يسألونك عن الرهافة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 13
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هاني عبد المريد

الطاهر شرقاوى، صديقى الجنوبى، الذى ربما لم يرث من الجنوب سوى الشجن الشفيف، الذى مزج مع هدء طاهر واستغناءه، ليخرج لنا التجسيد البشرى لمعنى الرهافة، لعلها الكلمة السر فى عالم طاهر الحقيقى، الذى لا ينفصل اطلاقا عن عالمه الإبداعى، هذى الرهافة التى تتبدى حتى فى عناوين أعماله، “البنت التى تمشت شعرها”، “حضن المسك”، “صوت الكمان”، “فانيليا”، “عجائز قاعدون على الدكك”، “عن الذى يربى حجرا فى بيته”..

ربما أقسى ما يمكن أن يقابلك هو رائحة الفانيليا، غير ذلك فأنت مع طاهر فى أمان تام، لن يجرح أذنك بكلمة فجه، ولن تضبطه ولو لمرة واحدة يرمى بنظرة شرهة، هى الرهافة التى جعلت منه هذا الإنسان الذى وصفته جدتى بالخفة، خطواته خفيفة على الأرض، روحه خفيفة، هذه الخفة التى جعلته يقول فى عن الذى يربى حجرا ..”فى تلك اللحظة تملكنى يقين أننى قاب قوسين أو أدنى من أن جسدى سيفعلها، ويتحرك عاليا نحو السقف”، هذه الرهافة التى لن يتناسب معها أن يقدم على الفعل، بل سيصدر منه دوما “رد فعل”، حتى عندما أخذ بالحجر لبيته، لم يأخذ الفعل إلا بعدما سمعها “بس.. أنت”، هكذا ناداه الحجر، فعلها/أقدم، ولم يفعلها طاهر/الراوى..

فى “عن الذى يربى حجرا فى بيته” يبدو جليا الاحتفاء بالوحدة، وتمجيد السكون، الذى خدشه فى بداية الرواية رنين التليفون، حتى أثناء المكالمة يصف نفسه “كمونى أثناء المكالمة”، هكذا يكرس طوال الوقت للصمت والسكون والوحدة، ويكتفى للشعور بالدفء لكلمة يقولها لنفسه فيواسيها ويطبطب عليها كما ذكر، بل أنه كثير ما لجأ لحبة العرق التى تسرى على جسده، للاتناس “أحسست بحبة عرق تنزلق من تحت ثديى، فى المنتصف تماما.. كانت تحك فى جلدى وهى تنحدر، فيقشعر جسدى، فكرت أن أمسحها بقميصى، لكنى لم أحرك يدى”، وفى موضع أخر يقول “نبتت حبة عرق أخرى تابعت مسيرة سابقتها، كانت لطيفة وهى تنحدر على جلدى، تاركة خلفها شعورا محببا بالدغدغة”، هذه المشاعر وهذه الوحدة التى يؤنسها حبة عرق هى الرهافة التى تجعله يقف على نفس المسافة من الجميع، فالكل مجرد “س” لا أكثر ولا أقل، وكأنه يخشى التورط فى علاقة أعمق كما حدث مع “سيرين” صاحبة الاسم الوحيد بالرواية، والتى لم تقدم له ولم يقدم لها –فى الواقع الملموس- شيئا أكثر من باقى “السينات” الأخرى.

هى إذن الرهافة التى تجعلها حتى فى لحظات الاقتناص، سيقتنص صور فى مخيلته، مجرد صور، لوجه بنت حلوة تشرب شاى العصارى فى البلكونه، أو عجوز يقعد على كرسيه يقرأ صحفا قديمة، أو بائع خضار يعشق محادثة ربات البيوت بكلام حلو.

الرهافة إذن التى تجعلة يشعر بآلام “الحجر”، وبمشاعر الكرسى القابع وحيدا فى الحديقة فيشعر بقرب أجله كمقعد عجوز، وأحيانا أخرى يلمحه وهو يغتسل بضؤ القمر، هى الرهافة التى تجعلة يشعر ويتعايش مع أخوته من الجان، يتسلى بلعبهم معه، بل ويكتب لهم عندما يغيبوا ” افتقدكم.. عودوا”، هى الرهافة التى تجعلة بشكل حقيقى يكتفى من هذا العالم بسرير يدعوه مقبرة، ويعلنها بكل فخر

” مقبرتى هى عالمى”

هى نفس الرهافة التى تنتقل لنا وتملأ أرواحنا بهجة، وتجعلنا نشبع ونكتفى تماما لمجرد قراءة عمل للطاهر شرقاوى.

 

عودة إلى الملف

 

 

 

مقالات من نفس القسم