وحده الشاعر يبيع روحه

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ولد توماس سلمون (1941 ـ 2015) في زغرب، ونشأ في كوبر، وهي بلدة ساحلية في سلوفينيا تقع إلى الجنوب من تريستي. في عام 1966 تخرج في قسم تاريخ الفن بجامعة ليوبليانا Ljubljana. وفي ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، كان سلمون الشخصية الأبرز في المشهد الطليعي في الأدب السلوفاني. وفي مطلع السبعينيات قضى سلمون عامين في ولاية أيوا الأمريكية من برنامج دولي للكتابة تابع للجامعة هناك، ومنذ ذلك الحين ظل يزاوج بين الحياة في سلوفينيا والحياة في الولايات المتحدة، فنشات بينه وبين العديد من الشعراء الأمريكيين علاقات صداقات وعمل جعلته واحدا من أشهر الشعراء غير الأمريكيين في أمريكا. في عام 1996 أصبح سلمون الملحق الثقافي لسلوفينيا في نيويورك فتوطدت هذه العلاقة.

أصدر أربعة وثلاثين ديوانا، وترجمت أعماله إلى خمس عشرة لغة، من بينها الإنجليزية بطبيعة الحال، وليس من بينها العربية فيما نعلم. نقدم له هنا قصيدة ترجمها إلى الإنجليزية الشاعر الأمريكي يوغوسلافي الأصل تشارلز سيميك، وهي بعنوان "أغنية شعبية"، وقد ظهرت هذه الترجمة في كتاب "أربعة أسئلة حزينة" الصادر في الولايات المتحدة عام 1999.

***

أغنية شعبية

كل شاعر حقيقي

وحش.

يحطِّم الناس من حوله

ويسحق الكلام.

أغانيه تغدو أداة

تُزال بها الأرضُ

فلا يأكلنا الدود.

يبيع السكيرُ معطفه.

يبيع اللصُ أمه.

ووحده الشاعر

يبيع روحه

ليعزلها عن الجسد الذي يحبه.

***

على قصرها، يمكن الدخول إلى هذه القصيدة عبر أكثر من باب. وكثرة الأبواب إلى القصيدة مزعجة بقدر ما هي علامة ثراء أكيد. فمن هذه الأبواب، أو المداخل، ما يتعارض مع بعضه البعض.

هي، ابتداء، قصيدة في مديح الخيال، والثناء على الشعر في مقدرته على خلق واقع مواز، أو حياة أخرى بجانب الحياة، أو هي مستقلة عنها، غنية حتى عن الأرض، فهي “أداة تُزال بها الأرض، فلا يأكلنا الدود”. وهكذا، ليس الشعر مجرد صانع بديل للحياة أو بدائل، بقدر ما هو طارح سبيلٍ إلى الخلود، والخروج من أسر قوانين الواقع.

غير أن هذا الركون إلى الخيال قد لا يبدو متسقا مع إيثار الشاعر للجسد على الروح. لدرجة أن يبيع روحه ـ كما يبيع السكير معطفه، واللص أمه ـ من أجل أن يعزلها عن الجسد الذي يحبه.

***

هنا يمكن الدخول إلى القصيدة من مدخل آخر إضافة إلى مدخل امتداح الخيال، وهو مدخل مناقض أو مغاير كثيرا. فإذا كان الصوفي والفيلسوف المثالي والمطرب العاطفي وربما الناسك يعلون من أمر الروح على الجسد، فالمنتظر من الشعر أن يكون إماما لهم في هذا الصدد، ولكنه هنا يبيع روحه ليستأثر بالجسد الذي يحبه.

فما الذي يبقى من المرء بعد أن يبيع روحه ليحب به جسده؟ هل الكلام هنا عن الذات، بوصفها شيئا مستقلا منفصلا عن الروح وعن الجسد؟ هذا أيضا يصلح مدخلا للقصيدة، ولكنه مدخل أنسب للفيلسوف منه للقارئ.

***

تقدم القصيدة منذ بيتها الأول تعريفا للشاعر “الحقيقي”: كل شاعر حقيقي وحش، هكذا تقول القصيدة. وحش يقتات على مشاعر المحيطين به، شاعر يحطم كلامهم الذي تواطأوا عليه، لحساب إمكانيات أخرى يطرحها شعره وأغنياته. يتذكر المرء هنا مقالا للشاعرة الأمريكية كيم أدونيزيو عن النجاح في بيزنس الشعر تنصح فيه الشاعرةَ المبتدئةَ بأن لا يهتز لها طرف وهي تفضح حبيبها وأهلها وتكتب مشاعرهم وأسرارهم قصائد وأغنيات.

غير أن الأمر عند سلمون أعمق، فهو لا ينظر إلى الشاعر بوصفه مجرد صانع للفضيحة. الشاعر عنده مبطل للنواميس الأساسية التي تقوم عليها الحياة الإنسانية. وهو حين يفعل ذلك، يبدأ بالصورة المعتادة للشاعر، فيحطم في خيال القارئ كل تصور للشاعر بوصفه الباحث الرومانتيكي عن الجمال.

برغم أن القصيدة تبدو في ظاهرها منطلقة من منطلقات متباينة، إلا أن القارئ يشعر أنها حصلت على أفكارها التي تطرحها بطريقة عفوية لا افتعال فيها. ولعل هذا ما يجعل منها أغنية شعبية. نعم، الشاعر لو كنتم نسيتم يعنون قصيدته بهذا العنوان “اغنية شعبية”. ربما تكون بنية القصيدة في لغتها الأصلية هي التي اقترحت هذا العنوان. وربما لأن القصيدة تطرح خرافة بديلة لخرافات الآداب الشعبية.

 

مقالات من نفس القسم