نافذةٌ.. مرآةٌ وسوادٌ

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 18
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

البشير الأزميظُلْمَةٌ

أُحِسُّ بالتعب..

 ينوسُ الكسلُ في عينيَّ، أشعرُ بحواسي تتخدر.. أستلقي على سريري وأدفن جسدي في مملكة النوم..

غرقتُ في ظلمة الغرفة..

كل شيء حولي أسود، سقف الحجرة.. الجدران.. السرير الذي أستلقي عليه.. الحبابة المتدلية من السقف.. أرفع يديَّ وأقربهما من عيني، تحجز الظلمة عني رؤيتهما.. أغمض عينيَّ وأسيح في الظلام..

أفتح عينيَّ..

أراني واقفاً أمام المرآة.. ألتفتُ خلفي أراني ما زلتُ مستلقياً على السرير.. بيني وبين الطيف الماثل أمامي مساحة كشف عنها بصيص النور المطل من النافذة شبه المواربة..

أعود حيث كنتُ قبل حين، أتحسس جسدي الملقى على السرير، أتأكد من وجودي؛ مِنِّي. طيفي الماثل أمامي يقترب من المرآة، يخاطب صورته المطلة عليه.. يهمس له:

 “خلفَ المرايا جسد

يفتح الطريق

لأقاليمه الجديدة

في ركام العصور[1]

وماتت بقية الكلمات بين شفتيه..

التفتَ صوبي، اقتربَ أكثر من المرآة، وكَرَّرَ ما قاله كأنه بحاجة إلى إقناع نفسه..

إقناع نفسه؟.. مِمّا؟ ولماذا؟..

النظرة المطلة عليه من المرآة أشبه بطعنة خنجر أصابتِ القلبَ فأردته عليلاً..

يبتعدُ الطيف عن المرآة، أنهض بتؤدة وأقف قرب النافذة، أُطِلُّ..

الأشجار المتناثرة هنا وهناك فقدت أوراقها، لم تعد المنطقة خضراء تدخل البهجة على الرائي.. أوراق صفراء ميتة تغطي الأرض وتحدث صوتاً عندما تدهسها قدم راجل..

فتح باب الغرفة، في غفلة منِّي، وخرج. تبعته وأنا أُناديه باسمه؛ باسمي.. بكيتُ وصحت..  لم يلقِ بالاً لصياحي وبكائي.. فَعُدْتُ..

عدتُ إلى الغرفة، اقتربتُ من النافذة.. النساءُ والفتيات عائدات من الحقل.. شمس هذا الفصل تُشرق باهتة فتظلمُ السماءُ، اليوم أشرقت مضيئة أكثر على غير العادة، علاماتُ التعب بادية على النساء والفتيات، ثيابهن مبللة بالمطر الذي ينزل رذاذاً، والوحل يغطي بعضاً من ثيابهن، وهنَّ غير عابئات لذلك، يرددن أغنية حفظنها جيل عن جيل، تمَجِّدُ النساء، وتشكو الله ظلم وجبروت الرجال.. ويرسلن زغروداتٍ متواصلة..

مازالت الغرفة مظلمة، الشمس في الخارج تطل من بين السحب من فينة لأخرى وتغيب.. على ضوء المصباح اليدوي الذي أخرجته من جيب سترتي، ومَرّرتُ به على ما حولي بدت لي ملامحه باهتة.. أغمضتُ عينيَّ.. فتحتهما.. لا أثر لطيفي أمامي..

أطللتُ من النافذة من جديد..

انتابني الفزع وطفرَ قلبي بقوة.. يدا طيفي في الخارج تنضحان عرقاً، وهو يكلِّمُ نفسه. كانت نبرة كلامه، التي تصلني همساً، تميل إلى النشيج، حاول أن يُطَوِّعَ نبرة صوته ليخفي ألمه.. كان قلبُه مُتْرَعاً بالأحزان.. يداه تنضحان عرقاً، وقشعريرة تجتاح جسده، بدت لي هيئته بلون الرماد القاتم..

أُحسُّ بيديَّ تنضحان عرقاً، يتحول العرقُ إلى دمٍ يسري بين أصابعي، أدخل إلى المطبخ، أقف عند المجلى.. أغسل  جراحي وأضع عليها مُعَقَّماً وأُضمِّدُها..

أطل من النافذة، في الخارج، الماءُ يندفع هادراً من الجداول وينتحر في النهر، جارفاً معه بقايا أشجار وتراب وجثث حيوانات نفقت.. أحدق في ما جرفه النهر.. جسدي ملقى بين النفايات التي جرفها السيلُ..

أَلْتفتُ حولي لا أثر لطيفي..

………….

– من قصيدة ” كيمياء النرجس حلم” لأدونيس[1]

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون