلة فعلا. بالنسبة للقصص التاريخية يكون عليَّ أن أبحث عن كثير من المعلومات. لقد كنت أعرف منذ سنين أنني أريد أن أكتب قصة عن إحدى أولئك الكاتبات الفكتوريات، إحدى كاتبات تلك المرحلة. كل ما كان ينقصني هو العثور على الشعر الذي كنت أريده، وكان الشعر كله رديئا إلى درجة مضحكة. وكنت أريد شعرا أفضل قليلا من ذلك. فكان أن كتبته. حينما كنت أكتب تلك القصة رجعت إلى كثير من الصحف القديمة، من النوع الذي يحتفظ به زوجي، فهو يجري بحثا عن مقاطعة هيورون، منطقتنا في أونتاريو. هو جغرافي متقاعد. حصلت على صور قوية جدا للبلدة التي أطلقت عليها وولي. توافرت لي صور قوية للغاية من القصاصات الصحفية. ثم إنني إذا احتجت مادة محددة، أجعل موظف المكتبة يبحث لي عنها في بعض الأحيان. العثور على معلومات عن سيارات قديمة أو شيء من هذا القبيل، أو عن الكنيسة البريسبيترانية Presbyterian في خمسينات القرن التاسع عشر. وهو رائع. يحب ما يفعله.

• والعمات الرائعات اللاتي يظهرن.

كانت أم عمتي وجدتي شخصيتين في غاية الأهمية في حياتنا. وفي نهاية المطاف، كانت عائلتي تعيش في ذلك المشروع المنهار، مشروع مزرعة الثعالب والمينك، خارج أسوأ أقسام البلدة سمعة، أما هما فكانتا تعيشان في بلدة حقيقية، وفي بيت لطيف، وكانتا تجاريان الحضارة. فكان ثمة توتر دائما بين بيتنا وبيتهما، ولكن وجود ذلك في حياتي كانت له أهمية كبيرة. كنت أحب ذلك وأنا فتاة صغيرة. ثم حدث في مراهقتي أن شعرت أنه أقرب إلى عبء عليّ. لم تكن أمي هي التي تلعب الدور النسائي الرئيسي في حياتي آنذاك، برغم أنها كانت شخصا ذا أهمية هائلة، لم تعد هي الشخص الذي يضع المعايير، فتقدمت المرأتان لتولي ذلك الدور، برغم أنهما لم تضعا أي معايير مثيرة لاهتمامي على الإطلاق، لكن كان ثمة توتر مهم بالنسبة لي للغاية.

•ولم تنتقلي إلى البلدة فعليا مثلما حدث للأم والابنة في «حيوات البنات والنساء»؟

فعلنا ذلك لشتاء واحد. قررت أمي أنها تريد استئجار بيت في البلدة لمدة شتاء واحد، وفعلت ذلك. وأقامت حفل غداء للسيدات، في محاولة لاختراق مجتمع استعصى اختراقه عليها تماما. لم تستطع أن تفعل ذلك. لم يكن هناك أي تفهم. أتذكر رجوعي إلى المزرعة التي كان الرجال قد احتلوها، أعني أبي وأخي، فلم يكن يمكن تبين الرسومات على الأرضية. بدا وكأن الوحل زحف على البيت.

مقالات من نفس القسم