هاني عبد المريد.. فنان تشكيلي يرسم “أنا العالم”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 42
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ياسمين مجدي

ميلاد كاتب ليس هو الحدث الكبير الذي تنتظره كل العائلات. لكن عائلة عاشت على الأسطورة وتعاملت مع كثير من أبنائها بوصفهم أولياء، ستكون البشارة المنتظرة فيها هي ميلاد كاتب.

يمكن التعامل مع رواية هاني بوصفها نموذج لفترة ممتدة من كتابة الأعوام السابقة عن التجارب الذاتية المليئة بالوحدة والانزواء. كتابة مقبولة جدًا في فترات من الركود والاستقرار السابقة. كتابة ممدودة من داخل قوقعة الإنسان مخاوفه وأحلامه وأساطيره وانزوائه في عالم ثابت بينما الإنسان مشغول بتحقيق سعادته وما فقده وما يعجز عن إدراكه. لكن السؤال الحقيقي إذا كان العالم ينقلب رأسًا على عقب الآن هل ستظل كتابات الشباب منزوية عما يحدث حولها، وتبقى أهمية كبيرة للتجربة الذاتية المليئة بالوحدة والهواجس؟! هذا سؤال ليس عن رواية هاني فقط، لكنه يستطلع ما يمكن أن تقدمه الرواية العربية حديثًا في ظل ذلك العالم العربي المتغير وأحداثه الكبرى الأخيرة. يحاول السؤال أن يفهم إذا كنا سنتجاوز مثل هذه الشخصيات المغموسة في وحدتها وهواجسها. وماذا يمكن أن تقدم المرحلة التاريخية القادمة من أثرعلى البناء الروائي.

“أنا العالم” عنوان رواية هاني عبد المريد التي تخوض في هواجس بطل منزوي داخل أساطير عائلته. لدرجة أنه يصبح صانع العالم، أو حتى العالم نفسه. وهو ليس بطل متفرد، لأن كثير من الروايات الأخيرة تكرر هذا البطل. بطل يغرق في وحدة وتتخلل مسيرته هواجس جنسية لا تضيف شيئًا للعمل، وحب لفتاة يؤمن بها كثيرًا، إيمان لا يبدو في تتابع المشاهد أنه يتجاوز أكثر من كونها تأتي في أحلامه كقطة تثيره، وتؤمن به حين يقول أنه لا يحبها وأنه يحب فقط جسدها. والبطل نفسه سيتسائل طوال الرواية ما الذي يحبه فيها. بالإضافة إلى حيلة قديمة ومكررة يستعملها الكاتب بأن يجعل البطلة حفيدة شخصية معروفة من التاريخ هي محمد كريم.

لتضل الرواية طريقها بين خط رئيس للحكاية عن شاب مصاب بداء عائلته.. مصاب بداء الإسطورة، وهو خط جميل جدًا يخوض هاني عبد المريد فيه في الأساطير بفنية وبين قسم آخر في الرواية يدور في هواجس ومغامرات جسدية تبدو إضافية وعبء على العمل.  وانفصل بصفحاته عن الحكاية، وكان يجنح بعيدًا. بالإضافة لغياب المغزى الحقيقي من وراء الأسطورة الهدف من عائلة تحب الأسطورة وتنتظر ميلاد شاعر فيها. وما الضفيرة التي كان يمكن أن تشد التيارين معًا تيار الأسطورة، وتيار الهواجس الجسدية الجانحة.

اللوحة

يكتب هاني عبد المريد روايته “أنا العالم” بريشة فنان تشكيلي، يرسم لوحات متتابعة ملونة ومبهرة ومليئة بالتفاصيل التي تشبه الحياة  لوحات جمالية متتابعة، فالبنت تجلس أمام بيت مثل كوخ في أوروبا. وزوجة العم كانت تأكل وتلقي بالبذور حولها، حتى نبتت الأشجار حولها وأصبحت تخفيها. يرسم هاني لوحة بتفاصيل كثيرة، يعتني بالتفاصيل بمهارة وفنية مثل الذي يلون المساحات.

التفاصيل المتناثرة هى الأقوى فنيًا، عن رجل يتحول إلى مظلة للعشاق، ومع نهاية الرواية سيجرب الحب، وسيندهش إذا كانت هناك بنت تستطيع أن تحبه، أن تنظر له باعتباره حبيب وليس باعتباره شجرة.

 غالية أم البطل حين يموت زوجها ستختلي بالعوامة الحمراء تشمها لأنها مملوءة بأنفاس زوجها. يراودك هاني عبد المريد طوال الرواية بتفاصيل إنسانية فنية جميلة، ويعتنى بالشخصيات الصغيرة المليئة بالجنون.

السحرية

الأسطورة لها مقام كبير في رواية “أنا العالم” لأنها المحور الذي تدور حوله الأحداث، بداية من الجدة التي تساهم في تقديم علاجات غريبة لمن حولها ليتم شفائهم، مثل زيت قامت بتغطيس فيه فئران. أو قط سلخته وطبخته وأطعمته للمريض. ستكون الجدة حلقة في عائلة تؤمن بالأسطورة، حتى لو كانت أساطير غريبة تخص العائلة.

“رأيت جدتي عالمة ببواطن الأمور، وكأنها رأت كل الأمكنة وعاشت الأزمنة جميعها”. الجدات غالبًا هم من يجعلونا نشعربالأمان وبأن لنا جذور تضرب في الأرض، مسنودون على التاريخ. هذه هي الجدة التي يفتتح بها هاني عبد المريد روايته “أنا العالم”. جدة سحرية، والطفل الصغير الذي يحاول الاحتفاظ بمكانه في عالمها هذا. يفقد هذا الشاب على مدار الرواية عائلته ويسقط في وحدته وهواجسه. وبعدما يموت أبوه يبدأ في كتابة رواية أو خواطر، يبدو مثل تعويضًا لفقده الأمان والسند، يعترف أنه يكتب لكي لا يختفي العالم ربما مع كل ما اختفى من حياته.

تبدو مع نهاية الرواية أن العائلات تاريخ كبير وأن أب مثل عبد الجليل – تعلم على يد الاتحاد الاشتراكي، وله ثقافة موسوعية للحديث في كل الموضوعات رغم أنه مجرد عامل رفا- هو الأب والسند الكبير.وهو التاريخ الذي بضياعه تضيع العائلة بالكامل ويخوض البطل في هواجس يخشى أن يفقد نفسه أو العالم معها. فالعائلات التي شهدت تبدل السنوات والظروف وجودهم سيبدو مثل حائط، هكذا تمامًا بدا الأب عبد الجليل في الرواية شخصية مميزة وقوية وشديدة الانسانية.  وهو الشخص الأقوى حضورًا، والأقوى فنيا من بطل الرواية نفسه.

الحيوانات في الرواية وجودها له ملمح سلبي فالأب يصيب قط في عينه دون قصد ويحلم به في الكوابيس، والجدة تذبح قط وتطهوه، وتغطس فأرين في زيت ليموتا. وهي مقاطع دموية في علاقة تلك العائلة بالحيوانات، ربما يبدو جزائها أن أحد أبنائها اصيب طول حياته بمواء القطط. وهو جزاء لا أعتقد ان الكاتب قصده، لكنه جزاء يرضيني كقارئه.

اللافت أن الشاعر محمد أبو زيد تصدر العمل بمجموعة كلمات عن حقيية الذكريات. وثمة خط يجمع بين الشاعر محمد أبو زيد ورواية هاني عبد المريد “أنا العالم” وهو حس الأسطورة والبناء عليها، وقد كتب هاني في روايته عن شاعر لا تعرفه إلا الديناصورات، الخائفون وساكنو الغرف المشتركة.  وهو شاعر جاء بهذه الصورة تقريبًا أيضا في أعمال محمد أبو زيد. وكأنها رسالة انحياز من صاحب الرواية وصاحب مقولة المدخل، انحياز إلى الخائفين.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم