“أجمل الوحوش التي عضت روحي” للشاعرة أسماء حسين.. رسائل شعرية بخيال متفجر

أجمل الوحوش التي عضت روحي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسام معروف

ما بين التفكيك والتركيب، يمكننا ملاحظة أصابع الشاعرة المصرية أسماء حسين، وهي تلعب بأدواتها الذاتية، لتجسد أشكالًا من كرات الشعر الطرية، مخلقة نصًا ناضجًا، يمضى على سكة اللغة كما قطار بطيء، في ختام رحلته، حيث التراكيب الملتقطة من طين الطبيعة، بعد الحفر والتنقيب. لربما كانت تبحث عن ذاتها فوجدت الشعر، أو العكس صحيح. بهذه السهولة صارت ترى العالم بعدسات متباينة.

تكتب “أسماء حسين” في مجموعتها “أجمل الوحوش التي عضت روحي” عن دار رواشن للنشر والتوزيع 2019، مكاشفة لعزلة الإنسان عن محيطه؛ في حالة تختلف فيها، مقاييس الأرض بين الطرفين، وتضع كذلك إشارات -للتائه- عن الخاسرين، أولئك الذين غرقوا في ماء التجربة، فكان ملاذهم الأخير هو الخيال. “الشعر هو ما ينقص كل الأشياء/حتى نحبها  للأبد”. وبينما تصف حسين قصيدة النثر ببنية العلاقات في الحياة، بتماثلهما في الخدعة والمراوغة، حتى صفعة النهاية، فإن قصائدها النثرية أتت من خيال متفجر، لذا كان نصها  مفتوحا على كافة الاحتمالات. كما وترصد مسارات الهشاشة في اكتشاف الإنسان، فتقدم اللحظة التي يرجوها المرء ليكون متعادلا بمحيطه، بريئًا من خطاه على التراب حتى. وتتحدث في قصائدها عن الديستوبيا الطويلة للحياة، وكيف أنها تغلق مسام جلدنا بالحزن، فلا نعود قادرين على مغادرة هذا الجسد. وبحس الإنسان كوعي جمعي، بلا تأنيث للفكرة، أو تذكير، تمارس الشاعرة دورتها الخاصة مع الأشياء المتناثرة من حولها، وبفلسفة من يمحو الأفكار أولًا بأول، كفكرة السبورة تمامًا، تبدأ الكتابة عما رأته للتو.

في أجمل الوحوش التي عضت روحي” هنالك خيط من اللحظات المتقطعة، في المشي عليه، تدريب على السقوط البطيء، ذلك الذي يلقيك على قمة ما، لتشتعل فيك التناقضات. فتبدو كل لحظة في نص أسماء حسين، كبسولة مستخلصة من تجربة ما، من الضروري أن يكون الزمن والجسد والوعي، قد لعبوا ضمنها أعقد لعبة، لتكون بهذه الحساسية في الطرح.

إن الطريق الأقرب للشعر، هو أن تأتيه من داخله. هذه الرائحة الجوانية، المنبعثة من مختبر الشاعر، باستنشاقها يتفعل الجسد من جديد. من هناك أتت الشاعرة المصرية أسماء حسين، من ذلك المختبر الغائر، ترمي خيوطها في كافة الاتجاهات، ناسجة ذاتًا جديدة، بالشراكة مع مكونات الطبيعة المهمشة .

لطالما كان الشعر حفارا، يبحث عن قنوات مخبئة، يستخلص سائلها وغازها، ليولّد حياة على غير الصيغة المعتادة. فماذا يتبقى للإنسان في حياة مزدحمة بالرتابة؟  الشعر عكس ذلك تماما. في نص لست شاعرة، تستخدم أسماء حسين الحفار جيدا، لتنقب على ذاتها المغموسة في أنابيب غائرة في جسد الآخر. وتبني للحب في ذهنها صيغة العشب، الذي ينمو دون إذن منها أو سيطرة.

تكتب حسين:

“لا أعرف شيئًا عن كتابة الشعر،

هل تصدقني؟

أعرف فقط أني أحب يديك،

عروق يديك قصائد يمكن لمسها،

يدس بذورها فلاح مجهول في رأسي”.

ولطالما كان للشعر طبيعته الحاذفة، المكثفة في النظر، الملخصة للمشهد الكبير. وحين يفتح باب على احتمالات أخرى، وهو عنوان قصيدة أخرى لأسماء حسين، تتحول وظيفة الشعر تلقائيا، لطارح رؤى، أو آلة أسئلة لا تتوقف. قد لا تكون هذه الأسئلة سوى لحظة وحيدة للضحك، كمفر، لكن على الأغلب ستكون بريد رسائل، للذي يقلب فيه، ورطة بلا حل.

تكتب أسماء حسين:

“السيرة الذاتية نكتة طويلة قد لا تنتهي بالضحك،

الضحك كطوق نجاة..

أطواق النجاة هشاشة عائمة،

الهشاشة كوسيلة للتذكر..

التذكر ربيع لن يعود،

أو خريف يحمل العدوى.

الربيع احتمالات مؤجلة متأرجحة الذبول،

الذبول حيادية الخريف، الأزرق متحررًا من حزنه،

والأحمر قد سئم من اعتراضه،

الاعتراض شاهد قبر لا يلقي له أحد له بالًا.

البال قطعة بازل فقدت مع الحبل السري في فرفة ما ولم تعد”

في نفس السياق الفكري، وبما يتضمنه نص واجهات، تبحث الشاعرة عن أولئك الناس الذين خسروا عمرهم لأجل التجربة، من تكسرت واجهاتهم، وتبقى شبابيكهم مفتوحة لهزائم أخرى. تلك الفئة من الناس، تمتلك لحظة على الأقل يمكنها الحديث عنها بصدق، أي نزيف لا يمكن المرور عنه دون تفعيل.

تفول الشاعرة حسين

“لا أثق في الناس المثاليين،

أثق في الناس المكسورين،

أولئك الذين لديهم صدأ ما، ترسب في عظامهم، من خساراتهم.

أولئك الذين تسقط أسنانهم في الأحلام،

لنقص الكالسيوم العاطفي.

وفرط الهشاشة”.

بعد كل هذا التشابك مع أدوات الشعر في كشف الذات البشرية، تؤكد الشاعرة على هذا التشظي في تناول الأشياء. ففي نص أحلام طاردة للبكاء، تمرر حسين رجفة الشعر، داخل النص، ذلك الاهتزاز الكامن، بمثابة تكرار لحركة عصب متناهي الصغر، يحمل فكرة مثيرة، تبناها الشعر.

ثمة نهاية في كل طريق، والغبار تعبير شعري عن ذلك. ونهاية الحب قد تكون غبار، وبدايته قد تكون غبار أيضا، لكن على العين.

تقول الشاعرة:

“أخاف النهايات التي لا تاتي على مقاس الحب،

أخاف أن أعرف ملامحك، ولا أعرف قلبك ابدًا،

أخاف أن يكون الغبار على عيني، وليس حول قدمي.

إنني خائفة دائمًا من صنع ذكرى جديدة،

أربّي داخلها كابوسا.

إن الطريق الأقرب للشعر، هو أن تأتيه من داخله. هذه الرائحة الجوانية، المنبعثة من مختبر الشاعر، باستنشاقها يتفعل الجسد من جديد. من هناك أتت الشاعرة المصرية أسماء حسين، من ذلك المختبر الغائر، ترمي خيوطها في كافة الاتجاهات، ناسجة ذاتًا جديدة، بالشراكة مع مكونات الطبيعة المهمشة .

مقالات من نفس القسم