4 قصائد

فتحي مهذب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فتحي مهذب

السيمفونية التاسعة لفتحي مهذب

في صوتك إيقاع حمامة مذعورة..
تنهد فراشة بيضاء..
نأمة نبي في غابة كثيفة الإيحاء..
ضجيج أرجوحة النهار..
همهمة كاهن يطير في الهواء..

***

يدك جسر مليء بالذهب..
أنا طائر ضرير منبوذ
وفي فمي طعم المعجزات..
ظلك بيتي وقمح يديك بركات..
كل يسوع يرتاح على صخرة كتفيك..
وفي خرائط شرايينك منجاتي..

**

أهبط مني لأصعد إليك
شرفتي ضيقة وصوتك شاسع..
صمتي أدراج مهدمة..
طريقي إلى روحك وعرة..
مياهي ضحلة وروحك قمح.. ينابيع زرقاء..
ولا شياه في وادي مخيلتي
وحنيني أرز يتساقط من رأسي..
يدي مظلمة يدك عصاي ونهاري..
صمتي جدجد صاخب..
عزائي في اقتناص الهواجس..
استدراج حشرة التفكير .

***

أغسل غزالة عشقي بمياه النسيان..
وفي العراء أمنح نجمتك اسمي..
بريدك لم يصل ..
ماعز أحزاني يتخبط في صدري..
غصوني مكسورة ودموعي أيائل
مطفأة..
وضفافي آهلة بعويل شيخ البحر..
وثماري مطر أبدي..
***
غائم وبراهيني هشة..
شمسك لا تضيء إلا في العتمة..
عيناي محفورتان بالجدري..
قميصي ملطخ بنباح أصابعك..
انتشليني من قاع المحو.
وليكن ثمة مجد ونور .

***
المكان ما تخلفه حوافر الحصان
من غبار اليوطوبيا .
وفي دمي تقتتل الملائكة..
كوني نهايتي وامنحيني
صولجان الأبدية.
كوني شفيعتي في مضائق السيمياء..
كوني مطرا وامنحيني خاتم الأسرار..
مفاتيح الانبعاث..
كثافة الزرقة.
ومجد العبور.

***

السائر في نومه باتجاه حركات النجوم .

قبل نومه زهاء غيمتين ونيف..
يوصد روحه بمزلاج حديدي..
ينظف إوزة اللامبالاة
التي خلفها المشاؤون الجدد
تحت إبطيه..
يقص ريشها الكثيف بعناية فائقة..
لئلا تطير باتجاه جزر الواق واق ..
اللصوص كثر..
ملك الموت يجوب الشوارع
ممتطيا حصانا بسبعة رؤوس..
ثعلب يرصد صيصان ذكرياته بدهاء ..
قبل نومه يدلك روحه جيدا
بزيت القراصنة ..
وينظف الكدمات الزرقاء..
التي سببها تصادم قطارين من الجنون الخالص..
بين مفترق سكة كتفيه ..
يرسم خيطا واصلا بين صورتي
نيتشة والمسيح..
لاستدراج المتناقضات إلى غد أفضل..
وإلهاء الفلاسفة بسرد بنيوي مركب..
قبل نومه زهاء زفرتين ونيف
يطلب الرحمة والغفران بتقنية المونولوغ الناعم..
رافعا يديه المعقوفتين مثل منقار النسر..
يا رب هبني مسافة أطول من الأيام القادمة على مهل..
لأدجج العالم بنصوص ناسفة..
وأستولى على خاتم سليمان
وبريد الهدهد الليلي..
قبل نومه البدهي
يترك حبال المخيلة مدلاة على كتفيه..
ليساعد سكان روحه المنكسرين
على الهروب من حرائق اللاوعي..
ليفرغوا كيس التأويل في مكان آمن .

