هوامش على سيندروم

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كثيرا ما شكلت القدرة على إثارة الدهشة وطرح الأسئلة أحد أهم معاييري الشخصية للحكم على جودة ونجاح أي عمل فني / إبداعي، و من هذا المعيار تحديدا كانت رواية الشاعر إبراهيم البجلاتي (سيندروم) عملاً ناجحًا بامتياز، للأمانة يمكن القول أن بعضا من هذه التساؤلات كانت سابقة للقراءة ، تساؤلات مثل :

لماذا سيندروم؟ لماذا يتجه للرواية أصلا ؟ ، أليست مخاطرة أن يبدأ شاعر بالأساس عمله بالرواية من باب السير الذاتية ؟

بعد القراءة الأولى وجدت أن أول ما شعرت به كان (الزعل)  نعم الزعل بمفهومه العامي البسيط، كنت (زعلان) أنها انتهت ، لقد استمتعت إذاً بحق ، ولكن ماذا عن الدهشة والتساؤلات؟!

نجحت الرواية في كلا الأمرين ، حصلت على متعة الدهشة عدة مرات ، ولم أصل لإجابات حاسمة عن التساؤلات السابقة فضلا عن المزيد من الأسئلة .

اختار البجلاتي عنوانا لافتا من البداية ( سيندروم ) أو المتلازمة إذا بحثنا عن تعريب دقيق، إلا أن العنوان لم يكن الأمر الوحيد اللافت .

اللغة :

تأتي اللغة سلسة وبسيطة وبعيدة كل البعد عن الشاعرية ، تكاد تخلو تماما من المجازات والتشبيهات والاستعارات ، تتنوع بين السردية والتقريرية وحتى العلمية الطبية ( بحكم التخصص) أحيانا وتتنقل بين تلك الأساليب وغيرها بحرفية وسلاسة، دون أن تفقد قربها وكأن الراوي يهمس بإذنك وحدك بأدق أسراره، أو كأنه يدفعك للدهشة والتساؤل :

أين ذهب الشاعر؟!

هل اختفى بوعي الراوي أو بدونه؟!

لماذا اختفى أصلاً؟!

الشكل والبناء :

اختار البجلاتي أن يقسم روايته لثلاثة أقسام رئيسية تنقسم لعدد من الفصول الداخلية ،

مما دفع البعض للقول أن الرواية برغم حجمها المتوسط ( حوالي ٢٤٠ صفحة من القطع المتوسط ) إنما هي مشاريع مجهضة لثلاثة روايات مختلفة ،

لا اتفق شخصيا مع هذا الرأي وإن كنت أتفهم مبرراته ، ربما لأن الرواية بطبيعة السير الذاتية لم تنتهي طالما صاحبها لا يزال حيّا، وربما باختيار الراوي أيضا الذي ترك كثيرا من الأبواب المفتوحة للخيال والتأويل ولاستكمال الحكي أيضا ، وهو ما حدث لاحقا بالفعل إذ يستعد البجلاتي حاليا لإصدار روايته الثانية أو ما يمكن تسميته الجزء الثاني من السيرة (كلب المعمل) مما يدفعك للتساؤل من جديد: هل كل ما سبق كان قصديا وواعيا أم أنها استشراف الشاعر والفنان الخفية ؟!

الزمن :

كما لو كان البجلاتي أراد أن يؤكد على حرفيته كراوي فمثل ما اختار التنقل بين الأساليب اللغوية كلها ( عدا الشاعرية تقريبا كما سبق وذكرنا ) ، اختار أيضا التنقل بين عدة تكنيكات زمنية مثل الفلاش باك والتأجيل والفراغات الزمنية وغيرها ، مما أعطى للرواية سيولة زمنية كاسرة لرتابة التتابع الزمني المعتاد للسير ، ذلك التتابع الذي وإن حافظ عليه الراوي إلى حد كبير خلال الأقسام الثلاثة الرئيسية إلا أنه قام بخرقه مرات عديدة في الفصول الداخلية ليبدو التساؤل هنا بديهيا: ما دلالة كل هذا التلاعب بالزمن ؟!

النوع :

بالرغم من كونها سيرة ذاتية بالأساس أفلتت الرواية بمهارة من السقوط في الواقعية المفرطة ، بحيث تجد الواقعية مكانها الطبيعي وإن امتلأت الرواية بغيرها من الأنواع كالغرائبية والواقعية السحرية وحتى ما يمكن أن تسميه فانتازيا الواقع المؤلمة أو القدر الفانتازي (كشخصية المريضة التي اجتمعت عليها مجموعة من الأمراض وخلل الجينات العجيبة )  ربما يبرز هنا ذكاء الراوي في التقاط كل ما هو غرائبي / سحري / فانتازي من سيرته الذاتية ليس فقط ليوفر التنوع لروايته بل ربما بالأساس ليخدم على فكرته الأساسية ، يبدو الأمر قصديا بالطبع وواضحا من اختيار عناوين الأقسام الرئيسية الثلاث والتي جاءت على التوالي ( أساطير عائلية / فاصل شخصي / أساطير الآخرين )

هل عمد الراوي إلى أسطرة سيرته أم أنه الواقع الذي وكما يقول الكليشيه الشهير ( فشخ الخيال) بالفعل ؟!

الدراما وغيرها :

ركزت الرواية في كثير من الأحيان على الموت كحدث درامي أكبر وأثقل وقعا بطبيعته عن غيره من عقد الدراما خصوصا في القسم الأول ، وإن تنوعت أيضا بين حالات وعقد أخرى مثل المراهقة ، الحب ، التنافس ، الاغتراب ، وحتى الهموم العامة كالسياسة والحرب والثقافة ، وعمد الراوي في بعض الفصول إلى الحكي الشخصي التفصيلي بل وتعرية الذات بقدر كبير من الجرأة ،مستخدما مرة أخرى التنوع كاختيار قصدي في تكنيكات السرد أيضا ، لتجد الراوي متنوعا في حالاته بين  الحاضر الفاعل / الغائب المحرك للأحداث الإله كما يسميه البعض/الحاضر اللا فاعل / الغائب الناقل / الراصد أو العين أو الكاميرا الثابتة بتسمية أخرى وغيرها من حالات الراوي ،  وجاء اختيار العناوين الفرعية للفصول داخل الأقسام الثلاث الكبرى ذكيا وذو دلالات مهمة تخدم أفكار الراوي في أغلبها ، وإن كان للأمانة في رأيي الشخصي أن أحد تلك العناوين ( بوست تانيل سيندروم ) لم يكن موفقا إذ يوحي بمركزية وتمحور زائف للفصل الذي على جماله وأهميته لا يمكن اعتباره قلب الرواية ، وإن كان للأمانة أيضا يدفع للدهشة والتساؤل من جديد ،

أي المتلازمات كان يقصد البجلاتي بسيندروم ؟

هل هذا السيندروم ذاتي وشخصي بالفعل ؟

أم أننا جميعا مصابين كأفراد وكمجتمع بأنواع مختلفة من السيندروم ؟

ربما قد تجدون الإجابة في الرواية ،

ربما .

 يمكنكم قراءة الرواية بتحميلها من هنا >> سيندروم 

مقالات من نفس القسم