وقت مستقطع.. كان يجب أن أصعد في النهاية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

آية عزت

لم تُدرك جارتنا أن سماعات مُشغل الموسيقى التي أضعها في أُذني هي العائق في سماعي لندائها المستمر عليّ كلما رأتنا، بالله لماذا تنادي عليَّ كلما رأتني؟ لا أدري. هي امرأة كبيرة في السن تعيش مع أبناءها وأحفادها، لماذا إذًا تريد الحديث معي؟ لم أُبدي رغبة في أن أعرف سبب ندائها عندما أخبرتني أنه يجب أن أترك هذه العادة السيئة لأن سمعي مع مرور الأيام سيضعف، بالتأكيد نحيب أهل الهوى المساكين في مُشغل الموسيقى أفضل بكثير من مشاكل جارتنا الهشّة التي ممكن أن تكون محور حديثي معها –والتي لن تخلو من شجاراتها المستمرة مع جارتنا في الطابق الأخير- ابتسمت لها ابتسامتي المعهودة وأبلغها سلامي لبنتها الكبرى وأحفادها، سألتها عن أخر متابعاتها لمعدل السكر في دماءها. على كل حال رغم كل أمراضها الجسدية وطلاقها مرتين هي تعيش حياة شبه هادئة، لكنها لا تريد أن تتركني وشأني في سلام.

يلاحظ الابن الأصغر لجارنا أنني عندما أسير صباحًا تحت الشمس أُراقب ظلّي، تصطدم به عيناي كل يوم فأجده يقف على مدخل العمارة كالأشباح ويحمل الكُرة، مع تكرار هذا الموقف بدأت أشعر بالإحراج، ذات صباح قررت أن أمر بيدي على خصلات شعره وأُداعبه علّه يتناسى أمر ظلّي هذا، لكنه لم يُبد رد فعل سلبي أو إيجابي. جارنا –أبو الفتى- رجل عصبي قاس الملامح، يعمل تقريبًا عشر ساعات في اليوم بخلاف أربع ساعات يقضيها على القهوة يُدخن السجائر وينهزم في الكوتشينة، لعل فرصة الابن ذهبية للشقاوة والإنطلاق في اللعب بحرية، فأبويه دائمًا مشغولان عنه، لكنه على العكس تمامًا، تعبيرات وجهه غامضه – لو أنه فتى مراهق لأعلنت صراحة ارتيابي منه- أغلب الوقت صامت، أو مختفٍ عن الأنظار، أو يراقبني في الصباح وأنا أُراقب ظلّي تحت الشمس.

هو جدهم الأكبر ويسمح لهن باللعب في ساحة المنزل، ألقيت عليهن التحية بطفولية شديدة وأنا أصعد السلالم فضحكن ضحكة أكثر طفولية منّي، كُن يلعبن بأوراق شبيهه بنقود “بنك الحظ”. الفتاة الكبرى تبلغ تقريبًا سبع سنوات، وكانت تُمثْل المدير المالي في اللعبة، أخذت توزع عليهنّ الأموال بالتساوي، كانت خطواتي على السلالم بطيئة، كنت أُراقب كيف تخطط هذه الفتاة وتتدبر أمر النقود -هذا الشيء الذي أثبت فشلي الذريع فيه- واصلت الصعود إلى أن اصطدمت بقطة جارتنا، هذه القطة المجهولة المصدر التي قررت جارتنا تبنيها وإزعاجنا بها، عادت القطة إلى طبق اللبن الذي ترشف منه، كنت أنا الأخرى أشعر بعطش شديد، كانت احتياجاتي أنا والقطة واحده، كما أن احتياجاتي المالية كان من الممكن أن تحلها لي هذه الفتاة لو أنها أعطتني رُزمة واحدة من نقود “بنك الحظ”.

أحضر لي أبي التفاح لآكله، هو يظن أنه بذلك يسترضيني بعد مشاجرة الأمس، لا يدري أن المشاكل كلها تأتي بعد أول قضمة من التفاحة

سأنسى كل ما حدث اليوم وأزعجني وأربكني، أستمع الآن إلى نينا سيمون ( I Put A Spell On You)، هل تعتقد أن هذا سيغير في الأمر شيء يا عزيزي؟

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون