5  نصوص

فتحي مهذب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فتحي مهذب

   مات كل شيء

ماتوا قبل قليل

سقطوا جميعا في الهوة السوداء..

سقط الرب من أعلى الجبل بالميكروباص..

لم تبق غير أسنانه الصدئة في جبة المتصوفة..

مات البهلوان في غابة السافانا..

ماتت عصافير الدوري في مفترق شراييني الهشة..

مات أخي مختنقا في مبولة الهامش..

ماتت الوردة في كتاب الأغاني..

مات نوح بحمى التيفويد في عرض البحر..

مات الحب بعضة أفعى المامبا.

ماتت الشجرة الوحيدة في صحن البيت المظلم..

ماتت قطتي المكفهرة بأعراض البلهارسيا..

مات آخر نبي غرقا في محيط المعاني..

ماتت العاهرة تحت صدري مثل شاة ضريرة..

مخلفة كدمات حمراء على عضوي الحجري ..

نصا سرديا طويلا في مدح الخيول الأصيلة..

ماتت أمي مثل كلبة مقززة في المستشفى..

رغم هيئة القوس التي تكون عليها بعد العاشرة ليلا..

رغم صلاتها اليومية لم تظفر بجنازة مهيبة ..

كسرت كرسيها المتحرك بفأس

لأنسى صرير العجلات التي تقرص

مخيلتي طوال الليل..

مشية الفالج العبثي على قارعة جنبها الأيسر..

مات كل شيء جميل في قلبي..

مت مرارا شاتما السماء والأرض

وكل آلهة العالم..

أموت ألف مرة في اليوم..

بلت على رأس ملك سفسطائي..

بلت على كل دساتير العالم..

بلت على برلمانات الإوز العبثي..

بلت على مؤخرة الواقع الزنخة..

بلت على وجوه الساسة المثليين..

فجرت كاتدرائية واحدة ..

وجامعت قديسة بجوار تمثال المسيح..

كان المسيح يضحك مثل أب طيب للغاية..

والدم يزرب من عينيه شبه الغائمتين..

العذراء تستمني بصمت ..

فاغرة فمها الكرزي ويداها مرفوعتان إلى الأعلى..

مات الممرض المتعفن برصاصتين

من نهدي جثة طازجة..

مات حصان العائلة أمام البنك

متأثرا بجروحه..

ماتت الملائكة في مجزرة جماعية..

مات جارنا الضرير بركلة قطار جامح..

مات النقاد في رحلة صيد عبثية..

مات جرو الفرح الصغير بالسل..

مات البلبل الضحوك في البلكونة..

مات كل شيء جميل

أطفالي ماتوا في الشتات..

أنا مت ألف مليون مرة في اليوم..

الله مات من قرون

لم أشهد جنازته..

ماتت رغبتي في الحياة

مثل قحبة مفلسة .

لكن لم تمت الثعابين السوداء

التي تسحب البلاد إلى الهاوية .

لم يمت اللصوص والعيارون وقاط

****

                                       أحلام فرعون صغير

رغم أني أحدثت ضجيجا هائلا في وادي الملوك..

أطلقت عقيرتي نافخا في بوق توت عنخ آمون..

أيقظت مومياوات لتهاجم زيزان هواجسي ..

لتعتقل ثيران كوابيسي الجامحة..

سيارة إسعاف ضريرة تدوي في مرتفعات جمجمتي الهشة..

وتطارد محنطين جددا يجلسون على ربوة كتفي

في انتظار جنازتي المهيبة..

محاطا بجوقة من السحرة العارفين ..

رغم إختفاء وجهي ..

مثل قارب مهجرين في عرض المتوسط..

رغم انتحاب صقر مصنوع من الذهب الخالص…

رغم سخرية الرب من تماثليه العمياء..

وكذبة الفردوس الكبرى..

وقطع أصابع منكر ونكير في السجن..

سقوط الأشياء الجميلة في البئر..

رغم صلواتي المكرورة على حافة اللامعنى..

إعادة النهر الجامح لنصوصي الشيطانية..

وكتابة وصايا الهدهد بالحبر الصيني..

رغم فظاعة القصف الليلي في برية اللا وعي..

رغم ارتداء قناع توت عنخ آمون

ومرواغة الأشياء والكلمات..

لم تسقط أفعى الكوبرا من شجرة عمودي الفقري..

لم أعثر على دراجتي الرملية..

في زقاق المخيلة..

لم أرى النور في البحيرة..

لم يزرني النفري على جواد الإشارة..

مطوقا بنار الهنود الحمر..

لم أعثر على سكان روحي الأصليين..

بينما متسولون كثر يقرعون الأجراس داخل كاترائية رأسي..

أنا بهلوان من القش

في سيرك الليل والنهار ..

ألهو مع القردة في الباص العبثي..

أنطفئ ببطء مثل شمعة متصوف

في مغارة.

***

   سيرتي سيئة مع الله

أنا خطر جدا

مطارد  ومستنفر مثل سيارة إسعاف في ورطة..

هارب من قطيع  قساوسة قروسطي..

من مركب نوح الذي تخبط في مضيق معتم ..

صوتي مدجج بأحزمة ناسفة..

أقفز مثل كنغر من الشك إلى اليقين..

من اليقين إلى الشك..

تهتز فرائصي لرائحة الدم..

أنا قذر ومخيف ومتحول..

لا أفرق بين نومي ويقظتي..

بين وجهي الذي ترشقه ذكريات

مريرة بالحجارة..

ووجهي الذي يدحض ماهيتي

في المرآة..

وجهي الذي يتعثر في مشيته..

وجهي الذي يخفي براهينه

في حفر النعاس..

أنا متربص بي ..

بكهنة عميان وصحون طائرة..

قطار قد يقفز من ركبتي

مثل أم أربع وأربعين..

متربص بسنابك أحصنة الضوء..

أرتكب جرائم فظيعة..

أطير مثل نسر ملكي

أختطف النساء في الليل..

أقطعهن مزقا مزقا وأرميهن إلى

كلاب المجرة..

أملأ سلتي المثقوبة بفواكه أثدائهن

أفتح النار على مؤخرة الريح..

أرشق باب الحديقة بحذاء جاري الميت ..

أقشر برتقالة وأطعم ضبابا فر من

شحمة أذن الأفق..

أبيع خصيتي الى غزالة عمياء..

لساني إلى ضفدع سكران..

حاسة سمعي إلى قبار..

أظافري إلى موتى جدد..

أقطع أصابعي بأسناني

أطعم ذئابا تعوي تحت

أكمة قفصي الصدري..

فمي مليء بالتوابيت..

سيرتي سيئة مع الله ..

مع جسدي الذي آذيته كثيرا

ورطته في حروب مكلفة جدا..

أهديت سريره الذهبي إلى امرأة

إذ ملأته بالدموع والمسامير..

وبقايا دخان أزرق..

أنا قذر جدا

أعلو وأهبط مثل باخرة عبثية..

مجرم حرب في مقاطعة الكلمات..

أشوي روح العالم على أثافي أعصابي..

هكذا في عزلتي أتربص بغزلاني الهشة .

وأخطط لانقلاب في مهب العاصفة .

***

 الذئب الملعون

في الغابة قايضت رأسي برأس ذئب..

صرت أعوي وأقلق المارة النائمين.

أعدو سريعا مثل صحن طائر ..

راصدا حركات النجوم في الأسطح الهادئة..

افترست قطيع جارتنا الضريرة..

طاردت هواجس الرعيان في العتمة..

ومن حين إلى آخر أعض كتف قس

يجر باخرة حزينة بحبل المتناقضات..

في الليل يلاحقني القناصة وسيارات الإسعاف والصبية الملاعين ..

وتناديني الذؤبان من أعلى الأكمة..

لعشاء فاخر من لحم الضأن الطازج

غير أن قدمي متهدلتان

مثل شفتي عجوز..

والرصاصة التي أطلقها الكاهن

لم تزل تغني بين كتفي المتعثرتين..

في الغابة بكيت طويلا..

مثل طيار واعد أمام أيقونة العذراء..

لأن رأس الذئب لم يرقني بالمرة..

لم أعد أنام مثل إوزة خجولة..

أو أعمل نار المخيال في الكلمات ..

أتعبت العالم بعوائي المتهدج..

في الغابة ألقيت رأس الذئب في البئر ..

تحولت إلى شجرة ضحوكة..

في الأوقات الحرجة

تزورها بركات المطر ..

***

                                              الثعابين

قررت بعد تفكير طويل أن أرسل جسدي مفصولا عن رأسي بسبب اقتضاءات وإكراهات شتى .

أطلقت جسدي المفصول صباحا ليفاوض العالم بدلا مني ويصنع معجزاته بعرقه ويحتك بالأضداد.

عاتبني رأسي طويلا مدويا.

– لماذا تركته وحده يجابه العالم الخارجي؟.

– أشفقت عليك من الطعنات المكرورة التي تلقيتها من نظرات المومياء المليئة بقش العتمة واللامبالاة والسدود الغزيرة التي تفصل بين الحقيقة ونقيضها.

-إذن أنا غير موافق تماما على هذا

التصرف الأرعن.

– لا أشاطرك الرأي من الحكمة بمكان أن تنال قسطا من الراحة وتعيد ترتيب أوراقك جيدا. وتشحذ عالمك الداخلي بعيدا عن السوقة والرعاع والجثث المتعطنة.

– أنا إلى حد هذه البرهة العصيبة لن أجاريك فيما ذهبت إليه.

– إنتظر .

– ستبدي لك الأيام.

– هذه مغامرة لم يجترحها إنسان يستميز بآلية تفكير مستقيم راجح.

-أنت الآن قطعة مسحورة من العظام المدورة مستطاعة بغيرها .

– سأضعك على منضدتي وأدخل عليك بعض التعديلات الجذرية حتى تتحول إلى شيء مهم ونفيس.

وبينما كنا منهمكين في حوار ساخن.

سمعنا اصطفاق الباب وقرقعة صغيرة أدركنا للتو خروج الجسد وحده لمجابهة ثيران الحتميات البائسة.

إنه الجسد يصطدم بالباب الخارجي ويتلقى صفعة أولى ولكن واصل طريقه غير آبه بشيء.

المهم أن يستعين بذاته وقدراته وقوته الفيزيقية.

قطع شوطا لا بأس به لم يمسسه أي مكروه أو أذى.

صاح منتشيا أنا لست في حاجة إلى رأس يدلني .

أنا سعيد ببوصلة  القلب المدهشة. اندفع في غناء فريد دافئ عذب كما لو أن العالم خير محض .

بيد أن ما نحس به لا يتوافق أحيانا مع قوانين العالم الخارجي.

وعلى غرة أبصره لفيف من الأناسي وعدوا إثره إشباعا لنزوتهم الحارقة في معرفة الحقيقة.

الناس عادة لا يرغبون إلا في إصطياد الحقيقة المتبدية للعيان

أما الباطن فمهمل ومتروك ومهجور ولا يعني شيئا لهم.

كان هذا الجسد السيء الحظ يركض في كل الاتجاهات بينما يلاحقه الآخرون لأسره واستغوار أمره الغريب .

رشقوه بالحجارة لإسقاطه. ما إن يسقط حتى يستجمع أشتات قواه ويواصل الركض مكتظا بكدمات زرقاء .

لم يرضخ. ولما كان سريعا في عدوه استطاع أن يختفي عن الأنظار في غابة كثيفة معتمة حزينا يائسا . حاول أن يفكر ولكن لم يفلح في ذلك. لأن رأسه مختبئة في شقة بعيدة عن أعين الشياطين.

ظل هنا ساعات طوالا مصغيا إلى قيثارة الينابيع العذبة وحفيف الأشجار وترانيم الطيور على تمايز أشكالها وألوانها وعواء الذئاب الآتي من الأقاصي .

فجأة تناهى إلى سمعه الداخلي صوت نابع من الأعماق الكثيفة.

يا جزءا من سنخي . لقد خمشت بصري هذه الكدمات الزرقاء التي يعج بها جسدك.

– قال الجسد بلهجة خافتة :

لمن هذا الصوت؟.

– صوت الأرض التي أجبروك على التحرر الخاطئ من جنتها الأبدية. ولكن طب خاطرا. إنها لا تعدو أن تكون مجردة طفرة.

ستعود إلى بيتك الحقيقي وتحظى بمنزلة عظمى في النسيج العميق لجذوري.

– شكرا أيتها الأرض على هذا الإحتفاء والترحيب.

تحامل على نفسه وأم من جديد سمت الواقع ليجابه هذه المخلوقات الكابوسية الجامحة المفطورة على الشر  وحبك المؤامرات وشن الحروب الضارية وعقد الصفقات الخاسرة.

وما إن وطأت قدماه باب المدينة حتى نشب خلاف حاد بينه وبين لص متهور كان يرغب في اختلاسه وفجأة سقط صريعا ملطخا بدمه إثر طعنة غائرة.

 

مقالات من نفس القسم