وودي آلان.. عودة السينمائي الذي بالكاد يغيب

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
محمد رُضا نعم، وودي ألن في فيلمه الجديد «ياسمين أزرق» (الذي بوشر بعروضه الأميركية في الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) وينطلق في الأسبوع المقبل في كل مكان) يعود إلى الحكاية المفضلة: الشخصية التي تكتشف بعد مرور سنين طويلة أنها لا تحب شريك حياتها كما كانت تعتقد أو أنها كانت تحبه من قبل ولكن لكل شيء نهاية، فإذا بها تتحول إلى حب جديد حالما تجد الفرصة. الشخصية هذه المرة متمثلة بالزوج (أليك بولدوين)، لكن علاقته العاطفية الجانبية تبقى سرا إلى أن تكتشفها الزوجة (كيت بلانشيت). رد فعلها يحتل حيزا كبيرا من الحكاية هنا، فالزوج فر منها إلى سان فرانسيسكو وكل ما بقي لديها، بعد الإحساس بالألم والإحباط، هو الشعور بأن الحياة يجب أن لا تنتهي عند هذا الحد. هناك أمل مستمر.

إنه الفيلم الخامس والأربعون منذ أن تقدم ذلك الشاب النحيف المتأثر بالكوميديا الصامتة ليقف وراء الكاميرا لأول مرة سنة 1966 ليحقق «ما الجديد، تايغر ليلي»، أحد أسوأ أفلام الفترة. الفارق النوعي بين هذا الفيلم والفيلم الثاني له، «خذ المال واهرب» (1969) كبير. آنذاك، كان منوال المخرج تقديم أعمال كوميدية مباشرة مع أفكار نيرة تجمع بينها شخصية رجل يبحث عن هوية في عالم غير ثابت ويفشل. هو اللص الذي لا حنكة له في «خذ المال واهرب». والمتهم بأنه ثوري لاتيني مرة وأميركي قبيح مرة أخرى في «موز» (1971) والمنتقل من عالم اليوم إلى عالم مستقبلي غريب عنه في «سليبر» (1973). قمة هذا البحث عن هوية، دينية وفكرية، تبدت في «زيليغ» (1983) الذي ينتقل خلاله من شخصية اليهودي إلى شخصية المسيحي ليكتشف في النهاية أنه ملحد. وحتى حين لم يخرج أحد أشهر أفلامه في تلك الحقبة، وهو «الواجهة» The Front (بل قام بذلك الراحل مارتن رت سنة 1976) كان عليه أن يلعب دور كاتب فاشل عليه أن يمثل شخصية كتاب سيناريو ناجحين ليوقع عنهم أعمالهم ويبيعها إلى هوليوود تحت كنف الفترة المكارثية.

سنة 1977 انتقل ألن من حقبة الأفلام الكوميدية السريعة والمباشرة وذات الأفكار ذات السمة الفانتازية إلى مرحلة جديدة قوامها دراميات شخصية معالجة دراميا في أحيان وكوميديا في أحيان أخرى. كان تعرف وأحب الممثلة المنطلقة دايان كيتون خلال تصوير فيلم لم يخرجه بعنوان «اعزفها ثانية يا سام» (هربرت روس – 1972) وبعد عام طلب منها أن تمثل أمامه في «سليبر». لكن فيلمهما الثالث معا، «آني هول» (1977) هو الذي منح كل منهما الحضور الصحيح لثنائي عاطفي مثير للاهتمام، كما هو الفيلم الرصين الأول (كوميديا) من بين أفلامه كمخرج.

بحثا عن الشريك المناسب! «آني هول» بالإضافة لما سبق من مواصفات، هو فيلمه الأول الذي على أسسه انطلق وودي ألن ليكتب ويخرج معظم أعماله اللاحقة: العلاقة العاطفية التي ظن طرفيها أنها متينة والتي تهتز عندما يدركان أن أحدهما يبحث عن ملاذ عاطفي جديد. في القرار هو ذلك البحث الدفين في داخل وودي ألن عن الهوية، مع اختلاف أن هذه الهوية باتت الآن عاطفية. هو يحب المرأة التي يتعرف عليها (أو التي كان يعرف قبل بدء الفيلم)، ثم أحدهما يقع في حب طرف ثالث، فيسعى الآخر للبحث عن علاقة جديدة مع طرف رابع، غير مدرك أن هناك شخصية خامسة تكن له إعجابا كبيرا. هذه الخيوط ليست حبكة «آني هول» (الذي يدور حول الثنائي الذي وصل، باكرا في الفيلم، إلى نهاية علاقته فانطلق يبحث عن علاقات جديدة) وحده، بل حبكة الكثير من أفلامه الأخرى، بما فيها أعماله الأخيرة مثل «ماتش بوينت» (2005) و«فيكي كريستينا برشلونة» (2008) و«سوف تلتقين بغريب داكن» (2010) و«منتصف الليل في باريس».

قلق وودي ألن الوجودي من الحب والحياة معبر عنه بكثافة في «دواخل» (1978) الذي عمد فيه، وفي «سبتمبر» (1987) إلى معالجة رغمانية شبه كاملة. كما في أفلام أخف ثقلا مثل «مانهاتن» (1979) و«هانا وشقيقاتها» (1986) و«امرأة أخرى» (1988) كما «جرائم وجنح» (1986) والكثير من أعماله الأخرى.

والفترة التي مثل فيها ذاته عاكسا كل ما يجول في نفسه من أفكار وسلوكيات أمام دايان كيتون، والتي شملت خمسة أفلام، انتهت عمليا مع فيلم «مانهاتن»، ولو أنها عادت سنة 1993 بفيلم «غموض جريمة مانهاتن». الفترة التي تلتها، والتي شهدت كذلك ذات الانعكاس لما يجول في نفسه وباله، تولتها ممثلة رقيقة الحاشية اسمها ميا فارو لاعبة أمام ألن في ستة أفلام أولها «ستاردست ماموريز» (1980) وآخرها «هانا وشقيقاتها» (1986).

لكن سواء أكان الفيلم من بطولة دايان كيتون أو ميا فارو أو أي من الممثلات اللواتي ظهرن في بطولات أعماله لاحقا فإن أرضية هذه الشخصيات لم تتغير. نساء وودي ألن قويات حتى حينما يكن رقيقات ورومانسيات. تتدرج هذه القوة تبعا للتفاعل العاطفي الذي يشغل القلب حيال الأزمة التي تم بها. ما لا يتغير أيضا هو الدور الذي يؤديه وودي ألن من فيلم لآخر: المحب الذي قد ينقل فؤاده ما شاء من الهوى. تستطيع دائما أن تتخيله وهو يتحدث برذاذ من الكلام والكثير من إشارات الأيدي وقدر من التأتأة متسائلا عن أبسط الأمور. إنه رجل قلق، يخشى على نفسه من نفسه ومن سواه. وحتى المرة الوحيدة التي وجدناه فيها بعيدا تماما عن هذه الصورة، وكانت في فيلم نال تقديرا أقل مما كان يستحق وهو «ظلال وضباب» (1991) نجده متهما بريئا (كما كانت حال أعماله الأولى) تعيد إلى الذاكرة بحثه الأساسي حول هويته الوطنية أو الدينية.

عندما توقف أساسا عن التمثيل مبررا ذلك بأنه لم يعد يصلح ليقبل الفتاة، حدث أمران موازيان: بدأت مرحلة تعدد الممثلات اللواتي يلعبن في أفلامه من دون تكرار وجه دائم كما كان الحال سابقا، وانعكاس شخصية ألن القلقة وتصرفاته ومسالكه على الشخصيات الرجالية التي يؤديها ممثلون آخرون. هو في جون كوزاك في «رصاص فوق برودواي» (1994) وغريغ ماتولدا في «نجوم مجتمع» Celebrity عام 1998، وأوان مكروغر في «حلم كاساندرا» (2007) كما في أوون ولسون في «منتصف الليل في باريس» (2011) وأليك بولدوين في فيلمه الجديد «ياسمين أزرق».

وودي ألن (77 سنة) سينمائي فذ ولو أنه يكرر نفسه وحبه للمرأة ذات الوجوه المتعددة يذكر بحب فدريكو فيلليني وانغمار رغمن وأبطاله للمرأة رغم أن لكل واحد من الثلاثة منهجه وطريقته في تفسير وتشخيص ذلك الحب.

 

الكوميدي اللاذع

* بعض حوارات ألن لا تنسى وتعكس قيمة الكوميدي الذي فيه.. التالي بعضها:

«عندما خطفت، بادر والداي إلى العمل فورا: أجروا غرفتي».

«ذات مرة دهستني سيارة كان رجلان يقومان بدفعها من الخلف».

«في البيت أنا الزعيم، أما زوجتي فهي تأخذ القرارات».

لشقيقته: «لو اعتنق والدانا المسيحية قبل نصف ساعة من ولادتك لما نشأت يهودية».

مقالات من نفس القسم