1917: انتصار التقنية

فيلم 1917
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد العبادي

بعد عشرين عاما من فوز “الجمال الأمريكي” بجائزة أحسن فيلم يعود مخرجه “سام منديز” ليتصدر سباق الفوز بأوسكار أحسن فيلم عبر “1917”، الفيلم الحربي الذي تدور أحداثه في زمن الحرب العالمية الأولى.. لكن تظهر المفارقة أن المخرج الذي اتكأ في “الجمال الأمريكي” على قوة السيناريو ليصل للتمثال الذهبي يتكئ هذه المرة على تقنيات الصورة قبل أي شيء.

1917 يمثل انتصار للتقنية والاحترافية في تكوين الصورة.. ربما لهذا جاء الاختيار الصعب بتنفيذ الفيلم بتقنية “اللقطة الواحدة”.

استخدام اللقطة الواحدة هو من أصعب التقنيات وأندرها في السينما العالمية.. أن يتم  تنفيذ الفيلم بشكل يوحي أنه عبارة عن لقطة واحدة ممتدة من البداية إلى النهاية دون استخدام أي قطع.. عدد محدود جدا من الأفلام تم تنفيذه بهذه التقنية.. الأبرز من بينها هو فيلم هتشكوك الرائد “حبل”. 1948، وفيلم إنياريتو الحاصل على الأوسكار “الرجل الطائر”.2014.

نجاح 1917 كفيلم لقطة واحدة يحسب لمخرجه بالطبع، لكن يحسب أولا لمدير التصوير روجر ديكنز.. استغل المصور المخضرم خبرته الطويلة لتنفيذ المهمة الأصعب التي ألقيت على كتفيه: إظهار الفيلم بشكل متماسك عبر حركة الكاميرا والممثلين دون الاعتماد على مقص المونتاج على الإطلاق.. هنا تكون الوسيلة الوحيدة للتحكم في إيقاع الفيلم هي عبر الإيقاع “الداخلي” للصورة.. أي عبر الحركة الداخلية للممثلين وحركة الكاميرا النشطة التي تغير حجم اللقطة وبؤرة الحدث باستمرار.. وهي المهمة التي نجح فيها “ديكنز” إلى حد بعيد.. كذلك نجح في التعامل مع الصورة بين كل متغيرات الليل والنهار والتحديات التقنية لتصوير الحرائق وطلقات الاستغاثة.

كذلك مهمة مونتير الفيلم “لي سميث” لم تكن سهلة كما قد نظن.. فالفيلم ليس لقطة واحدة ممتدة كما يبدو بل هو يتكون من عشرات اللقطات التي يتراوح طولها بين 39 ثانية وحتى ثمان دقائق ونصف، ومهمة المونتير هنا هي الوصل بين كل تلك اللقطات بحيث تظهر متصلة بلا أي قطع على الإطلاق.

رغم التسليم بتميز النتيجة النهائية لأداء صناع الصورة “منديز، ديكنز وسميث” ونجاحهم في التغلب على العقبات التقنية الثقيلة التي واجهتهم في الفيلم، إلا أن هذا التميز لم يكن كاملا.. فعانى الفيلم في بعض مناطقه من مشاكل في الإيقاع.. خصوصا في أجزاء الخنادق حيث تتهادى الكاميرا بخطوات رتيبة مليئة بالملل خلف الشخصيات إلى أن يصلوا إلى هدفهم.. كذلك كانت بعض القطعات الخفية التي استخدمها المونتير مكشوفه وساذجة.

لكن في مقابل هذا “التميز التقني” في مكونات الفيلم نجد ضعفا واضحا على مستويات أخرى.. أبرزها مستوى السرد.. رغم ترشح الفيلم لأوسكار أحسن سيناريو أصلي إلا أن هذا السيناريو لم يأت بجديد.. فمحتوى السيناريو يبدو كاقتباس من العديد من سيناريوهات الأفلام الحربية السابقة.. فكم من فيلم حربي دار في فلك هذه الثيمات المعتادة عن المهمة التي يقوم بها عدد محدود من الجنود، والرسالة التي تغير مصير معركة؟، كم من فيلم حدثنا عن العلاقة بين الجنود والإخوة خلال الحرب؟.. ولم يسرد السيناريو هذه الأفكار المكررة بشكل مميز.. بل جاءت الأحداث سطحية والشخصيات فقيرة بدوافع مصطنعة وبلا عمق حقيقي.

انعكست هذه التوليفة من تميز الشكل وضعف المضمون على أداء الممثلين الذي جاء تقليديا خالي من الطموح، ربما إلا أداء ضيفي الشرف: كولين فيرث و بيندكت كامبرباتش.

بخبرة أكثر من عشرين عاما من الإخراج وبقلب مفعم بالحيوية وحب التجريب راهن سام منديز على قدراته التقنية فاستطاع أن يصنع فيلما مميزا مصبوغا بحب الحرية وإدانة الحرب.

مقالات من نفس القسم