ولاد العم .. سياسة مباشرة أفسدها الأكشن

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
    في البداية نقول أن مجرد التفكير في صناعه فيلم تدور احداثه بالكامل في تل ابيب هو تحدى كبير بالنسبة لاي صانع سينما مصري أو عربي..نتيجة كل الظروف السياسية والتاريخية المعروفة للجميع..وحتى مع وجود معاهدة سلام أو دعاوى تطبيع أو ترحيب الجانب الأسرائيلي..صحيح أن النوايا الحسنة لا تصنع افلاما جيدة وأن خوض التحدى ليس معناه أن الفيلم مكتمل فنيا..إلا ان الأقدام على تحقيق تجربة ايهامية بهذا الشكل الذي اقترب كثيرا من النضج هو نقطة تحسب على كل الاحوال إلى صناع التجربة. الفيلم يحمل مضمونا سياسيا مباشرا عن العلاقة بين مصر أو دعونا نقول العرب وبين اسرائيل او بالتحديد الشخصية الإسرائيلية..صحيح أن السيناريو لا يكتشف مناطق جديدة في هذه العلاقة..لكنه في نفس الوقت لا يخلو من حالة درامية تخوض في مناطق طازجة حاولت أن تخوض فيها بشكل أقل درامية و اكثر مباشرة افلاما مصرية اخرى مثل فتاة من اسرائيل. في صبيحة يوم شم النسيم تخرج العائلة المصرية الصغيرة المكونة من اب وام وطفلين إلى البحر في بورسعيد وبعد دقائق معدودة يتحول واقع هذه الاسرة التقليدية السعيدة إلى كابوس مروع على الام حيث تكتشف ان زوجها رجل مخابرات اسرائيلي اسمه دانيال وليس عزت وأنه اخطفها هي واولاده منها ليعود بهم إلى اسرائيل معه..وفي مصر تكتشف المخابرات المصرية هروب هذا العميل ومعه اسرته فترسل خلفه ضابط مخابرات شاب إلى تل ابيب.. وهناك يتنكر الضابط الشاب في هيئة عامل في الجدار العازل ثم موظف في صيدلية حتى يتمكن من تجنيد زوجة العميل الأسرائيلي ولكنه يكتشف ان المسألة كلها لم تكن سوى محاولة من الضابط الأسرائيلي الأيقاع به واحضاره إلى تل ابيب حتى يتم القبض عليه..وبعد عدة مشاهد اكشن هي اضعف ما في الفيلم دراميا ينتصر الضابط المصري ويعود مع الزوجة المصرية واطفالها إلى مصر.

اجاد السيناريو في رسم الشخصيات بشكل واضح الأبعاد..خاصة شخصية الزوجة التي وقع عليها عبء درامي كبير لكونها الشخصية التي تتصارع بداخلها نوازع الدين والموقف السياسي والاجتماعي من اليهود والأسرائيلين ضد عواطفها تجاه زوجها وابو اولادها..وقد دعم ذلك تاريخ الشخصية الذي ورد في الفيلم..فهي يتيمة ذات مؤهل متوسط وربة منزل تقليدية..لديها كل الأخلاص والانتماء لزوجها ولأسرتها الصغيرة..وأطفالها انفسهم هم نقطة الضعف الرئيسية في شخصيتها وفي موقفها أمام زوجها..سواء على مستوى الموافقة على البقاء في تل ابيب خوفا من ان تفقدهم او على مستوى عدم رغبتها في ان يصيب ابوهم مكروه خوفا على صورتها وصورته أمام اطفالها عندما يكبرون..وقد استوعبت منى زكى الشخصية جيدا وبدا ذلك في نظرة الانشداه وعدم التصديق التي صبغت عينيها منذ اكتشفت حقيقة زوجها ووضعها معه..وبدت ملامحها ولغتها الجسدية كشخص يتحرك داخل كابوس ينتظر اليد التي سوف توقظه منه ولكن تلك اليد لا تهزه ابدا..كما استطاعت التحكم في انفعالاتها فيما يخص موقف الشخصية من الأضرار بزوجها ولم تسقط في كبوة المبالغة..وعادة ما تكون الشخصية ذات الصراع الداخلي هي اخصب شخصيات العمل..لان شخصية الضابط المصري او الإسرائيلي شخصيات ذات موقف واحد ومحدد لا يتغير ولا سبيل لتطوره أونموه ولكن الاحداث هي التي تنمو من حولهم بناء على مواقفهم وقراراتهم..كما يبدو الجهد البحثي المبذول فيما يخص الحياة والمجتمع الأسرائيليين من ناحية والشخصية الأسرائيلية من ناحية أخرى..فرغم المباشرة التي شابت الكثير من مواقف الفيلم إلا أنه نجح في رسم شخصيات يهودية اسرائيلية ذات ملامح تقترب كثيرا من الواقع..كما طعم النص باستغلال لهذه التفاصيل مثل اختيار يوم هروب الضابط الأسرائيلي في شم النسيم وهو الموازي ليوم عيد الفصح اليهودي الذي يحتفل فيه اليهود بخروجهم من مصر..كما اهتم بتعميق عملية اقناع الضابط الإسرائيلي لزوجته بان تبقى معه كزوجه في تل ابيب من خلال مناقشات دينية- اسلامية-وسياسية واجتماعية تعكس المكر الأسرائيلي في التعامل مع الحقائق بمعنيين ومحاولة استغلال المعنى الذي يصب في مصلحتها..إلى جانب الحديث عن فكرة الامر الواقع التي نشأت عليها الدولة الصهيونية ونمت وامتدت..فكل ما يحدث للزوجة من الزوج يصبح امر واقع لا سبيل لتغيره ولكن فقط يجب التعايش معه تماما مثل كل ما يحدث للعرب من قبل الصهاينة..وان كانت اضعف مناطق السيناريو هي مسألة الأطفال فكلاهما يوسف وسارة(ونلاحظ اختيار الأسماء)في سن من الصعب عليهم تقبل ما يحدث سواء المعاملة العنيفة تجاه امهم من قبل ابوهم او انتقالهم إلى بلد اخرى ودون أن يكون هناك اي نوع من الشكوى او التعليق..وبدا الأوقع أن يكونا اصغر سنا بشكل يجعلهم غير واعين لما يحدث وفي نفس الوقت يظل لهم التأثير المطلوب على نفسية وقرارت الأم..كما بدت حكاية زوجة الضابط المصري المقتولة على يد اسرائيلين شديدة الميلودرامية وضد افكار السيناريو نفسه فالمسألة الأمنية والحرب الخفية بين الطرفين أكبر من أي ثأر شخصي.

بصريا انقسم شريف عرفه على نفسه!فعبر اغلب فصول الفيلم استطاع ان يحقق عملية ايهام بصري شديدة الدقة والأقناع فيما يخص التصوير الخارجي والداخلي لشوارع وعمارات واماكن تل ابيب..وهي عملية ايهام تحسب له على كل المستويات إلى جانب تقديمه لجمل بصرية معبرة تخص القضية السياسية التي يطرحها..مثل مشهد المزج ما بين انقاض المدن الفلسطينية المدمرة وابرج تل ابيب الشاهقة وكأنه يقول أن تلك المدينة مبنية على انقاض مدننا العربية في فلسطين..كما أن توظيفه لعناصر الديكور في صياغة تكوينات جمالية ذات دلالة درامية كان ناضجا إلى حد كبير..وقد وظف فكرة الكادر غير الثابت – خاصة في مشاهد التوتر والذروة- بشكل جيد هذه المرة..بعد ان اصابنا بالضيق من هذا الأسلوب في فيلم حليم..ولكن الانقسام الذي نتحدث عنه هو ان هذا المخرج ذو الحساسية الفنية والقدرة الايهامية العالية غاب تماما خلال الفصل الأخير او بالتحديد خلال مشاهد الأكشن وضرب النار..فانقلب الأمر إلى نفس الصيغة التجارية لأفلام العيد..حيث يجب أن يكون هناك مشهدين لسيارات تنفجر ومدافع رشاشة ومسدسات..وحتى لو كانت المسألة انقاذ الضابط المصري من يد الاسرائيلين.. لقد تعامل عرفه مع المسألة على انه كمين للمطاريد ضد قوات الشرطة لاستعادة زعيمهم..حتى ان الضابط المكلف بقيادة العملية عندما يصاب يقول للضابط المصري المحرر(امشي انت..انا الرجاله حيرجعوني)وكأن الرجاله سيعودون به إلى الجبل..لقد غاب المنطق الأيهامي الذي التزمه الفيلم والذي يعلم صناعه ان تل ابيب مدينة محصنة امنيا بالدرجة التي من الصعب ان يتم تنفيذ عملية على هذا النطاق من تبادل اطلاق النار بداخلها..بل أن مسألة تحرير الضابط كانت ستصبح أكثر نضجا لو انها تمت مخابراتيا وليس بقوات الكوماندوز..بل كانت ستتسق مع الجو الدرامي العام للفيلم والقائم على صراع الثعالب

 

ولاد العم

سيناريو : عمرو سمير عاطف

إخراج : شريف عرفه

بطولة : كريم عبد العزيز- منى زكي- شريف منير

إنتاج : هشام عبد الخالق

مدة الفيلم: 120 ق

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* ناقد سينمائي مصري

 

مقالات من نفس القسم