****

حكاية الرأس المقطوعة

الجبل مكتظة شرايينه المتشعبة بالقتلة السريين. الشمس تتدلى مثل ثدي ملطخ بالدم والمساء ينظف ريشه على حافة الأرض.
رائحة الجريمة تنبعث من كل مكان. برزت كوكبة من الشياطين.
مسلحة بالفؤوس والأسلحة الخفيفة. تقدم ذئب ملتح يتطاير شرر الكراهية والسخيمة من عينيه الضيقتين
وبحركة بهلوانية خاطفة قطع رأس الراعي وأسلمها إلى أخيه واتجهوا إلى مكان غير معلوم حاملين عددا من الشياه الهزيلة كما لو أنهم أنجزوا ملحمة تاريخية مهمة.
تبخروا في أصقاع العتمة الكثيفة مثل قطيع من الذئاب الماكرة المتوحشة في انتظار فريسة أخرى .
الجثة تحولت إلى طائر ليلي لا يني يغرد بإيقاع شجي . تبدو أشجار الصنوبر مثل نساء متسربلات بالأسود يطلقن الزغاريد المبحوحة المتقطعة مرفودات بسر جواني غامض محتفيات بهذا الطائر الذي تتساقط شآبيب الضوء من قوادمه.
الجبل يمشي على عكاز من الخشب الأحمر محدودبا بينما ساقاه المعقوفتان ملطختان بدم الراعي.
حمل رأس أخيه بيدين متعثرتين
قاصدا بيته الذي يخفي بين حيطانه المتهالكة عجوزا شبه كفيفة تسامر أشباحا تتدافع في حجرتها المنذورة للسقوط.
– سأكون شهريارك الوفي الذي لا يمل من سرد القصص الغريبة لئلا يطال القلق قلعتك الخفية .
– حاول أن تضع عيني مثل لوحة تشكيلية على حائط غرفتك لأظل مستيقظا طوال الليل.أعدك لن أدع بنات آوى تقتحم غرفتك الصغيرة.
– لن أدفن رأسك إطلاقا.
– سأغسلك بدموع أمنا القديسة التي فرت عصافير عمودها الفقري من الجهد اليومي المكرور . سأحنطه وأطرد كل معز أو قبار يرتاد بيتنا. لن تذهب إلى المقبرة إطلاقا. سأخبئك في خزانتي نهارا وأخرجك ليلا لأحيطك علما بكل قاذورات هذا الوطن المليء بالمسوخ والزعانف والقتلة واللصوص.
– شكرا أخي الجميل.
كان الأخ الأصغر يلتفت يمنة ويسرة راشقا بصره في تقاطيع هذا الرأس المفصولة مشفقا من ملاحقة الذئاب القروسطية.
إصطدم بحجارة ناتئة سقط الرأس من بين يديه منزلقا نحو أسفل الوادي كما لو أنه مسكون بطاقة ميتافيزيقة ضاغطة.
أمسكه بعد لأي.
أطلق زخات من الدموع العميقة.
حمل رأس أخيه الممهورة بكدمات زرقاء.
قطع مسافة طويلة كما لو أنه متجه إلى يوم الآخرة على قدمين من الجبس.
فتح الباب على مصراعيه وصاح بملء روحه الممزقة.
أماه أسرعي لقد قطعوا رأس أخي.
نظرت بعينين شبه مغمضتين.
وانفجرت مثل نيزك إبني إبني.
زربت غمامة دموع من عيني هذا الرأس المقطوعة .
مزقت الأم ريش روحها المهوش. – – من فعل بإبني هذا؟
– ذئاب القرون الوسطى.
نظرت إلى الأعلى كما لو أنها تبحث عن جثة إبنها التي تحولت إلى طائر ليلي لا يني يغرد طل الليل فوق شجر الصفصاف .
أخذ الأخ رأس أخيه ووضعه في ثلاجة صغيرة متداعية.
إختفت الأم داخل غيمة كثيفة من الحداد الأبدي.
– سنقتص منك أيتها الذئاب القذرة .
ستبتلعك الأنفاق المعتمة.
ثم تهالك على نفسه لم يطق صبرا على فراق أخيه. فتح الثلاجة وعلى غرة سقط الرأس أرضا ثم إندفع مثل كرة من النار باتجاه الجبل باحثا عن جثته التي تصله بها ألفة أثيرة وحميمة جدا.

**

من دفاتر بهلول

أقتفي أثر الجنائز
حافيا ..
بلحية متهدلة..
أعدو وراء عربة الأموات
ساقاي غيمتان..
ودموعي عصافير
تحلق في الهواء..
صافقا باب ظلي ببطء..
ذارفا ذكريات عميقة
صائحا مثل أرملة :
إنتهى كل شيء..
لا ظل يصغي لنغمة القدمين
لا كلمات تحرك حجر المعنى..
لا عمق للضوء..
لا باب للروح ولا مصابيح..
لا معنى للمعنى ولا ضفاف
لجرحنا الأبدي..
هكذا نسقط في النسيان
نسقط في مهمه الصقيع..
تنطفئ جذور الهيولى..
في ذروات الصمت..
أبكي مثل هدهد
شرده مأزق فلسفي..
هكذا تطبخنا العتمة
على أثافي الفقد ..
هكذا يأكل التراب سنخه
بملعقة الغبار..
هكذا تخبو نواقيسنا
تحت قصف الغياب..
نوغل في جسد الأرض..
مستسلمين لإيقاع الفناء .

مقالات من نفس القسم