يسري عبدالله: السلطة الثقافيّة شاخت في موقعها

57.jpg
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

حاوره:  محمد الصادق

يمارس العملية النقدية بوصفها عملاً إبداعياً قائماً بحد ذاته، فيقدّم رؤية شاملة تحتوي على العمل الإبداعي ورؤية القارئ والواقع المعاش... ناقد مشاكس دؤوب على متابعة الإصدارات، خصوصاً تلك التي تندرج تحت مسمى «الكتابة الجديدة»، فيقلّب في تربتها الإبداعية مسلطاً الضوء على أصحابها... عن الواقع الأدبي والأزمة النقدية والكتابة الجديدة التقت «الجريدة» الناقد د. يسري عبد الله في الحوار التالي

حاوره:  محمد الصادق

يمارس العملية النقدية بوصفها عملاً إبداعياً قائماً بحد ذاته، فيقدّم رؤية شاملة تحتوي على العمل الإبداعي ورؤية القارئ والواقع المعاش… ناقد مشاكس دؤوب على متابعة الإصدارات، خصوصاً تلك التي تندرج تحت مسمى «الكتابة الجديدة»، فيقلّب في تربتها الإبداعية مسلطاً الضوء على أصحابها… عن الواقع الأدبي والأزمة النقدية والكتابة الجديدة التقت «الجريدة» الناقد د. يسري عبد الله في الحوار التالي

   ·        هل تعتبر أن ما يشهده الواقع فاق خيال الأدباء؟

    ·   إذا كنت تشير إلى ما شهدته غزة من حرب عدوانية، فدعني أقول إن الواقع الراهن يحتاج إلى رؤية جديدة. على المثقّف اليوم الانغماس في واقعه وهموم مجتمعه، والخروج من برجه العاجي، وتفعيل طاقاته المتاحة والممكنة كافة لتشكيل حالة من الوعي نستطيع من خلالها مجابهة العدو. ليس من الضرورة أن يظهر فعل المقاومة عبر الكتابة الأدبية، بل من خلال قدرة المثقف والكاتب على وضع القارئ على حافة الفعل وإدراك اللحظة الراهنة. على الأدب الآن تحرير الوعي الإنساني، وبذلك نوقف الزيف والفساد سواء في الداخل أو في الخارج.

    ·        هل يكرّس اختلاف التجارب الأدبية انقسام المثقفين؟

    ·   الثقافة فعل اختلاف وتنوّع، ولا يمكننا التعامل معها بوصفها أحادية الجانب. وأنماط الكتابة المختلفة، الواقعية والتجريبية والرومانتيكية، تيارات واتجاهات مطلوبة لتحقيق فعل الكتابة. مشكلتنا أننا نتعامل دائماً مع تنوّع الاتجاهات وتعددها على اعتبار أنها تتصارع، بعيداً عن الجدل الخلاّق. فيما علينا النظر إلى حالة التنوّع كإبراز لحيوية الثقافة، وهنا أتكلّم عن حيوية الاختلاف التي تصنع الخصوبة، وتدلّ على أن الساحة الإبداعية لم تنضب. لكن المشكلة كما ذكرت أننا نأخذ هذا الأمر على أنه صراع أو تناحر بين تيارات أدبية، أو حتى ما بين أجيال أدبية، حتى أن بعض الكتّاب الجدد يحاول نفي الكتّاب الكبار، فيما يحاول بعض الكبار مصادرة الشباب والتحدّث بصيغة أبوية عنهم.

    ·        لماذا يؤكد البعض دائماً مقولة زمن الرواية، هل هي دوافع شخصية؟

    ·   لا شك في أن الرواية تعيش أخيراً حالة من التألق والازدهار الحقيقي، لكن يجب ألا يعني هذا إقصاء الفنون الأدبية الأخرى، وتجاهل منجزها الجمالي، وهذا ما حدث للأسف. نحن أمام مقولة تعميمية تطرح صيغة تراتبية بين الفنون الأدبية المختلفة، على رغم أن لكل جنس أدبي سماته الجمالية المميزة. والواقع الثقافي الصحيح يراجع المقولات والمسلمات، فإذا كان المثقف يسلّم بكل شيء بلا مراجعة فما بالك بالقارئ. المشكلة أن الذهنية العربية تأخذ الأمور دائماً بصيغة «هذا أو ذاك»، أي نفي الآخر، على رغم حالات التجاور والتنوّع.

    ·        كيف تؤثر هذه المشكلة على الواقع الثقافي؟

    ·   تنذر فكرة «هذا أو ذاك» بكارثة ثقافية، تؤكد أننا نتعامل مع الأمور بشكل لامنهجي، لا يحمل حتى قدراً ضئيلاً من الموضوعية. في هذا السياق أتذكر واقعة بالغة الأثر في الواقع الثقافي المصري، وقد كتبت عنها شخصياً: في العام الماضي حجبت جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة في مصر، آنذاك تساءلت كيف لم تجد اللجنة التي تمنح الجائزة كاتباً يستحق الجائزة في البلد الذي أنجب يوسف إدريس وغيره؟ نحن إذن أمام سلطة ثقافية شاخت في موقعها، باطشة مستبدة بقرارها، وغير متابعة للمشهد الإبداعي. فكيف نعلن أن مصر خلت من القصة القصيرة، أعتقد أنها مسألة عبثية تعني عدم متابعة المشهد القصصي، وغياب المعرفة الدقيقة بتفاصيله. نحن أمام بشر يعتبرون أنهم مثقفون، فيما تجدهم يجلسون في غرف مكيّفة ولا يتابعون المشهد الإبداعي والثقافي، وهذا ما يعبّر عن سلطة ثقافية شاخت في مواقعها وتكلّست، حتى أن الجوائز يمنحها مبدعون كبار في السن توقفت مشاريعهم الإبداعية منذ 20 أو 30 عاماً، أو موظفون معينون، أو أكاديميون متكلّسون داخل الجامعة. وأشير هنا إلى الاعتقاد الخاطئ بأن كل من يعلّم في الجامعة يصلح أن يكون ناقداً. النقد يحتاج إلى حساسية خاصة وإلى ذائقة، تماماً كما يحتاج إلى المنهجية والموضوعية بالإضافة إلى التمكّن العلمي.

    ·        من خلال مشاركاتك الدؤوبة في الفاعليات الثقافية، ألا ترى أن واقع الأدباء يكرّس أيضاً الفساد والزيف؟

    ·   لا تنحصر المشكلة في طرف دون الآخر… للأسف، يتبنى الواقع الثقافي إطاراً لا يتوخى إعادة الاعتبار للكتابة كفعل جمالي. والشللية تجدها في المؤسسة الثقافية وفي خارجها. في هذا الإطار، علينا أن نحيي المبادرات الفردية لا أن نحاربها، لأنه على المثقف التمتّع باستقلالية حقيقية ومطلقة، والنئي بنفسه عن المصالح والأهواء والنوازع الشخصية، وممارسة دوره بمزيد من الجسارة والوعي. وتبقى شخصنة الأمور والبعد عن الموضوعية أبرز عيوب المشهد الثقافي.

    ·        ماذا عن الناقد؟

    ·   موقع الناقد يتيح له رؤية المشاهد ورصدها باستقلالية، فهو غير متورّط في الكتابة ولا ينتظر جائزة مثلاً، ولا يحمل هواجس المبدع في مصالحة هذا الكاتب ومجاملة ذاك. ومن واقع ممارستي النقدية، أدنت السلطة الثقافية وأدنت من حجب جائزة القصة القصيرة من دون أن أضع في حساباتي أي شيء، أو أي أحد… فمجابهة النصوص الضعيفة تكون بتقديم النماذج الحقيقية في الكتابة، وعلى الناقد الحقيقي الانتصار لجماليات الكتابة، من دون النظر إلى الحاجات والأهواء والمصالح الشخصية.

    ·        كيف تعرّف النقد؟

    ·   الناقد ليس مجرد ناقل أو شارح للنص، فالكارثة أن كثيرين ممن يشتغلون بالنقد لا يفهمون أساساً ماهيته… النقد ليس وسيطاً بين الإبداع والتلقي، وليس مجرد جسر يصل بين القارئ والكتاب، بل هو إبداع مواز للنص الأدبي، ومحاولة منهجية لاستجلاء جمالياته.  كذلك على الناقد أن يكون قاضياً نزيهاً ومحايداً، لا يروّج لنص تافه أو ضعيف. وهكذا إذا تعامل النقاد مع الكتابة كقضاة، يتمتعون بموضوعية القاضي وحياديته، فلا تحركهم الأهواء الشخصية بل جماليات النص الذي يتعاملون معه، لأصبحنا أمام حياة ثقافية حقيقية… النقد عنصر مركزي في الحياة الثقافية والإبداعية، فالناقد مفكر وليس شخصاً يكتب عن نص أدبي أو يتحدث في ندوة ويصنع كتاباً في النقد.

    ·        ماذا عن حال النقد التي يُرثى لها؟

    ·   النهوض بالنقد يستلزم وعي الناقد بالنظرية النقدية، وباللحظة الكونية الفارقة التي نعيشها، وبضرورة استنهاض المؤسسة الأكاديمية واستعادة دورها العلمي الحقيقي… وتطوّر النقد يرتبط بإعلاء شأن المؤسسات النقدية والبحثية، وشيوع مناخ من الحرية، ووعي الناقد بالمشهد الإبداعي وفهمه لماهية النقد.

    ·   بوصفك أبرز النقاد المتابعين لأنشطة الجيل الجديد وأعماله، ماذا عن الكتابة الجديدة وما هي أبرز ملامحها؟

    ·   تمثّل الكتابة الجديدة مشروعاً سردياً خلاقاً، يحتفي بالتعدد ويتسم بانفتاح النص على أفق مغاير، تتنوع فيه مناحي الكتابة وطرائقها المختلفة. وقد كتبت دراسة في هذا السياق بعنوان «الكتابة الجديدة: الخطاب السردي ورؤية العالم»، تحاول أن تؤسس لملامح الكتابة الجديدة على مستويي الرؤية والتقنية، فنحن أمام تعاطٍ مغاير مع اللغة في النص الأدبي، ومع الهامش بشكل يتجاوز الكتابات السابقة، حتى أننا أصبحنا أمام ما أسميته «هامش ما بعد القاع» والذي يتجلى في روايتي «فاصل للدهشة» لمحمد الفخراني و{كيرياليسون» لهاني عبد المريد. كذلك دخل إلى المشهد الثقافي ما يسمى بأنسنة الأشياء الصغيرة، وهي ظاهرة تبدو واضحة في روايتي «فانيليا» للطاهر شرقاوي، و{سحر أسود» لحمدي الجزار، بالإضافة إلى تحوّل واضح وصريح في نصوص بعض الكتّاب الجديدة، وأشير في هذا السياق إلى روايات «بمناسبة الحياة» لياسر عبد الحافظ، و{مواقيت التعري» لهدرا جرجس، و{هدوء القتلة» لطارق إمام، و{وقوف متكرر» لمحمد صلاح العزب.

    ·   على مستوى القصة القصيرة، ثمة نصوص بالغة الثراء لكتّاب موهوبين أمثال شريف عبد المجيد في «خدمات ما بعد البيع»، وعلاء أبو زيد في «الحافة»، وهيثم خيري في «رابعهم كلبهم»

    ·        ثمة مصادرات كثيرة للأعمال الإبداعية، كيف تنظر إلى هذه الظاهرة؟

    ·   الحرية شرط الكتابة المركزي، أما المصادرة فترجع بنا إلى عصور محاكم التفتيش، وستؤدي بالثقافة إلى الخراب. لذا على المثقف مجابهة أشكال القمع كافة، سواء منع الكتب، أو حبس المعارضين من الكتّاب. لدينا وقائع مخجلة في هذا السياق كحبس الكاتبين رامي المنشاوي صاحب رواية «تمارة»، ومسعد أبو فجر صاحب رواية طلعة بدن

مقالات من نفس القسم