53 دقيقة ايروتيك رومانس

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 30
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

 بعد 14 دقيقة، الروبوت “غمزة عين” يطرقُ غرفة “روح”.

“أُدخل”، جاءه صوتها على الفور.

 فتحَ الباب، جالسة إلى مكتبها، اللاب توب مفتوح على الرواية، ظَلَّ بمكانه ينظر إليها، مرَّرَتْ عينيها عليه من أعلى لأسفل، ابتسمَتْ: “كل هذه الغزالات؟”.

نظرَ إلى بيچامته الزرقاء، الملأى بغزالات بيضاء، وابتسم.

“تفضَّلْ”، قالت “روح”، ونهضَتْ.

مشىَ إليها بخطوات هادئة، توقف أمامها، نظر فى عينيها ثوان، تطلَّعَ حوله: “أول مرة أدخل غرفتك”.

 سرير بمَفْرَش وردىّ، وسادتين باللون نفسه، ثلاثة كتب على الأرض بجوار السرير، كومودينو فوقه قلم ونوت بوك، على الجانب الآخر كومودينو فوقه أباچورة على شكل ذئب أزرق يعوى، دولاب صغير يناسب واحدة غير مهتمة بتجميع الملابس، مقعد كبير فى زاوية، أمامه طاولة صغيرة، تسريحة فوقها ثلاثة أمشاط شَعْر خشبية، زجاجة عطر، وقلم للشفاه، مَشْرَب الكتب، المكتب من جديد، وبيچامتين كلاسيكيَّتَيْن تقفان متواجهتَيْن، إحداهما زرقاء مرسوم فيها غزالات بيضاء، والأخرى حمراء فيها نمور صفراء.  

“رائحة الغرفة.. مريحة”، قال “غمزة عين”: “أنا أُحب رائحتكِ”.

ابتسمَتْ “روح”: “شكرًا، أنت لطيف”.

“وأنتِ جميلة”.

“أنتَ أيضًا.. جميل حَدَّ أن تجعلنى أبتسم”.

ابتسمَ “غمزة عين”: “ما هذا الكلام اللطيف، يبدو أن طبيعتكِ تتغيَّر عندما تكونين فى غرفتك”.

ضحكَتْ ضحكة قصيرة: “لا أعرف، سنرى”.

نظر إلى اللاب توب: “ما رأيكِ أن نرقص على كوكتيل الموسيقى الذى رقصنا عليه من قبل؟”.

“امم، جهَّزْتُ موسيقى أخرى، ما رأيكَ أن..”.

“طبعًا”، قال “غمزة عين”.

 شغَّلَتْ “روح” موسيقى بيانو صولو هادئة، التفَتَتْ إليه: “ما رأيكَ أن نجلس، و..”.

“نعم، كما تحبين”. 

تلفَّتَتْ حولها كأنها ترى غرفتها لأول مرة، وتبحث فيها عن مكان مناسب، قالت: “يمكننا أن نُجرِّب السرير”، استدرَكَتْ: “ليس لشىء محدَّد”، ضحكَتْ، مشَتْ خطوة باتجاه السرير، غَيَّرَتْ اتجاهها إلى الباب، أغلقَتْه، عادت إلى “غمزة عين”، أشارت إلى طرف السرير: “هنا”.

جلسا مُتجاورَيْن، يفصلهما خمسة عشر سنتيمتر.

كلٌ منهما يتتبَّع الرسم فى  بيچامة الآخر، ويبتسم، لديها نمر يتكرَّر فى وضْع القفز للانقضاض، ولديه غزالة تتكرَّر فى وضْع القفز للهرب، كأنهما داخل غابة.

سألها: “هل هناك تلميح ما بوجود النمر فى بيچامتكِ والغزالة فى بيچامتى؟”.    

ضحكَتْ: “لا يوجد أىّ تلميح، قلتُ لك إنى لستُ جيدة فى هذه الأشياء”.

ابتسمَ “غمزة عين”: “لا يهم، كل شىء لطيف.. جميل.. أو..”.

 ظَلّا صامتَيْن ثوان، تلفَّتَتْ “روح” حولها كأنها تبحث عن الكلمات، ربتَتْ على السرير، قالت: “تعرف؟ فى السرير كتَبْتُ مقاطع من أجمل ما كتَبْتُ، أُحب أن أكتب هنا، أقرأ، أشرب قهوتى، أتناول وجباتى الخفيفة، أحب أن أكون فى سريرى مع بعض الفوضى، هذا يعْزِلُنى مع خيالى بطريقة ما، كأنى فى كوكبى الخاص”، صمتَتْ لحظة: “أفكر أنه من الجميل جدًا أن تكون فى سريرك مع رواية جميلة تكتبها، أو تقرؤها، لا مانع من وجود شخص لطيف بجوارك من وقت لآخر”.

“هذا رومانسى”.

“امهمم”، ابتسمَتْ لنفسها وللكتابة: “أستطيع بالكتابة أن أفعل أىّ شىء”.

“قُلتِ من قبل أنها تحرمكِ من أشياء”.

“لكنها تعطينى كل شىء، مع الكتابة لن يفوتنى شىء”، قالت “روح”: “الكتابة ليست بديلاً لى عن حياة أو موت، ليست إنقاذًا من جنون أو انتحار، ولا تعويضًا عن شىء خسَرْته، أو سأخسره، هى أكبر من ذلك، وأبسط، وأذكى، وأهمّ.. هى فى حَدّ ذاتها هى”، نظرَتْ بعيدًا: “الكتابة قصة حبى، أنا أحبها، كل كلمة أكتبها هى جزء من روحى، كُتُبى أصدقاء لى، نُسَخ من روحى، نُسَخ منى بطريقة ما”، نظرَتْ إلى “غمزة عين”، ضحكَتْ: “كنتَ تتوقَّع منى أشياءً أخرى وأنا فى بيچامة النمر هذه، صحيح؟”.

ابتسمَ: “أُحب ما تقولينه عن الكتابة”.

“تعرف؟ جُملة واحدة أكتبها وأكون راضية عنها، يجعلنى هذا أشعر أن العالم كله لى، وأنى حصلْتُ على كل شىء”، ابتسمَتْ لكل الجُمَل الرائعة التى كتَبَتْها: “عندما أكتب واحدة من هذه الجُمَل أكتفى بها للَّيلة كلها، لا أكتب غيرها، كطريقة للاحتفال بها، أشعر وقتها أن الجملة أيضًا راضية عنى، فرحانة بى، أستطيع أن أشعر بما تشعر به، أنا وهى، كلٌ منا راضية عن شريكتها، وسعيدة بها، ولها”.

“أرى ذلك النور فى عينيك الآن، نور لا يظهر إلا عندما تتحدثين عن الكتابة”.

“لا شىء يُسعِدُ روحى ويُضيئها أكثر من أن أكتب، أو أتحدث عن الكتابة”، ضحكَتْ ضحكة قصيرة: “ولا شىء يُشعِر جسدى بالراحة أكثر من أن يؤلمنى ظهرى، هنا”، مرَّرَتْ يدها على جانب عمودها الفقرى، وتحسَّسَتْ نقطة قُرْب نهايته: “هذا الألم الخفيف بسبب الكتابة، الألم الجميل، عندما أحصل عليه، أشعر أنى أستحق العالم”.

“أنتِ الكاتبة التى تستحق العالم”.

ظلَّتْ “روح” صامتة لحظة، قالت: “إنها الكتابة”، نظرَتْ بعيدًا لتفكر فيها، وكتبَتْها بسبَّابتها فى مفرش السرير، “الكتابة”.

“هل تسمحين؟”، قال “غمزة عين”.

نظرَتْ إليه، رأت يده مفتوحة أمام قلبها، قال: “أريد أن ألمس قلبك”، تأمَّلَتْ عينيه لحظة، أومأتْ، وضعَ يده على قلبها، نظر فى عينيها، مرَّتْ 25 ثانية، ابتسمَتْ: “هل سترفع يدك عن قلبى يومًا ما؟”، ابتسمَ: “سأرفعها الآن، لكنى لن أرفعها أبدًا”.

نظرَتْ “روح” إلى نمر فى ركبة بنطلونها، وضعَتْ عليه طرف سبَّابتها، نقلَتْ إصبعها إلى نمر آخر، وغيره، لمَسَتْ كل النمور فى ركبتها، نظرَتْ إلى “غمزة عين”.

قالت: “والآن.. ماذا؟”.

قال: “أنا مرتبك.. وخائف”.

ابتسمَتْ: “أنا أيضًا”.

“ستكونين طيِّبة معى؟”.

“ستكون لطيفًا معى؟”.

أومأ وهو لا يعرف بالضبط ما يجب عليه أن يفعله أو لا يفعله هنا كى يكون لطيفًا.

 سألها: “هل هناك طريقة محدَّدة؟ أو..”.

“الجسد سيستعمل خياله، والخيال سيستعمل جسده”، فكَّرَتْ فيها “روح” بعد أن نطقَتْها.

لو أن “روح” كتبَتْ ما حدث بينهما، لجَعَلَتْ منه رواية إيروتيك أنيقة، حجمها 53 دقيقة، ربما تُسمِّيها “53 دقيقة إيروتيك رومانس”، ومن المُتوَقَّع أن تحتوى جُمَلاً مثل: “قبل أن تدخلنى، قُل لى.. أنا أحبكِ”، “سحبَتْ قدمها من ساق البنطلون بأناقة”، “سأقول لكِ كلمات رومانسية”، “عُشب خفيف، نظيف، بُنِّى فاتح، وأطرافه بها حُمْرة خفيفة”، “مختبئ هناك ومكشوف”، “رائحة قهوة وعَرَق خفيف”، “إنه وسيم وناضج”، “وأنتِ.. كأنه أغنية رومانسية”، “لها ترقوتَيْن هشَّتَيْن تدلان على قوة داخلية”، “سأقول لكَ كلمات بذيئة”، “دافئ وبه بلل خفيف”، “اِجلس بين فخذىّ، سيعجبكَ المنظر هناك”، “لا قواعد”، “خمرى بدرجتين أرقُّ من جسمها”، “نمور وغزالات”، “أنا أحبكِ”.    

أو ربما لا تكتب “روح” فى روايتها الإيروتيك رومانس كلمة من هذا كله، “إنها الكتابة”.

………………..

*مقطع من رواية بعنوان: روبوتوسولوچى-Robotosoulogy

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون