وشهريار ولا هو هنا!

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
أفضل فيلم هذا الموسم بكل المقاييس، وأفضل أعمال يسري نصرالله الأخيرة، ومن أهم الأفلام التي تترك في الحلق غصة بدون ميلودراما فاقعة، بدون بكائيات...استمتعت بمشاهدة "احكي يا شهرزاد" في قاعة عرض صغيرة على النيل، في مول لا أتذكر اسمه (فالقاهرة أصبحت مدينة الألف مول). منذ اللقطات الأولى وأنا أنتظر عودة يسري بعد غياب ولم يخب انتظاري هذه المرة...بعد سرقات صيفية ومرسيدس، لم أنفعل بفيلم ليسري نصرالله كما انفعلت بفيلمه الأخير هذا، رغم تحسبي من السيناريست وحيد حامد، الكاتب الكبير الذي يجيد حساب المكسب والخسارة ويجيد اللعب بالمواقف الدرامية لكن كتابته متوقعة في بعض الأحيان ، ولا تثير الدهشة في أحيان أخرى.  

كلنا ندخل السينما ولدينا توقعات. بعض المشاهدين جاء بصحبة أطفال وخرج من الفيلم بعد بدايته بقليل لأن العلاقات الجنسية مشار إليها بصراحة حتى لو لم يتم تصويرها بصراحة. وبعضهم جاء لمشاهدة منى زكي وخاب ظنه فيها عندما رآها تلعب دور امرأة شهية قوية الشخصية تطرح من خلال شخصيتها كمذيعة أسئلة “صعبة” على المشاهد المتزمت. أنا دخلت الفيلم لأني أحب أن أشاهد أي فيلم ليسري نصرالله فالرهان عليه لا يخيب، حتى لو خبا أحياناً.

واضح أن يسري تعامل مع ورق وحيد حامد بشكل حر، صنع سينما تليق بمخرج محترف، خفف من ثقل الحوار في بعض المواضع ومن فجاجة العلاقات في مواضع أخرى، مستعيناً برؤية شفافة تتعامل مع الشخصيات بتواضع وحب. لا يمكنك مثلاً أن تكره “الصرصار”، الزوج المتسلق الذي يسعى لأن يكون رئيس تحرير على حساب حرية زوجته وعلى حساب كرامته. لعبة مكسب وخسارة يدخلها الزوج ولا يدينها الفيلم حتى عندما ينساق الزوج وراء غضبه ويضرب زوجته المذيعة “ضرب موت” تلمح في أداء الممثل تلك الشعرة الإنسانية التي تنقذه من الحكم الأخلاقي حين يقفز مبتعداً مغادراً المكان، مهزوماً.

تحكي شهرزاد المتخيلة أربع حكايات على مدار الفيلم، ثلاثة منها تخص أخريات، وواحدة هي قصتها الشخصية، زواجها الثاني من هذا الصحفي المتسلق، نجاحها المهني في تقديم برنامج جماهيري قائم على اللقاءات المتنوعة مع ضيوف من أهل السياسة والمال والأعمال، وأيضاً من الناس العاديين. يدفعها زوجها لتقديم حلقات “خفيفة” حتى تساعده على الحصول على المنصب القيادي الذي يحلم به، وعندما توافق وتبدأ في تتبع حكايات النساء الثلاث، تنخرط من جديد في السياق السياسي بالمعنى الواسع لتكشف عن “أوجاع المجتمع” (وهو الشيء الذي يتوقعه أي مشاهد لفيلم من تأليف وحيد حامد)…

هذه المرة تخص الحكايات النساء في علاقتهن بالرجال، حب وزواج وجنس. الحكاية الأولى عن سيدة أضربت عن الزواج تعيش في مستشفى للأمراض النفسية. الفيلم يصور الحوار الذي تجريه معها منى زكي، ويحكي عن طبيعة العلاقة التي جمعتها بأحد المتقدمين لخطبتها وجعلتها تحجم عن إتمام الزواج. مشهد من أجمل مشاهد الفيلم يجمع بين سوسن بدر (الخطيبة) وحسين الإمام (الخطيب) في مطعم.

الخطيب يملي شروطه: لازم تتحجب، تطبخ وتهتم بشئون البيت، تشاركه في سيارتها، تخدم أمه من وقت لآخر، وتتقاسم معه مرتبها على أن يكون هو المسئول عن تحديد بنود الصرف، في مقابل أنه سيكون زوجها، يعني أن يعطي شرعية لعلاقتهما الجنسية. مشهد رائع وشديد السخرية، ينتهي بثورة الخطيبة. السؤال الذي تطرحه هو محور الحدوتة: ما مقابل كل ما تعطيه له كزوجة سوى علاقتهما في الفراش؟ السؤال الذي تنسى الكثيرات طرحه في زحمة الرغبة في “إتمام شرع الله” والذي يطرحه الفيلم بشكل ساخر ويجيب عنه الجمهور بالضحك.

الحكاية الثانية، حكاية الأخوات الثلاث والخادم. بعد موت والدهن، تعتمد الأخوات على خادم الدكان في تسيير أمور التجارة. والخادم ينتهز الفرصة لإقامة علاقة جنسية مع كل واحدة في السر. عندما ينكشف أمره، تتولى الأخت الكبيرة مهمة قتله وتنال عقوبة خمسة عشر عاماً في السجن. البرنامج الذي تقدمه منى زكي يستضيف القاتلة بعد خروجها من السجن.

أيضاً وبحرفية سينمائية تحسب للمخرج، تبدو علاقات الأخوات بعيدة عن التصوير الميلودرامي المعتاد، ويكشف مشهد القتل عن ثورة الجنون الكامن في النفس البشرية في مقابل الخيانة وفقدان الشرف. ومع ذلك لا يكره المشاهد الخادم، فالكاميرا تحبه وتخصه بلقطة متوسطة شديدة الحسية تصحبها موسيقى ناعمة وتتجول معه في الحارة وهو يقف مرفوع القامة على عربة بضائع (الممثل رائع، ولا ينقصه سوى أن يتخلص من تأثير أحمد زكي) لتؤكد حركة الكاميرا سيطرته على المكان وذكورته في نفس الوقت.

الحكاية الثالثة حكاية طبيبة الأسنان ورجل الأعمال، بعد زواجه منها يتهم الزوج الثري زوجته بأنها حملت سفاحاً ويهددها بالفضيحة لو أنها لم تدفع له ثلاثة ملايين جنيهاً لإسكاته. الزوجة تتخلص من الحمل (مشهد الإجهاض طال وزيادة) وتتخلص من الزوج. وعندما يتم تعيينه وزيراً تقرر الاعتراض وتحكي على الهواء حكايتها معه مما يؤدي إلى استبعاد الصحفي زوج المذيعة من قائمة الترشيحات لمنصب رئيس تحرير.

الحكاية الرابعة، حكاية شهرزاد نفسها، تنتهي بضرب مبرح وظهور المذيعة الجميلة على الشاشة مشوهة الوجه. عندما تبدأ في حكاية قصتها تبتعد الكاميرا ببطء وتعلو ليظهر جمهور المتفرجات وكأن كل واحدة منهن تصلح موضوعاً لحكاية وينتهي الفيلم. يصفق واحد من الجمهور ويخرج الباقون في حالة تأثر واضحة وأنا منهن، فدرجة الاستمتاع تفوق بكثير مجرد الاستمتاع بالحواديت، وتفوق أيضاً الإدانة الجاهزة للرجال من منظور نسوي.

الاستمتاع بالفيلم يأتي من تلك اللمسات المدروسة في أداء الممثلين ومن جماليات الكادر والتصوير ومن خصوصية الديكور والموسيقى والأهم من كل هذا من حرفية المونتاج والتتابع. كلها عناصر تحسب للمخرج، حتى لو كان السيناريو يعاني من الارتباكات المعتادة والتوازنات المحسوبة (في المقارنة مثلاً بين الإعلام الحر والإعلام التابع) للابتعاد مرة أخرى عن المواجهة السياسية (لدرجة أن القيادة العليا لا تعرف اسم الوزير الفاسد!!!) وتجنب مقص الرقيب.

مقالات من نفس القسم