نوع ثالث

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

شريف الغريني

تعلمت  على يدية كل فنون الجسد ، نزع صديرتى  وسروالى  بنظرة واحدة فى أول لقاء ، لمساته تبدأ من عينيه ، لم تضل يداه طريقها أبداً ، قبلاته بنكهاتها الموسمية كانت تحلق بى فى طائرة صنعتها أحضانه ، علمنى كيف أسبح فى مجهولاته ، تمنيت أن يغرقنى فى أية هوة مظلمة ، كنت أثق فيه وأعلم أنه سيشعلها ضياءً و دفئاً بأدواته الكثيرة ، لم تكن أدوات عشقه  كالتى لدى كل الرجال ، فى كل مرة كنت أتوقع أن يخرج لى أداة جديدة .آه .

..ما أروع مجاهيلة و مفاجآته تلك  التى كنت أعتصرها وألعقها على أصابعه و أمتص جزيئاتها  السائلة على جسدة المعطر بروح النشوة الباعثة لأريج الرغبة المنفلتة . شغلنى كثيراً بأصابعة تلك و بكل أسرارها المباغتة … كم أذابنى فى زوايا أنامله التى كانت تقرأ صفحات جسدى بلمسات عالمة تعرف الطريق أوله وآخره ، تحل شفراتى وتعيد تشفيرى فلا أستجيب لأنامل بعده أبداً .

لكنه رحل بلا نُذر وتركنى  بأختامه  وأكواده كصندوق فرعونى مغلق على أسراره ، صرت بعده باحثة الليل والنهار ، طبيبة أعالج سقم البشر صباحاً  وعاهرة فى الليل ابحث له عن مثيل.

ارتدتُ المواخير ، راقنى فى النهاية مكاناًً بعينه أصبحت عضوة فيه بعد زيجات ألقيت فيها الرجل تلو الآخر من شرفة حياتى  .. انتهى من عملى بالمشفى ، أذهب إلى بيتى ، امارس طقوس التحول ،أخلع الرداء الأبيض وأرتدى خطوطا وخرائط لا يفهمها الا ….

أجلس بصدر شبه عار وسيقان تشعل ذاك الركن الكابى الذى أجلس فيه وحيدة ، أضع على كل رجل يمر أمامى  صورته ،  لقبونى هناك ملكة الليل لأنى أختار رفيق الفراش  ولا أتقاضى أجراً ….شىء ما يذكرنى بفارسى الغائب  فى ظلمات هذا الماخور … الفتنة والشياطين الهائمة فى اركان المكان تذكرنى به … التهامات الشفاة المبتلة برضاب الهوى تذكرنى به.

ذكريات اليمة مرت بى فى هذه الليلة التى كنت فيها جالسة يقتلنى الضجر، انتظر غائب لا يأتى ، استعدت أحداث الليلة الفائتة التى قضيت بعض منها  مع خنزير بائس  اصطحبنى إلى غرفته بالفندق ، شعرت بأسى عميق عندما صدمتنى صورتى معه وهو يقترب منى متعلقاً بأثدائى  ،بعد أن أفرغ شحنته القذرة  بسرعة كالأرنب  ، استلقى على ظهره ، أخرج نقوداً ألقاها لى على الأرض ، بصقت فى وجهه ثم انصرفت لاعنة نفسى  وكل الرجال .

الليلة بالذات اقتحمنى شوق وصل بى الى منتهاه عندما شاهدت للمرة الأولى هذا الرجل الحائر على طاولته ، متردداً لا يشرب من الكأس الموضوع أمامه ، ينظر للنساء ولا يستدعى أى واحدة من أولئك المتربصات ، دخان سيجارتى الكثيف كان يخرج من الظلمة التى أجلس فيها ليحيط بضوء مصباح طاولته ، لم يرى منى سوى شبح ينفث دخاناً بينما كنت أراه جيدا واتابع حيرته ، خلع ساعة يده ، كانما  يتخلص من قيد ، وضعهاعلى الطاولة بجوار تليفونه ، أشعل سيجارة ، سعل بعدها بشدة ثم اطفأها . سحقت عقب سيجارتى فى الرمّادة ونهضت بثبات ، اتجهت ناحيته ،  اقتربت من طاولته حتى رآنى ، لم يدعنى للجلوس ، زحزحت مقعدا خاليا  ليتسع لجلوسى ،  قال لى معتذراً لا مكان لأحد على طاولتى ، تسمرت فى مقعدى ، نظرت فى عينية وإلى تقاسيم يديه ودلالات أصابعه .

قال لى لم أت الى هنا الا من أجل أن أواجه رغبة تراودنى منذ سنوات ، تعودت المرور من أمام هذا المكان فى الصباح المبكر وفى الليل المتأخر ، أعرف تقريباً وجه كل امرأة تعمل هنا  ، شيئ ما  ينادينى من داخل هذا الجحيم ،  اعرضت عنه كثيراً لكنى الليلة قررت مواجهته أو مواجهة نفسى، انا المتزوج ، المصلى الذى يخاف من الخطيئة .

سحبت شالأ كان يحوط وسطى وضعته على أكتافى ، وأسدلته على صدرى العار الذى بدأت عينية فى الأصطدام به ، لم أشعر بالتعرى من قبل مثلما  شعرت أمام هذه العين ، وسامته كانت مثيرة لكل زميلاتى ، اشاراتهم الوقحة اكدت لى أنهم يتمنونه ولو مجاناً ، لكن الأمر اختلف بالنسبة لى ، هذا الرجل ليس كالآخرين ولا كالذى أبحث عنه انه نوع ثالث  لا علاقة له بهرموناتى النزقة ، حرج كبير لم أتوقعه انتابنى… صوته ، اضطرابه الطفولى  ، خوفه من المجهول  ، عطره المائى الشفاف .. ربما كل هذه الأشياء وضعتنى فى أزمة ، نسيت العاهرة التى تسكننى ، تكلمت معه بلسان الطبيبة ، سألته عن اشياء فى عمله ، تكلمنا فى السياسة والدين ، انقضى الليل إلا قليلاً ، استأذنت فى الإنصراف ، خرج معى  ، تجولنا فى الشوارع  حتى آذان الفجر ، تركته وانصرفت مغمضة العين لا أقوى على فتحها أمام انوار مصابيح المسجد الذى هُرع إليه .

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون