هل يمكنني أن أُقبّلك الآن؟!

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 52
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إيمان بنداري

(1)

كان من المفترض أن يكون الأمر ممتعًا..

لا أحد يعلم أو يتذكر إن كان الاختراع ظهر قبل الجائزة أم بعدها، لكن ما إن تم إعلان فوز الثنائي (جيرارد، وكلوديل) بأوسكار أفضل قُبلة، للعام 2164م، حتى انتشر مقطع للقُبلة على المنصات المختلفة كدفقة بيانات في شجرة.

وُلد جيرارد لأبوين فضّلا الصحراء على المدنية، عندما علما بالحمل جمعا أشياءهما القليلة، وتركا المدينة تأكل أبناءها في وضح النهار، بين الرتابة والشمس وفوق الرمال اكتسب جيرارد وسامة خشنة، وبشرة برية لم تعرف طريقها لمشارط الليزر، ولا حبات السيليكون المعدة للزرع. وذات صباح بينما كان يشاهد الأفلام القديمة التي يحبها، عرف ما الذي يريده في هذه الحياة ـ ممثلًا ـ وهذا ما فعل.

جائزة أفضل قُبلة ـ والتي هي جائزة مستحدثة هذا العام فقط ـ كانت حديث الإعلام برغم ضعف المنافسة، كان التفاعل ينصب حول قُبلة الثنائي (جيرارد، وكلوديل) من الفيلم “أشياء علينا البحث عنها”، وكانت فرصة سانحة لاستثمار ما. في مشهد ليلي داخلي يقوم جيرارد مال (والذي يلعب في الفيلم دور طبيب في نهاية العشرينات، يُدعى كال)، بإعداد الطعام لحبيبته “ميلاني”، (والتي تلعب دورها الممثلة الشابة الحسناء كلوديل لوران، والتي كانت فتاة مايبيلين لمستحضرات التجميل للعامين الماضيين). يقلب جيرارد الحساء على النار من آن لآخر، ويمد يده كي تتذوق طعمه، فيبدو على وجهها الإعجاب.. ويعود ليقطع المكونات الطازجة على لوحة التقطيع على المنضدة، بينما يخبرها:

ـ إنها وصفة منزلية متوارثة من جدتي الكبرى.. أعدتها لجدي في المرة الأولى التي زارهم فيها في البيت ليقابل والديها. كانا شابين صغيرين حينها، وبينما كان جدي يتناول ما أعدته، نظر إليها وشعر أنها المرأة التي تخصه في هذا العالم. واستمر زواجهما لـ 65 عاماً. إن كان لي أن أسميها لأسميتها وصفة الحب.

ـ يبدو اسمًا ثوريًّا.

تتدخل لتساعده بينما تتصاعد أبخرة وروائح، تميل فيسألها: “هل يمكنني أن أقبلك الآن؟”، ثم يُقبلها ويتلمسها ويتمسك بها. في العرض الأول انقطعت الأنفاس عند القُبلة، جرحت بعض النساء شفاههن ولم يشعرن بذلك حتى انتهاء العرض، والأزواج الذين شاهدوا الفيلم معًا عانوا خيبة ما في الحميمية، تلك الليلة، وبشكل عام. ولكن أكبرها كان لشاب من أصل كوري أبلغ عنه أحد الروبوتات، وتصدر الأخبار لثلاث ساعات، ولكنها لم تشر لقيامه بالتهام شفتي حبيبته، وأجزاء من رقبتها وجسدها بعد قيامه بطلائها بأحمر الشفاه من ماركة “مايبيلين”.

لا أحد يعلم مَن أول من جاءته هذه الفكرة، ولكن الموافقات والتمويل جاءا من أكثر من جهة. التجربة الأولى لـ Be.2 كانت في حفل كبير، ضم الكثير من كبار الشخصيات من ذوي المال والنفوذ، رجال الإعلام والصناعة والساسة بجانب مجموعة مختارة من طلبة الفنون، السينما والكليات التقنية أيضًا ليشهدوا خطوة جديدة داخل الأحلام، كبسولة متصلة بشاشة عرض كبيرة يمكنها نقل من يدخلها إلى الشاشة ليكون جزءًا من فيلمه المفضل. أن يختبر ما يشاهده حقًّا كان ذلك ملخص الكثير من الشرح من أكثر من محاضر عن عمل الجهاز، والذي تضمن أيضًا سردًا لتطور الجهاز حتى وصل لهذه المرحلة، وتوقعات مستقبلية بشأن ما يمكن أن تحققه تحديثاته التي جاري العمل عليها الآن فعلًا

كان يفترض أن يكون اختيار الفتاة التي ستدخل الكبسولة في الحفل عشوائيًّا، غير أنه لم يكن كذلك. بحسابات رياضية بحتة وأنماط واستنتاجات متسلسلة، تم اختيار الفتاة الأكثر امتلاكًا للفروبوتات الصديقة وأقل تفاعلًا، مثل صاحبة العدد الأقل من مرات الحقن الخلوي، وتجارب الانغماس الشعوري بتحديثاتها المختلفة، وصاحبة العدد الأقل من عمليات الشراء المجمعة.

عندما سمعت “روز” رقم مقعدها التفتت حولها كما فعل الجميع، لكن مقعدها الذي أضاء بألوان مختلفة، وصورتها التي ظهرت على الشاشات كلها أكلا لسانها.

استغرق الأمر وقتًا أكثر من المعلن، كانت روز تستجيب للتعليمات ببطء احتاج لتدخل أحد المهندسين، اختار لها ما ترتديه وضغط عدة أزرار قبل أن يغلق الكبسولة، تطلّع إليها الجميع، أغمضت عينيها، وعندما فتحتها كان “جيرارد ـ كال”، يقترب منها، قائلًا: “هل يمكنني أن أقبلك الآن؟” أغمضت عينيها مرة أخرى. لا تعلم كم مر من الوقت، عندما انتهى الأمر كانت أنفاسها ثقيلة، وعيناها تمتلئ بالدمع. كانت تقف داخل الكبسولة، وخلف الزجاج، يُحدّق الجميع بها، ويصفقون دون أن يصل إليها من أصواتهم شيئًا. فُتحت الكبسولة، فدخل معها ريح قوية من تصفيق وهتاف أسئلة. عدد من الحرس صنعوا لها ممرًّا بين الحضور لباب جانبي، بينما أعلن مقدم الحفل أنها ستكون معهم بعد قليل.

منصات الأعلام المختلفة التي تناولت الحدث، كانت لكل منها شعار مختلف، تشترك في وصفها بالتجربة الأعظم في تاريخ “روز”، والقطاع 1، صارت صورة “روز” بين مجموعة من الحرس الملثمين بنظرتها المدهوشة الدامعة، وملامحها الساكنة، أيقونة الاختراع الجديد.  في السماء، في محطات الباص المعلق، في الشوارع، وفي مدخل دور العرض التي تحتوي على كبسولات الانتقال الآني، وتحت الأرض في المترو، لكن في الحقيقة “روز” لم تتحدث يومًا بشأن ما حدث، عادت لجامعتها، وانزوت على نفسها في معملها، بينما امتلأت جدران غرفتها بصور لجيرارد ينظر لها، ويسأل: هل يمكنني أن أقبلك الآن؟

(2)

زاد عدد كبسولات الانتقال الآني في دور العرض الكبيرة.. ولم يكن الاختيار عشوائيًّا أيضًا، وزادت مع الرشاوى، وسلطة النفوذ، مع الوقت زادت تحديثات الجهاز أيضًا، وصلت لدرجة تتيح انتقال أكثر من شخص للمشهد، ثم حُمى من التحديثات، والجنون غير المعلن. غير أنه في دور العرض البعيدة في القطاعات الأكثر فقرًا وإهمالًا كان الوضع أكثر سوءًا. المركبات تهبط فوق المبنى ليخرج منها أربعة رجال وثلاث نساء بزينة كاملة تتلألأ في ستر الليل، تتراص الكبسولات، ويختارون أكثر الملابس غرابة، أو بدون. ويقوم الكروبوت المختص بتشغيل المشاهد مرة بعد أخرى، وتطول المدة وتقصر، أسفل شاشة العرض الزجاجية على الجانبين بابان دائريان بفتحات مختلفة الأحجام، تصدر الروائح المختلفة التي تظهر في الأفلام. البابان مزودان بفتحات مختلفة الأحجام، ويقع خلف كل منهما عددًا من المراوح، وبعد منحنى ضيق نسبيًّا يقع ممر الروائح، والذي ينتهي بغرفة تحكم تحتوي على عدد من الأجهزة التي تصدر الذبذبات والموجات التي تمنح المتفرج الشعور المنتظر.

جلست “ديبي”، – فتاة خشنة في التاسعة عشر – بمعطفها الطويل والوشاح حول رأسها في غرفة التحكم على أحد الكراسي القليلة، ورفعت ساقيها فوق آخر.. وفضت كيسًا ورقيًّا من الأطعمة القليلة، وأغمضت عينيها قليلًا ثم بدأت في تناولها.. استشعرت مطبخًا منزليًّا وأحاديث دافئة وهمهمات سعيدة حتى أنهت وجبتها. قامت وتفقدت محتويات الغرفة التي تخص أحد المشرفين الذي يمرون أسبوعيًّا، شرائح زجاجية لأفلام بورنو، فروبوتات جديدة لم يتم تشفيرها، رقاقات تشغيل مركبات مختلفة، والكثير من بطاقات الدفع، فجمعتها كلها ووضعتها في جيب معطفها. أمسكت فروبوت وتفقدت معلومات المالك، في هذه الأثناء كانت الروائح تتصاعد بشكل طاغٍ، بينما تتفقد باقي محتويات الغرفة غلبها غثيان شديد، شغلت أحد الفروبوتات ثم غلبها القيء، ظهرت صورة هولوجرام لشاب وسيم في العشرينات، “مرحبًا، أنا تيم.. كيف أساعدك؟ إشاراتك الحيوية تشير أنك لستِ بخير.. هل أطلب طبيبًا؟ أنا صديقك الأفضل تيم، أنا هنا لأجلك في أي وقت”. تعاظمت الروائح، وغلبها قيء ثان، عندما انتهت خرجت من الممر، وزحفت عبر أسطوانة الباب، ودفعته دخولًا للقاعة.

بدت صالة العرض خالية، بينما تناثرت بضع متعلقات فوق عدد من المقاعد الأمامية، ولكنها حين التفتت نحو الشاشة، كان ما حدث مفزعًا، نظرت لثوانٍ حتى التفت نحوها أحد الأشخاص في الفيلم، فلفتت انتباهه، بينما “يا إلهي”، التي صدرت منها أعقبها صرخات فزعة من الجميع، بينما أسرعوا لستر أجسادهم وجروا خارج الكادر. “كال” الذي وجد فرصة لالتقاط أنفاسه ابتعد ليدخل في حيز سحب الكبسولة بدون قصد، ليجد نفسه على الناحية الأخرى.. داخل الكبسولة، خارج الفيلم!

مرت دقائق عليه في الكبسولة بنظرة مرعوبة، وشفاه يقطر منها دم خفيف، وصدر عارٍ مليء بالخدوش. مرت دقائق بينما ديبي تستوعب ما حدث، اكتشف خلالها الأشخاص وراء الشاشة أنهم فقدوا فرصتهم في العودة للكبسولة، بينما جرت ديبي نحو الكبسولة فأخرجته منها، وأخذت المعاطف الملقاة على المقاعد وخرجا.

في الطريق قامت بإلقاء كل ما يشير لمالكيه من الأغراض، وألبست كال معطفًا غاليًا من الصوف، وعبر عدة أسلاك شائكة، بنايات متهالكة وشوارع ذات إنارة ضعيفة، مضت ديبي ساحبة كال من يده. وصلا لشقتها، فتركت يده، وفتحت الباب، ودخلت لتعود لإمساكه من يده تسحبه للداخل. تبحث له عن ملابس ملائمة أكثر، بينما تساعده في ارتدائها، بادرها قائلًا: “هل يمكنني أن أقبلك الآن؟”

برغم المفاجأة بالنسبة لـ “ديبي” كان التفسير المنطقي أن جيرارد لم يكن حقيقيًّا يومًا.. هو نسخة ما معدلة من الفروبوتات كـ “تيم”. ربما كان دافئًا ويمكن لمسه، لكنه غير مكتمل بطريقة معقولة.

(3)

مضى يومان، ولم يحدث شيء.. في اليوم الثالث سرت أنباء عن عمليات تمشيط تحدث في محيط دار العرض القديمة، تقرير الكروبوت الذي يدير دار العرض القديمة لم يقدم في الصباح، عندها تم تشغيل الكروبوت الاحتياطي.. تقرير الكروبوت الاحتياطي تضمن الصراخ المتتالي، مزيل ببنود من قانون الرقابة على الأفلام، تكرر الأمر في تقرير المساء، وإن كان أشار لانخفاض في حدة الأصوات في الفيلم، بينما أشار تقرير اليوم الثالث لانتهاء المشكلة. لم تلفت التقارير انتباه أحد حتى توالت بلاغات الفروبوتات العائلية عن تغيب مالكيها، مزودة بآخر إحداثيات تواجدوا فيها، وكان ذلك غريبًا لأشخاص من فئتهم.

الفريق الذي كلف بالأمر استهلك وقتًا لاستيعاب الأمر لنقله لسلطة أعلى، قاموا بإعادة عرض المشهد حسب طريقة العرض في المرة السابقة، بوجود الدخلاء – والذين عرفهم الكروبوت الشرطي أنهم الرجال الأربعة، والثلاث نساء المفقودات – مرة بعد أخرى، وبدون وعي التفتوا للمكان الذي نظروا إليه عبر الشاشة، حيث كانت تقف ديبي، والتي اختفى بعدها الممثل؛ لتختلف بقية الأحداث، وصراخهم المتتالي لأيام، حتى قامت ميلاني (كلوديل لوران)، وتناولت سكين المطبخ من فوق لوحة التقطيع وطاردتهم خارج الكادر عبرا لمنزل، لتعلو الصرخات وتنقطع حتى عادت للمشهد بملابس ملطخة بالدماء، وتميل لتتذوق الحساء بملعقة خشبية، وتغمض عينيها في انتظار أن يقبلها حبيبها كال.

(4)

صارت قُبلة “جيرارد” هي الفيروس الجديد الذي اجتاح القطاعات المتقدمة، دفع الفضول “جيرارد مال” لزيارة دور العرض، ورؤية كيف يتفاعل الناس مع هذا الأمر، معه. ارتدى عدسة تعريف مزيفة كالتي يرتديها المراهقون لدخول الحفلات الخاصة. ـ “يمكنك الدخول سيد خان”، هكذا رد الكروبوت على الباب. في داخل صالة العرض رأى صياحًا وتدافعًا بين رجال ونساء حول مَن سيدخل الكبسولة أولًا، واستمر حتى مشهد القُبلة. وكان يرى كال في المشهد حائرًا ومذعورًا، أو هكذا خُيل له فغادر القاعة مسرعًا. طوال الليل تنقل جيرارد بين دور العرض، وغادر عند القُبلة مباشرة، وعُزي ذلك في تقارير الكروبوتات إلى فشله في الحصول على قُبلة من السيد “جيرارد مال”.

في الصباح وجد السيد “شهيد خان” في شقة السيد “جيرارد مال”، بعد تناوله جرعة زائدة من مخدر الميثكس، وسرى هذا النبأ مشككًا في السبب، وميول السيد “جيرارد” قبل أن يكشف الأطباء هويته الحقيقية.

لم تظهر الرواية الحقيقية، وأشيع أنه كان يعاني من مرض بدائي؛ نتيجة لطريقة نشأته وعدم تلقيه للقاحات والتطعيمات المعروفة، بينما لم يرفع الفيلم من صالات العرض، وإنما روج لتسويقه بعبارة جديدة كأعظم تجربة يمكن ألّا تحظى بمثلها مرة أخرى.

 

(5)

كال.. الذي ولد في كبسولة زجاجية يتحرك ببلاهة، لا يشعر بشيء، يتعثر في الأشياء، ويسأل عن سبب إضاءة الغرفة كلما همّا بدخولها، ويخفي عينيه فيصطدم بديبي من الخلف. كان من الصعب على ديبي أن تخبره في كل مرة فكرت في إضاءة الغرفة، أو شعرت بالبرد فأضيئت الغرفة أو اشتعلت المدفأة بسبب فكرة في رأسها.

قايضت صديق بـ “تيم” مقابل بيانات “كال” الشخصية، كان تيم مسليًّا، وحزنت لذلك خصيصى لو ألقي القبض عليهما، فكرت كم سيكون مسليًّا أكثر في السجن.

“كال” كان لا أحد.. لم يكن موجودًا في أي قاعدة بيانات كما لم تتطابق بصماته مع أي كائن آخر، ولا حتى جيرارد نفسه، بدون رقاقة تعريف مزروعة في معصمه، أو تاريخ مرضي خلف أذنه، أو حتى سيرة ذاتية خلف رقبته؛ لذا عندما يعبر إشارة مرور أو في مدخل سوبر ماركت أو نادٍ خاص، مستشفى أو بار هو لا أحد.. قط، شارع أو ورقة طيرها الخريف، لا سجل عائلي أو جنائي، لا تصنيف مالي أو فواتير عالقة.. هو، لا أحد كما يحلم أي شخص يأتي من هذا الجزء من العالم.

ببطء وتكتم انتشر خبره في القطاع 9، مقاربتهم لم تكن سينمائية حيث يقف ليلًا وسط الخراب – ربما تحت المطر ليكتمل الكليشية – ذراعاه ممدودتان لأسفل بانفراجة الخلاص، لم يتوافدوا من كل ناحية ويتجمعوا حوله بخشية الدهشة والتحقق، تناوبوا العناية به وإخفائه من شارع لشارع، ومن بناية قديمة لأخرى، كطفل صغير متكلم يستطيع طهو وصفة واحدة، ويرتب سريره كلما قام منه، ينظر لها قبل أن يأكل طعامه في انتظار موافقتها ويتابعها كلما انشغلت، يحكي لها بينما يتناولان الطعام عن وصفة جدته، ويسأل كلما رفعت طبقه بشكل يقل يوميًّا: “هل يمكنني أن أقبلك الآن؟”. في نفس الوقت كانت تجري في القطاعات الثلاثة الكبرى عشرات البحوث والتجارب، لمعرفة كيف حدث ذلك؟! كيف له أن يعبر أصلًا؟!

(6)

أيقظته بحذر، وسألته أن يتبعها.. عبر أسلاك شائكة ثم أمام مبنى كبير عبرت الباب الإلكتروني فعرفها الكروبوت بـ “سارة جين” 54 سنة، مصممة أزياء متقاعدة. عبر وراءها فظهرت كلمة خطأ وتحتها “غير مشمول بالتعريف”. في الداخل انطلق بفرح طفولي، يجمع المكونات ويناديها بصوت عالٍ يمسك الطماطم أو الفطر ويشتمها وتلمع عيناه للكنز.

في قسم الخضراوات، كانت صورة كبيرة معلقة لروز، وهي تغمض عينيها بينما يقترب منها كال ويقبلها تعرض بالتصوير البطيء، أفزعتها هزة يده على كتفها، بينما كانت تبلع ريقها، وعيناها مسمّرتان على القبلة. نظرت إليه وتمنت أن يقول جملته السخيفة تلك، لكنها أمرته بالإسراع والمغادرة في حدة. نظر للصورة وشعر بخوف.

بعد تناول الطعام تمددت وأخبرته قبل أن تستغرق في النوم بأنه سيرحل في الصباح. اعتدل قاعدًا معلقًا بأنه لا يعرف أحد. بصوت ناعس أخبرته عن أصدقاء بإمكانهم مساعدته، وبإمكانه مساعدتهم كثيرًا.

  • مثل ثوار؟
  • نعم شيء من هذا القبيل.
  • المحبون ثوار. (فوضعت وسادة فوق رأسها)

بعد ساعة أيقظته كانت قد حزمت حقيبتين، أخبرته أن يرتدي ملابسه ويتبعها. وعندما هم بترتيب سريره بدا على وجهها غضبًا كبيرا. في الخارج ظهرت على طول لافتات المقاطعة إعلانات، مكافآت ضخمة، تصعيد للشريحة، بيت في القطاعات الثلاثة الأولى، رقاقات مجانية مدى الحياة لكل شيء تقريبًا، كل ذلك مقابل الشخص في الصورة.. صورة جيرارد مال.

في شارع خالٍ كانت تنتظرهم مركبة قديمة، أخبرته أنه عليه أن يركب، أن يثق بهم كما يثق بها، سيكون في أمان. اقترب ليودعها فصدته، وتركته يرحل.

بينما تمر عبر بوابة، وبعد أن عرفها الكروبوت بأنها سارة جين، 54 سنة، مصممة أزياء متقاعدة، شعرت بألم رهيب في عينها صرخت على إثره، بينما تحاول نزع عدسة التعريف المزيفة حتى فقدت الوعي. عندما أفاقت كانت على الأرض، يداها مقيدتان للخلف بينما بعين واحدة غير مصابة استطاعت تخمين أين هي.

جسدها خشن لكن التعذيب هنا يمكن أن يدفع الإنسان لأي شيء، ليس الموت إحداها. أغمضت عينيها وسمحت له أن يقبلها في خيالها.

(7)

كانت الخيانة مستيقظة تتحين الثمن المناسب، معلومة عبر الهاتف ملأت العربات المصفحة بالجنود وأخذوها معهم. عند العنوان نزلوا من العربة وتركوها مع جندي. دخلوا وأطلقوا النار على كل مَن وجدوه دون تمييز، دون فرصة لمحاولات الصراخ أو الهرب، عائلات كاملة في غرف متجاورة تمت إبادتها في دقائق. من غرفة لغرفة يبحثون عن الممثل صاحب أوسكار أفضل قبلة، عندما انتبه لما يحدث قام من فراشه، وسبقوه لفتح الباب الذي همّ بفتحه. وجدوا الغرفة خالية؛ فتركوها وأكملوا للغرفة التي تليها، واستمر إطلاق النار. خرج للممر بين الغرف، وقف بين الخراب، مادًّا يديه لأسفل بانفراجة بسيطة عن جسده. عندها صار الوضع أكثر جنونًا، الجنود بدأوا في إطلاق النار نحو بعضهم البعض حتى لم يتبق أحد منهم، وامتد السعار للشارع، كان يصرخ وينادي بلا فائدة، خارج المبنى كانت ديبي تزحف خارج عربة الشرطة، وتمسك بطنها النازفة بيد مرتعشة. جرى نحوها وأخذها بين ذراعيه، نظر لعينيها وطلب من ألا تخاف عيناه معلقتان بها كأنها آخر الخلق، عيناها معلقتان به كأنه أول الخلق.شعر أنه عليه أن يقبلها  لكن  عينيها  تجمدتا قبل أن يفعل.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون