هو يحيا….

هو يحيا....
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هاشم تايه

يستيقظ فجراً... يندفع حافيَ القدَميْن... يجتاز الصّالة خافتة الضوء... يفتح الباب، فيراه، بعَيْنَيْ لهفته، جُثّةً على حجر العتبة الأملس... يرفع أنفه عالياً فاتحاً منخريْهِ على وسعهما، ليسحب، من هواء حديقته، ما يجعلُهُ يتأكّد أنّهُ جزءٌ من هذا العالم في فجرِ يومٍ آخر... تأخذه عيناه إلى القبور الصّغيرة المزينة بشواهد منتصبة تحت شجيرات الكونوكاربس في حديقته، متراصّة في صفوف احتلت ثلاثة أرباع الحديقة... يُفكّر... لا بُدَّ من استعمال القبر أكثر من مرّة... يرفعُ يدَهُ ملوّحاً بتحيّة للشواهد المنتصبة، ويجدّد قسَمَهُ الأليم، هو الرّاعي الذي لن يَكِلَّ قلبُهُ ويداه من تشريف الموت بقبرٍ يليق بمقامه في حديقته... يعود بعيْنيْه إلى الجُثّة على العتبة... الجُثّة التي كانت قبل ساعاتٍ ضفدعاً... كيف انبعث من عشب الحديقة النديّ هذا الضفدع... كيف امتثل لأمر الطبيعة، فشرع يثبُ منقاداً... كيف قفز قفزته الأخيرة، واعتلى حجر العتبة طائعاً... كيف لبث على الحجر البارد... كيف انتظر، هاهنا، حتى تلقّى صعقة الموت المباغتة، وانقلب جُثّةً على العتبة...

إنّه مطمئنّ، الآن، فما تزال الطبيعة تخدمُ روحه… تفتديه بأرواح كائناتها الصّغيرة التي لا تعلمُ شيئاً… وها هي، كما فعلت بالأمس، تقدّم فِدْيَة حياته، في يومِهِ هذا، لمن نزل، أسودَ الطيلسان، على بابه قبيل الفجر كما فعل بالأمس، وَهَمَّ باختراق الباب، لكنّه تراجع عنه مكتفياً بالرّوح الخضراء التي انتزعها من الضفدع الفادي على حجر العتبة الأملس… ليس عليه، الآن، إلاّ تبجيل الفادي بدفنه كما يليق… يستعين بالمالج القديم المنتظر إلى جوار آخر القبور… يحفر قبراً ويُوسّد الضفدع المصعوق تراب قبره… شيء آخر لا بدّ منه…. تاج على هامة القبر الصغير… الشاهدة… لن يكون الأمر شاقاً… قطعة الخشب المعاكس التي نشرها أمسِ على شكل مضرب كرة الطاولة معدَّة ومركونة في زاويةٍ أسفل السّلم في آخر الصّالة… وهناك أيضاً علبة البويا السوداء، والفرشاة النّاعمة…

الشاهدة تكتمل:

الضفدع جمال

    2011- 2012

    …

يستيقظ فجراً… يندفع حافيَ القدميْن… يجتاز الصّالة خافتة الضوء… يفتح الباب… يرى على حجر العتبة قطّاً صغيراً… يرفع القطُّ بوزه… تلتمع عيناه في الضوء… ترتعش أذناه… يهتزّ ذيله… يموء… ينتصب على أطرافه…

يرفع قدمَهُ اليمنى ثمَّ يضعها فوق ظهر القطّ في ما يُشبه مداعبة… يشعرُ القطُّ بألمِ المداعبة كُلّما ضاقت المسافةُ بين القدم التي على ظهره وحجر العتبة الأصمّ…

يُرسل عينيْه في الأجواء الخالية فوق حديقته… بقعٌ من رماد تصْفرّ وتتسع…  

يغلق الباب… يسند ظهره إلى الباب… ينتظر في ضوء الصّالة الخافت…

    

                                                   تشرين الثاني 2012

ـــــــــــــــــــــــــ

كاتب عراقي

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون