أكان لابد يا نجلاء أن تثيري كل هذا الشجن؟!

سيرة القلب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. زينب العسال

يحمل عنوان مجموعة “سيرة القلب” للكاتبة نجلاء علام، إيحاءً بأننا سنقرأ جزءًا من سيرة نجلاء علام الشخصية، ولكن الحقيقة أن عنوان المجموعة مرواغ، فالمجموعة بعيدة كل البعد عن مفهوم السيرة الذاتية أو الغيرية، والإشارة عن القلب في عنوان المجموعة نجدها تحيل لقلوب وهموم بشر في أغلبيتهم مهمشين.

تنحت قصص نجلاء علام لكل رمز دلالة خاصة، فالمرأة في لحظات الإفاقة تكتشف أنها بساق وحيدة، والطيور رمز الإنطلاق في التراث الشعبي “طير خي ” نجدها في قصة ” طيور الأرض ” تمثل همزة الوصل بين عالم الأحياء والأموات، فهي التي تحمل رسالة الأم الميتة إلى ابنها مروان أو عباس، وفي قصة ” ذكريات نبتسم لها ” تلعب نجلاء علام على تيمة التشظي سواء في السرد أو الشخصيات، فنلاحظ وجود صوتين في القصة صوت حورية وصوت اعتدال، بعدما رحل الزوج وترك زوجتين تتقابلان في المحكمة لأول مرة  من أجل إعلام الوراثة، وكل امرأة تجد أنها كانت سببا في صعود الرجل وتنمية تجارته.

أفادت نجلاء علام من التقطيع السينمائي في استعراض حياة الزوجتين، واستعادة ما فات وربطه بالآتي عبر وصف للمشهد وما يحيط بهما من أجواء، إضافة إلى مسحة إنسانية لافتة تؤكد أن الحس الإنساني يعلو فوق كل خلاف بين امرأتين.

تكسر نجلاء علام ما يمثل السرد التقليدي، فالمتلقى لا يتوقع ماذا سيحدث، ثمة تنقل سلسل بين الأزمنة والأماكن وكأن تلك الطيور التى تظهر فى أكثر من قصة فى المجموعة كما هو الحال في قصص مجموعتها الأولى ” أفيال صغيرة لم تمت بعد ” تمثل أكثر من مدلول، وهذا أدى إلى أن نصها القصصي يتسم بزخم الدلالة.

ومن أهم الوسائل التي توسع من مجال الدلالة استخدام تقنية الحلم، فالحلم عالم يعتمد على الانفلات من علاقة الزمن والمكان .. وأن الكون صار لحظات ممتدة يتجمع فيها شتات ما يترسب بالنفس وتلك الرؤى الباقية من وعي فائت أو لا وعي.

تبدأ نجلاء علام نصها القصصي بإثارة انتباه المتلقي عن طريق جملة قصيرة لكنها تستطيع استلاب انتباه  المتلقي إلى العالم الفعلي للقصة، وتمهد للقصة ونجدها في الغالب مرتبطة بالزمن والحدث وبخاصة الموت أو ما يندرج تجاهه. ويأتى الغناء كوجه للحياة واستمرارها وتحدي الموت والفناء كما فى قصة “شجرة هناك وشجرة هنا” فالحب المادي يمتزج بحب الوطن والاستشهاد .. فالقضية تمثل غنائية في محبة الوطن والإنسان .. ثمة استحضار لأصوات الجد والأب والحقيقة ومحمد وذكرى حرب أكتوبر والانتصار وتلك البطولات التى سمعنا بها وسجلها التاريخ، تجيد نجلاء علام توظيف أغنية محمد افندى رفعنا العلم .. فالقضية أغنية في حب الوطن.

وفي قصة ” في قلبى غرام ” مقطع من أغنية أبو النور محمد عبدالمطلب الذي تحب صوته الشعبى. كم رددت هذه الأغنية بعدما انتهيت من قراءة المجموعة .. ترى لماذا هذا المقطع بالذات من أغنية محمد عبد المطلب الذي نال بعض ما يستحق بعد وفاته ووجدنا من يقلد طريقته ونبرة صوته. محمد عبد المطلب الذي بدأ حياته ضمن كورس أو بطانة محمد عبد الوهاب ينساب اللحن وتدندنه الشخصية.

يتواصل حضور اللحن ودندنة الشخصية له عبر مراحل حياتها، ففي مرحلة الشباب يتسرب اللحن إلى جوانب النفس، ثم يتم قطع السرد على امرأة عجوز في مشفى حيث يتم تشخيص مرضها، بينما هي تستعيد حياتها مع تذكر الأغنية، ثم يعود السرد إلى أيام شبابها ونهر أمها لها وإغلاق الكاسيت، لقد صعد النغم واللحن مع استمرار حرمان المرأة التعبير عن حبها الذي ألمحت له القصة عبر علو نغمة تلي نغمة تجسد الألم والفقر والحرمان.

ويظل مقطع في قلبى غرام الرابط بين الماضي والواقع الآن فالمرأة على عتبات الشيخوخة  تعاني آثارها وأهمها ضعف الذاكرة، النغم يوقظ نبضات قلبها فتعود إلى شبابها، إلى دفء الحب وألمه إنها لا تتذكر الحبيب أو مواقف عاطفية بعينها لكننا أمام حالة من الرومانسية، حب رومانسى طريقه للقلب النغم وغناء محمد عبد المطلب الشجي رغم ما يتمتع به صوته من قوة وصدق فى أن يتسلل الصوت إلى الوجدان .. وكأن الغرام ندب صغيرة لكنها لازالت حية توقظ ما بقى من غرام للمحب.

يتشظى الزمن .. لكن اللحن يجمع هذا التشظي فى حالة من الحب ..  صور تخيلتها له المرأة فظل يقظا حيا، وتمثل عبارة فى قلبى غرام مصبرنى مثيرًا للذاكرة التي تشتت، وتصير بؤرة تجمع شعاع الحب فى النفس.

يتقاطع اللحن مع تشظي الزمن، فنجد مقاطع صمتت عن ذكرها الساردة، لنتأمل المقطع كاملا :

في قلبي غرام مصبرني

على خصامك وطول بعدك

وأقول أنساك يحايلني

ويغلبني زمان ودك

في قلبي غرام مصبرني

إن التقطيع المذكور للأغنية يتلاءم مع حكاية المرأة مع محبتها لمحبوبها الذي ظلت مخلصة له رغم خصامه.

يتسم قص نجلاء علام بالتسامح في اختيار اللفظ والمشهد فلا نجد مبالغة في الحب أو شطط، ورغم بساطة السرد إلا أنه يحمل إيحاءات كثيرة كما في قصص “بساق واحدة أمشى”و”سيرة القلب” و”معاودة”.

 كتابة نجلاء علاء تحرض المتلقي على البحث عن سمات الجمال في الحياة بداية من الذاتي وصولا  بالعوالم المحيطة بنا  .. هى ترى في كل شيء حكمة ومعنى حتى الموت .. أكان لابد يا نجلاء أن تثيرى كل هذا الشجن؟!

مقالات من نفس القسم