وجدانية الذي يربي حجرا في بيته

لقاء
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أيمن حامد

عندما أعطاني كاتب هذه الرواية نسخة منها كتب التالي في الاهداء: الى أيمن حامد..اتمنى الرواية تعجبك..تعجبت بدوري من استخدامه للفعل عجب، وظننت أن الرواية غارقة في اللهجة العامية التي لا أفضل قراءة الادب بها.

 لكن سريعا وجدت نفسي أمام “كتوبة” حلوة الى حد الدهشة خاصة ذاك الاستغراق الرائع في التفاصيل، إذكنت ولازلت مأخوذا بهذه اللوحة الدقيقة التركيب التي صنعها الزميل الجميل الطاهر شرقاوي. أدهشني بالفعل  ولع البطل الوحيد الذي يربي حجرا في بيته بالتفاصيل الدقيقة التي يحكيها بسهولة وييسر ودون تقعر أو لهاث أو مخاض مفجع “ في مواجهتي تقع جنينة صغيرة، بها ثلاث شجرات مانجو ونخلة وحيدة، محاطة بجدار طيني، به باب حديدي مغلق، أسياخه علاها الصدأ ومعوجة قليلا، ومسور من أعلى، بجريد ناشف، وقطع زجاج مكسور، يمتد من فوقه فرع ضخم لشجرة مانجو، يلقي بظله على جزء من الطريق، وبئر الماء والسبيل، وبنت تبيع الخضروات”.

هذا التماهي مع الأشياء المحيطة والاستغراق فيها والتعاطي معها على نحو وئيد،يظنه البعض مملا ورأيته وجدانيا، يرسخ للاغتراب النفسي والاجتماعي التي يحياه صاحبنا الذي انهكه صخب المدينة وعطنها وزيفها، وانحلال الرابطة فيها بين الفرد والأخر، لكنه لا يمل من الجري ورائها حتى انه يشعر بالانس وبأنه جزء من الصورة فقط مع صخب خروج الموظفين والطلاب وفوضى المدينة، مثله مثل شخص عاجز عن ادراك ماهيته وكينونته وهدفه، لكن عندما تندلع الحرب فجأة يهتف “الله أكبر..حدثت المعجزة”، إذ يجد نفسه وسط الصورة وفي صدارة المشهد مع قدر كبير من العاطفة والتضامن والصحبة حتى لو كان الموت قريبا!!!

لم استغرب تلك العلاقة مع الحجر البني الذي يشبه الشيكولاتة، لأننا أمة الأحجار بامتياز، ماضينا الفرعوني وحاضرنا الاسلامي يحكي الكثير عن الاحجار التي تبكي وتتأثر وتتحدث وتكلم المؤمنين عن اليهود المختبئين ورائها، لكن استمر اندهاشي من هذا الذي خاب امله في عوالم لطالما من نفسه بالعيش فيها، لكنه وبعد طول تجربةصار مرتهنا ويشعر بالعجز عن تبوأ المكان الذي يرى نفسه فيه، أو عن العالم الذي سعى اليه منذ زمن دون جدوى، لذا لا شيء يدعو للدهشة عندما يعشق الظلام والصوم عن الكلام، أو انتظاره لمترو يكون سائقه ملتحيا، أو انهماكه في رسم قطط سوداء صغيره على جدرات تابوته، أقصد غرفة نومه.

هذا السرد النفسي الوجداني بد اشبه بسجل فني لعقل أو لوعي قهرته الظروف لكنه يحكي وعلى القارئ تجميع القصة والصورة التخيلية الكبيرة حيث الهروب الدائم الى الحلم والماضي وانتظار الذي قد لا يأتي” أنتظر شيئا لا اعرفه، هذه هي الجمله التي يتردد صداها بداخل روحي، اعتقد ان ما انتظره سيجعل حياتي مختلفة، لكن ما هو هذا الشيء؟

اعجبتني لغة النص من عدة نواحي، إذ توقفت مرات عديدة أمام أفعال وكلمات أعاد الطاهر استخدامها توحي بعاميتها وبدات أتساءل أثناء القراءة عن  أصلها “شاف، يبص، ابسط يا عم..وهكذا استعادة الفصحي لكلمات ابتذلتها العامية، فضلا عن هذه الكتابة الشعرية الرقيقة السلسة

عندما صاحت ديكة الشرفات

ونبح كلب ثم سكت للأبد

عندما كح مار في الشارع بشدة

قبل ان يبصق على الارض

عندما انطلقت سارينة مصنع بعيد

عندما نزل عصفور على الارض

ونقر بمنقاره مرتين

ثم قفز ثلاث قفزات

عندها صحوت من النوم

هكذا يتبدى النص عن عدد كبير من الصور الجميلة الموحية والحافلة بموسيقى أجبرتني على قراءة عدة مقاطع مرات ومرات في تصوير الأجواء النفسية والحالة الذهنية المرهفة والحالمة والمثيرة لمن يربي حجرا في بيته.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم