نحو الجنون الناعم لمنصورة عز الدين

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

وسط عوالم داخلية تحوطها اشباح القلق والتوتر تسبح منصورة عز الدين بداخل شخصياتها النسائية في مجموعة نحو الجنون

تنطلق الكاتبة من الخارج باجوائه الضبابية او الممطرة او المشمسة الدافئة الى الداخل بانوائه المضطربة وتقلباته غير المحسوبة لتلمس مناطق غامضة في نفوس شخوصها

 

ففي قصة نحو الجنون التي تحمل عنوان المجموعة تحكي امرأة عن جارتها في الشقة المقابلة التي تظهر عليها اعراض الجنون وتسمع من شقتها اصوات اطفال وتقرر ان تدخل شقتها لتجد الاثاث بها مطابق لاثاثها وتواصل البطلة مراقبة الجارة “وهي تخطو بدأب نحو الجنون، كانت تتجه إليه بالبساطة نفسها التي تضع بها أكياس القمامة أمام باب شقتها كلَّ صباح”،وبعد سرد ممتع لحال المرأتين نكتشف في ختام القصة انهما امراة واحدة ضرب الجنون عقلها لان طليقها حرمها من اطفالها

تلعب منصورة على نفس الوتر في قصة حياة زجاجية حيث تراقب البطلة طوال الوقت جارتها الحولاء النحيفة وبعد سرد غرائبي تجيده منصورة في كل اعمالها لتجعلنا نتماوج مع البطلة بين الحقيقة والخيال والحلم تكتشف البطلة انها هي نفسها المرأة الحولاء النحيفة غريبة الاطوار حين تنظر في المرآة

وهنا تبرز قدرة منصورة على رصد ذلك التعدد والانكسار او الانفصام بداخل شخصياتها وهي تخطو نحو الجنون ذلك الجنون الذي يزحف ناعما كثعبان بطئ او كنقط مياة تحفر في صخر عتيد

وليس هادرا او صاخبا وصريحا كما يشي عنوان المجموعة

انها تكتب عن المرأة وقضاياها ومشاكلها ومزاجها ووحدتها القاتلة دون ان تذكر ذلك او تنوه عنه فالبطلات يرين انفسهن سويات بل ويعتقدن ان اولئك اللاتي يخطين نحو الجنون هن اخريات خارجهن تستهجن سلوكهن بل يكدن يشتبكن معهن

ونحن نغوص بداخلهن مع الكاتبة بقلمها الناعملنلمس كل ذلك ونمر عليه بلغة متمكنة تقريرية بسيطة بعيدة عن الحيل والصور البلاغية والمشهيات العاطفية والديكورات اللفظية وهو ماتتعمده منصورة لتصف جنون شخصياتها الناعم

تختار منصورة لحظات فارقة في تاريخ شخصياتها لتضبطهن متلبسات بالجنون بعد ان راقبتهن مليا لسنوات قبل الجنون لانعلم نحن شيئا عن تلك السنوات فهي تكثف لنا لحظات الجنون دون ان تبرر لذلك بتاريخ مرضي او اجتماعي اونفسي

وفي قصة ديجافو تقترب منصورة من منطقة غامضة بالعقل لامرأة وحيدة تتقلب بين عاشقين اصغر منها سنا ويبدو كل منهما سكرتير لديها

يباغت البطلة اثناء قيادتها لسيارتها احساس الديجافو حيث تدخل في مشهد تشعر انها عاشته من قبل بتفاصيله ومع توالي احداث ومشاهد القصة نتعرف الى الشخصية المرسومة بمهارة ودقة دون الاشارة الى مشاعرها او تقلباتها النفسية بشكل مباشر وهو مايمتاز به اسلوب منصورة حيث تنحي جانبا اي وصف للمشاعر التي تنطق بها سلوكيات الشخصية وتصرفاتها وفي نهاية القصة تفاجئ البطلة بصديقها كريم وقد اقام علاقة مع خادمتها الشابة فتصطحب الخادمة في سفرة مفاجئة بالسيارة الى الساحل الشمالي حيث تنتهي القصة وهما على مبعدة امتار من مشهد الديجافو الذي ترائى فيه للبطلة انها قتلت خادمتها

لاتعيد منصورة تفسير مشهد الديجافو بل لاتذكره فهي تراهن هنا ايضا على ذكاء القارئ الذي يشاركها اعادة تركيب العالم من جديد ولو بالانجرار معها بنعومة نحو الجنون

على مستوى التقنية لاتلتزم منصورة بالسرد التقليدي فهي تكتب المشاهد المتقاطعة او المتوازية وباصوات متعددة للابطال وعلينا ان نجمع اطراف الحكاية لندرك ابعادها

فقصة جنيات الليل تحكي عن شغف امراة ريفية بجنيات قيل انهم يسكن النيل الذي سكنت بجواره ولاتخيب الجنيات قناعتها باسطورتهن فيظهرن لها كأشباح نسوية يتراقصن الى أن يضبطها زوجها عارية متمددة وسط اشجار الكافوروهي في نوبة تواصل مع جنياتها المتخيلات  فيضربها ضربا مبرحا تخرج منه صامتة واجمة وتفقد معه جنياتها اللاتي ينتقلن للعيش بداخلها كذكرى

لاتذكر منصورة ان زينات مقهورة وحيدة محرومة من اي تواصل ادمي تعاني عشرة رجل خائن لكننا نكتشف ذلك من الاحداث باصوات الشخصيات ومنهم الزوج الذي يأتي بعشيقته لتزوره شهريا بعد ان اصبح عاجزا عن زيارتها فتصاحب العشيقة الزوجة الصامتة دوما مع الزوج وكأنها تسلخه بعقدة الذنب ولسان حالها يقول ليست المرأة الاخرى هي المسئولة عن خيانتك لي فمعركتي معك انت تلك المعركة التي تستخدم فيها سلاح الصمت والطاعة التامة ورعايته اثناء مرضه وشيخوخته مايزيد من شعوره بالاستياء العاجز بعد ان امعن في ايذائها بدنيا ونفسيا حين كان قادرا على ذلك

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم