Wonder كيف يواجه طفل مختلف مخاوفه

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
ما الذي يشعرك بالقلق وعدم الأمان؟ لا شك أن هناك دة أشياء لكن هناك دائما شيء محدد أثره بالغ التأثير.هل هناك شيء ما تكرهه يتعلق بشكلك؟ هل تبالغ في إخفائه؟ هل هو شيء من الممكن إخفائه أصلاً؟ إن كان مسبب قلقك أمر نفسي فإنه أمر من الممكن اخفائه أو قد تكون جاهل به من الأساس.  

أحيانا يؤثر بنا ما لا نعرف وعندها يشير المحللون النفسيون إلى ما يطلقون عليه العقل الباطن، هذا إذا ما كنا بالوعي الكافي كي نسأل عن العقل الباطن وأسراره.

لكن إن كان قلق وانزعاج شخص ما سببه تشوه وجهه فهذا أمر لا يمكن تجنبه، ويستحيل اخفائه بشكل تام إلا إذا ما ارتديت خوذة بشكل دائم!

مثلما فعل “أغسطس” الطفل الذي اعتبره الأطباء “معجزة” أو “عجيبة” من عجائب القدر وهي  التي تحكي قصته، Wonder ترجمة اسم الرواية والتي كتبتها Raquel Jaramillo تحت اسم R.J. Palaci

 

نشرت الرواية عام 2102 وهي عن طفل بالعاشرة من عمره يعاني منذ ولادته من حالة نادرة جدا من التشوه الخلقي نتيجة لعيب بالجينات مما استلزم اجراء عدة عمليات جراحية بوجهه، ونظرا لشكله المختلف وما ترتب عن حالته من متاعب صحية، اختار أبويه تعليمه بالبيت حتى سن العاشرة ثم قررا ارساله إلى مدرسة خاصة ببداية المرحلة الإعدادية/ المتوسطة.  وهنا تبدأ أحداث الرواية التي تتضمن ردود أفعال الأطفال بالمدرسة ومشاعره وأفكاره الشخصية وأفكار ومشاعر المحيطين به من أهل وأصدقاء.

تعتبر الرواية موجهة بالأساس للناشئين وهي الشريحة العمرية المتوسطة ما بعد مرحلة التعليم الأساسي إلى نهاية المراهقة.

لكن الجمهور الذي اجتذبته تضمن جميع الأعمار وتصدرت الرواية قائمة الأفضل مبيعا لفترة طويلة، مما لفت الأنظار إليها وشجع هوليود مؤخرا على انتاج فيلم عنها قامت ببطولته “جوليا روبرتس” وسيتم عرضه هذا الشهر في أمريكا.

 

Raquel Jaramillo

كاتبة الرواية عملت بمجال النشر طوال سنوات تاريخها المهني، بدءا من تصميم أغلفة الكتب والتحرير إلى العمل كمديرة بقسم نشر كتب الأطفال، ولزمها الأمر أكثر من عقدين بالمجال قبل أن تحقق حلمها الأساسي بالكتابة للأطفال وتصدر روايتها الأولى.

اختارت أسلوب تعدد الأصوات بالرواية.  بمعنى أن كل قسم بالرواية يتضمن رؤية راوي مختلفة للأحداث. 

قسمت الرواية لثماني أقسام، الأول والسادس والثامن بصوت “أغسطس” البطل الأساسي للرواية وبقية الأقسام هي خمس روايات مختلفة تتضمن صديقيه وشقيقته وأصدقاؤها.  

تعمدت الكاتبة اختيار الأطفال كرواة، وتجنب منظور الأب والأم أو أيا من الكبار.

 

ما أعجبني هو أن الرواية لم تعرض الصراع النفسي لطفل مشوه خلقيا فقط بل عرضت من خلال الأصوات المتعددة للرواة مشاكل مختلفة خاصة بمرحلتي الطفولة والمراهقة التي أدركت بعد قراءتي للرواية أننا عندما نتخطى تلك المراحل نستهين بها.

 

مع تقدمنا بالعمر وانخراطنا في صراعات الحياة وأزمات النضج الشخصية والفكرية فإننا نترفع ولو بشكلٍ غير واعٍ عن أزمات أصحاب تلك المرحل العمرية ونتناسى ما مررنا به خلالها.

لكن الكاتبة نجحت في تقمص أرواح المراهقين والأطفال ببراعة واكساب كل صوت شخصية متفردة وهو برأيي أصعب جزء بأسلوب الكتابة متعدد الرواة.

كل قسم ينقلك تماما لشخصية صاحبه لكن المحور الأساسي هو بطل الرواية وحالته.

 ومن خلال لغة أفكارهم الذاتية وأحداث حياتهم، والحدث البسيط الذي تدور حوله الرواية ككل وهو عام “أغسطس” الدراسي الأول، يصل إليك كقارئ كل ما هدفت إليه من تلك الرواية الإنسانية الجميلة

ذلك الهدف الذي تجلى في الحملة التي روج لها تحت اسم الرواية تحت هاشتاج

#ChooseKind

أو اختر الطيبة، فتلك هي الرسالة الأساسية للرواية.

بإمكانك دون حتى قراءة الرواية تخيل صراع بطلها النفسي لما يعانيه من تشوه خلقي وكيف أن رد فعل المجتمع لمجرد رؤيته من اشمئزاز أو خوف يؤثر عليه بشكل سلبي. وإذا ما تخطى رد الفعل التعبيري إلى فعل الأذى الجسدي تصير المشكلة أكبر وأخطر.

 وهو ما تتطرق إليه الرواية في أحد فصولها في مشهد يتشاجر فيه أطفال أكبر بالسن مع “أغسطس” وأصدقائه لأن شكل “أغسطس الشبيه بالمسخ يستفزهم لضربه.

وهنا تعالج الرواية مشكلة مجتمعية عامة لا تؤثر فقط على ذوي الاحتياجات الخاصة أو المشوهين خلقيا ولكنها تشمل الأطفال والمراهقين بأمريكا.

حيث أن مشكلة المضايقة/ التنمر وهي الترجمة الحرفية لكلمة Bullying هي أحد المشاكل الشائعة جدا في المدارس الأمريكية وخصوصا الأطفال ما بين السادسة والثانية عشر.

 وفي هذا مثال عملي أن الأدب من الممكن استخدامه كأداة لدعم قضية إنسانية ومحاولة التغيير الإيجابي للمجتمع. فالهاشتاج المقترن بالرواية قد تم تداوله على نطاق واسع ومدرسين ومدرسات شجعوا الطلبة على قراءة الرواية لما تحمله من معاني إنسانية هامة. وقطعا تحول القصة إلى فيلم سينشر تلك الأفكار على نطاق أوسع. 

في اعتقادي أن الفيلم سيكون عاطفيا بشكل مؤثر لأن الرواية تثير العاطفة إلى حد البكاء حسب وصف بعض القراء لها.

بالإضافة إلى التعاطف الذي ستشعرك به الرواية تجاه “أغسطس” أو “أوجي” كما يدللله الجميع، فهي تمر علي معضلة يقع فيها أي والدين ابتلاهما الله بطفل مريض أو ذو احتياج خاص، وهي التفرقة الغير مقصودة بينه وبين أشقائه وما يترتب على هذا من أثر نفسي على الأشقاء وقد ظهر هذا في القسم الخاص بشقيقة “أوجي”، “أوليفيا”.

كما أن تلك المعاملة الخاصة قد ينتج عنها طفل أناني، تعود على أن يكون محور الاهتمام مهما حدث.

وهذا ما رسمته الكاتبة من خلال حوار “أغسطس” الداخلي وهو في انتظار والدته أن تلحق به إلى غرفته بعد نوبة غضب مبالغ فيها من جانبه.

 ذلك المشهد تحديدا يعد وصف لسيكولوجية الطفل بصورة عامة والفارق الشاسع بين عطاء الأم اللامتناهي وأنانية الابن الذي يعتاد هذا العطاء ليصبح أمر مسلم به.

  ولقد استحوذت الكاتبة على اعجابي التام بذكائها في المشهد الذي تلا مشهد نوبة الغضب وكيف بعد أن نبهت على تلك الحقيقة النفسية بانسيابية تامة ومن خلال سياق القصة، أعادت الدفة ناحية التعاطف مع “أوجي” وأسرته، بحدث ساعد في خلق الدراما الخاصة به، اختيار توقيته.  أعطت به بطل قصتها درس ودفعته خطوة في اتجاه النضج، ولم تسمح لنا كقراء بالانسياق خلف التعاطف مع أمه وشقيقته إلى حد الانصراف عن البطل كشخص أساسي.

رواية Wonder  على بساطة لغتها وسهولة أسلوبها، تعكس خبرة وبحث عميقين بسيكولوجية الطفل والمراهق.  

ومن الممكن وصفها بالسهل الممتنع وهذا يدل على براعة الكاتبة، فقد نجحت في تقديم حكم ومعاني إنسانية هامة يسطر من أجلها كتب فلسفية كاملة من خلال رواية بسيطة وقريبة إلى القلب.

الرواية تستحق القراءة وأرشحها بشدة لكل الأعمار وفي انتظار رؤية صورة “أغسطس” السينمائية قريبا وأتمني أن تكون على نفس مستوى الكتاب وأفضل.

مقالات من نفس القسم