(وراء الفردوس) لمنصورة عز الدين .. حكايات طازجة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هذه كاتبة ابتعدت عن الاستسهال.. سوف ينتابك هذا الشعور بعد قراءة «وراء الفردوس».

فالرواية الصادرة هذا العام عن دار العين، والتى اختيرت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر، فيها من الأحداث ما يجعلنا ننتبه إلى شيئين مهمين، الأول هو الخبرة الحياتية التى تمتلكها الكاتبة منصورة عزالدين، والثانى تمكنها من الأدوات التى استخدمتها فى نحت هذا العمل، ما يلفتنا إلى الجهد المبذول، والإلمام بأدق التفاصيل والمفردات، والذى صدّر حالة من الصدق، دعمها انتماء الكاتبة إلى عالمها، ومحاولة صياغته فى كتاب تلو الآخر، وعدم استغراقها فى عوالم وخيالات بعيدة عنها، مما ساهم بشدة فى سهولة التلقى، حتى فى بعض المشاهد المستوحاة من الموروث الريفى المصرى، لم نشعر بأنها حكايات مستهلكة، وخرجت علينا منصورة برواية شاردة عن الطريق السهل الذى سارت عليه أعمال بعض أبناء جيلها من الشباب، بل إنها استوقفت بعض قراء هذا الجيل، والذين كانوا بعيدين عن كتابات الأجيال السابقة، معتقدين أن جعبتهم قد فرغت، وأن هناك ما يسمى بالكتابة الجديدة التى تستحق القراءة دون غيرها، استوقفتهم منصورة التى لم تحاول التخفف من أعباء السرد، وكانت روايتها نقطة عبور لهذا النوع من القراء بين جيلها، والأجيال السابقة.

رغم ازدحام هذه الرواية بالأحداث والمحاور والشخصيات، فإن انسيابية الحكى جعلتها سهلة الاستقبال، ففى أثناء القراءة، على سبيل المثال، يَظهر «فلان» بشكل مفاجئ، ولكنك تستسيغ وجوده، ثم تتسع دائرته بهدوء، وتتضح علاقته بالآخرين، ومن شخص إلى آخر حتى تكتمل شبكة كبيرة من العلاقات الإنسانية عبر أزمنة مختلفة، بؤرتها «سلمى رشيد»، تلك الفتاة ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية المركبة، والتى تطاردها الأحلام والذكريات، تيمة الرواية التى تسير بالتوازى مع تيمات أخرى تتناول التفاوت الطبقى، والدينى، والاجتماعى، كما أنها تتعرض بجرأة راقية إلى الغرائز الإنسانية التى تطغى على أصحابها فى أصعب المواقف، فنجد بعض أهل القرية المتزاحمين حول جثة «صابر» بعد تعرضه إلى حادث عنيف أثناء عمله، نجدهم للحظة يلتفتون عنه وتتعلق أبصارهم بجسد زوجته التى «شقت» جلبابها أثناء العويل، وهو بالمناسبة أحد المشاهد الصادمة فى الرواية، والتى قدمتها الكاتبة فى شكل درامى متمكن، يصعب تصويره على الورق، ما يلفت الانتباه إلى مدى إحساسها باللغة التى تعد أحد أهم أبطال هذا العمل، فكلمات منصورة حاولت تجاوز حدود السرد المكتوب، وسعت لتجسيد الأحداث، فتكاد تشعر بسخونة النار وهى تلتهم محتويات الصندوق الخشبى الذى أحرقته «سلمى»، أو تتشمم رائحة دخان السيجارة التى أشعلها «هشام» بعد أن فرغ من «جميلته»، أو حتى تستمع لصوت احتكاك الجنزير المربوط بساق «بدر الهبلة» أثناء صعودها سلم البيت، بعد أن استطاعت فكه من ساق السرير وهى تنادى «يا جابر.. يا جابر تعال فكنى».

الجانب المعلوماتى يأخذ حيزا كبيرا فى الرواية، فنجد مجموعة من الهوامش التى تنوه إلى بعض الأحداث، أو تعرّف كلمة ما، وهو الجانب الوحيد تقريبا الذى اختلفت حوله الآراء، فالبعض رأى أنه أغنى العمل بشكل كبير، والبعض الآخر قال إن الاهتمام به أثر سلبا على جمال السرد، ولكنهم لم يختلفوا على أن «وراء الفردوس»، والتى صدرت طبعتها الثانية مؤخرا، خطوة مهمة فى مشوار صاحبة «متاهة مريم» و«ضوء مهتز».

 

 

العودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم