مي التلمساني: الغرب يبحث عن مشكلات الواقع العربي بصيغة روائية

موقع الكتابة الثقافي may telmesany 10
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورتها: سماح عبد السلام

تمارس الروائية مي التلمساني عدة فنون إبداعية تتنوع ما بين كتابة الرواية والقصة والنقد السينمائي بالإضافة للتدريس الجامعي ولكنها تعتبر نفسها روائية في المقام الأول مؤكدة أن الكتابة بديل حياة لا تستطيع أن تعيش بدونها كونها تعبر بها عن نفسها كما تعيش من خلالها عدة تجارب علي الورق ربما لا تستطيع معايشتها في الواقع.

أحدث أعمالك الأدبية رواية أكابيلا، فماذا عن العالم الذي تتناولينه من خلالها؟

– أكابيلا كلمة إيطالية في الأصل وهي مصطلح موسيقي يعني الغناء المنفرد، تتحدث الرواية عن صداقة بين امرأتين إحداهما تموت في بداية الرواية والأخري وهي الراوية تحاول إعادة قصة صديقتها من وجهة نظرها ومن خلال يوميات تكتبها البطلة المتوفاة، حيث تحاول صديقتها إعادة كتابتها مرة أخري كي تعيد انتاج حياة صديقتها المتوفية من خلال قصة الصداقة هذه، كما يضم العمل أربع شخصيات ذكورية تربطهم علاقة تواصل بالصديقتين سواء كان زوجا أو حبيبا أو صديقا، تشكل الشخصيات الست الرئيسية المحاور التي تدور أحداث الرواية حولها.

وما الذي أردت قوله من خلال أكابيلا إذن؟ –

لقد كتبت هذه الرواية قبل الثورة بفترة وجيزة، حيث أردت مناقشة أشكال مختلفة من علاقات الصداقة أوضح من خلالها أن الصداقة بين سيدتين ليست بالضرورة أن يكون فيها تضامن بحكم كونهما من نوع واحد، لكنها ربما تحمل قدرا من الصراع والغيرة والحب المبهم والرغبة في الاستحواذ وأشكال مختلفة من الصداقة التي تجمع بين الصديقتين، فعندما تتدخل في العلاقة شخصية رجل تتطور الأمور في اتجاهات مختلفة، كما قمت بتحليل نوع هذه الكتابة من خلال هاجس الكتابة والفن بصفة عامة لأن إحدي البطلتين فنانة تشكيلية والأخري مترجمة تحاول أن تصل في لحظة ما من لحظات وعيها وعلاقتها بصديقتها هذه لمرحلة الكتابة أيضاً لتتحول لكاتبة أو فنانة، في خلفيات الشخصيات تظهرعلاقتهم بالفن التشكيلي والإبداع، فقد فضلت الدخول إلي عالم المثقفين الأقرب لنفسي.

تقومين بتدريس الأدب العربي بجامعة أتاوة بكندا، فكيف ترين حضوره خارجياً خاصة أن البعض يري أنه ذو تأثير ضعيف؟

– حضوره ضعيف لأنه يعتمد بالأساس علي الترجمة، كما أن الأعمال الأدبية العربية العظيمة لم تتم ترجمتها جميعها، وإن كانت هناك بعض الترجمات ولكنها لا تمثل تيارا بعينه، وقد حدث الاهتمام بالأدب العربي والترجمة بعد حصول نجيب محفوظ علي نوبل لكن المشكلة أن ما يترجم ينشر في دور نشر صغيرة ليس لها تأثير كبير علي القارئ الغربي، أو الانتشار المتوقع ولكن هناك طفرات حيث يمكن الحديث عن كتّاب بعينهم لهم حضور قوي في اللغة الفرنسية باعتبارها اللغة الثانية التي أقرأ بها، حيث استطاعوا أن يصنعوا لأنفسهم مكانة وسط المترجمين من العربية للفرنسية مثل صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر من أكبر الكتاب المعروفين خارج مصر ومؤخراً علاء الأسواني.

إذن ما الذي يتوقعه وينتظره القارئ الغربي من الأدب العربي؟ –

 ما يتوقعه القارئ الغربي من الأدب العربي ضعيف وهو أدب غير معروف علي عمومه فرغم المعرفة ببعض الكتّاب لكن لا يوجد من يعرف من العالم الغربي مسار وتطور الرواية العربية، ورغم ترجمة ومعرفة بعض الكتاب العرب مثل إلياس خوري ورشيد الضعيف ولكنهم أسماء محدودة لا تمثل تيارا، فالمتلقي الغربي عادةً ما يبحث عما يوازي نشرة الأخبار، حيث يتوقع أن يري في الأدب ما يراه في نشرات الأخبارمن عنف ومشكلات اجتماعية وثورات مؤخراً، صعود التيار الديني، المصدر الرئيسي للغرب جاء من بوابة الإعلام وبالتالي عندما يبحث عن كاتب عربي من المفترض أنه يرد ويتفاعل مع الأحداث الجارية، لكن إذا جئنا لكتاب جيل التسعينات الذين أنتمي إليهم فليس لهم بالضرورة كتابات بارزة تتحدث عن الواقع المصري وبالتالي القارئ الغربي لا يهتم أصلاً بالبحث عن أعمالهم أو ترجمتهم لأنه لن يجد ما يتوقعه لديهم، جزء من نجاح عمارة يعقوبيان في ترجماتها المختلفة أنها تلمس عدداً من مشكلات الواقع المصري وبالتالي تحقق قدراً من الإشباع كونها تعطي بعض المعلومات بصيغة روائية عن هذا الواقع للغرب، ما أقصده أنه ليس دائماً ما يكون الاهتمام بالأدب كأدب ولكن اهتماما به باعتباره تعبيرا عن واقع حيوي معيش في اللحظة الراهنة.

من خلال أطروحتك للدكتوراة والتي كانت عن صورة الحارة في السينما المصرية كيف رأيت الحارة التي قدمها نجيب محفوظ ومدي اختلافها عما قدمه الآخرون؟

– حارة نجيب محفوظ هي المنبع الرئيسي لكل أفلام الحارة في السينما المصرية وما تصوره محفوظ عن الحارة بدأ من زقاق المدق في نهاية الأربعينات حتي الحرافيش، الحارة التي استوحاها معظم السينمائيين في مصر وخارج هذه الحارة كتب نجيب محفوظ سيناريوهات تدور أحداثها في الحارة في مصر وقدمها بنفس الشكل النمطي المرسخ لنموذج واحد، بالنسبة لي المعضلة ليست في الحارة ولكن الاختلاف في كون الحارة هي النموذج الأوحد للهوية المصرية وليس الريف أو المناطق الأخري التي تزخر بها مصر.نري مخرجا مثل محمد خان تخصص في تقديم المدينة الكبيرة وهو نموذج مناقض للحارة يصنع نوعا من التوازن في الحديث عن شخصية المكان كمقياس للتعبير عن هوية الفرد.

علاقتك بالكتابة بدأت بالقصة، فهل تعتقدين أن القصة القصيرة سوف تعود لتتبوأ نفس المكانة التي نافستها فيها الرواية؟

– ربما ليس في الزمن الحاضر، لا نتحدث بمنطق جنس أدبي وإنما بمنطق السوق أيضاً التي هي للرواية حالياً، فالقارئ يفرض علي السوق رغباته وتوقعاته، فكرة منافسة القصة القصيرة للرواية في سوق الكتب ستكون موضع شك كبير في الفترة القادمة وهذا ينطبق علي الشعر أيضاً كونه لا يستطيع أن ينافس الرواية بالمعني التسويقي للكلمة، لكن إذا نظرنا للنوع نفسه نجد أن كثيرا من الروايات الحالية مبنية علي أحداث ومقاطع متصلة منفصلة، الرواية تبني شبكة من العلاقات هي في الواقع علاقات القصة القصيرة سواء كانت مكتوبة بهدف المتتالية القصصية وأخذت الشكل الروائي أو مكتوبة بروح القصة بمعني اعتماد المقاطع المتصلة المنفصلة وكل هذا يخلق نوعاً من أنواع التزاوج بين الأنواع الأدبية يجعلنا نقول احياناً إن القصة القصيرة تخطت الحاجز النوعي الخاص بها، ولأنها بدأت تدخل في شكل متتالية، روايتي “دانيا زاد” كانت مكتوبة بروح القصة القصيرة منذ البداية وقد احتفظت بهذه الروح من خلال العناوين الداخلية في الرواية وكذلك هليوبوليس بنيت علي مقاطع، فالفصل الأول عبارة عن وحدة قائمة بذاتها يمكن اعتبارها قصة قصيرة، كما كُتبت أكابيلا بنفس المنطق لأنها رواية مسلسلة وبعض الفصول بها تمثل لي قصة قصيرة ومن هذا السياق تنفصل عن الشكل الروائي.

تمارسين كتابة القصة والرواية والنقد السينمائي بإلاضافة للتدريس الجامعي، فأي زاوية تجذبك إليها أكثر؟

– الرواية بالطبع، حتي فكرة أن أعتبر نفسي أستاذة جامعية تأتي في فترة لاحقة حيث أهتم بتقديم نفسي ككاتبة وأري أني روائية أكثر من كوني أستاذة جامعية أو ناقدة، لكن في النهاية هناك تداخلات كثيرة بين الأنواع الإبداعية، أمارس النقد بشكل أساسي وجزء كبير من عملي الجامعي نقدي باعتباري أقدم أبحاثاً للجامعة، كما أحاول أن أكون مبدعة في النقد دائماً لأن النقد يساعد علي قراءة عملي الإبداعي قبل نشره بعين ناقد، وإذا كان هناك اهتمام بالسينما فهو من أجل الكتابة عنها، فالإبداع به عناصر بصرية، حيث أكتب بروح المشهد مما يجعلني بعيدة عن عمل السينما وفي النهاية أفضل المزج بين العناصر الإبداعية.

صرحت بأن الكتابة بديل للطب النفسي، فهل تكتبين من هذا المنطلق؟

 – أكتب لأنه لا توجد بدائل آخري، الكتابة فعل قدري ليس له بديل، هي وسيلة للتعبير عن نفسي، وهنا أذكر جملة لفيلسوف فرنسي “الكلام نجس أما الكتابة فهي طاهرة ” وأنا شخصية صامتة، هناك من يتحدث كثيراً بدون مضمون أو لمجرد ملء الفراغ، أحيانأ أشعر بالقلق من أن أكون في مكان وبحاجة للكلام ولكني لا أقلق مع الكتابة، فهي دائماً فعل إرادي، فعل به تأمل، تفكير، اندفاع، وهناك مسافة بين التفكير والكتابة في حد ذاتها، الكتابة بالنسبة لي فعل حياة لا أستطيع العيش بدونها، وعندما أتحدث عن روايتي أكابيلا وعلاقتها بفكرة الصداقة وكيف أنها ملتبسة وبها مستويات متعددة داخل الصديقتين معاً أو مع الرجال فهذا الشكل من العلاقات حتي أفهمه ليس بالضرورة أن أعيشه لكن ربما أكتبه ومن هنا تأتي أهمية الكتابة التي تجعلني أعيش تجارب علي الورق فتحقق لي نوعا من التوازن النفسي، فالكتابة بديل حياة وبدونها لا حياة، والحياة الحقيقية هي التي يمكن تحقيقها من خلال الكتابة .

 هل إفصاح المرأة العربية عن الهوية الجنسية في الأدب يسمح لها بالقول هذا جسدي؟

 – المرأة العربية بصفة عامة لديها مشكلة مع صورة الجسد وتخيلها عنه، فالكاتبات العربيات حاولن بدرجات متفاوتة وفي أماكن مختلفة كسر تابوه الجسد، أما القضية الأخري فهي علاقة الجسد مع الآخرين، العلاقة الجنسية عندما يتم النظر إليها يكون بحذر شديد وهذا مهم جداً لأنه من السهل وقوع الكاتب في الإسفاف وهو الأمر غير المطلوب في الأدب ولكن علينا أن نلمس بدرجة من درجات الوعي الحقيقة علاقة جسدين معاً حتي ننجح في هذا بشكل واقعي بعيد عن الاسفاف والتخيل سنجد صعوبة من النادر تخطي الكاتب لها سواء كان رجلا أو أنثي .

دعوت لمبادرة إقامة دولة مدنية، فماذا عن هذه المبادرة؟

– بدأت المبادرة خلال ال18يوم الأولي للثورة المصرية، بدأتها وأنا في كندا حيث أقيم، فلم أستطع الحضور لمصر حينها ولكني كنت أتابع الأحداث من خلال وسائل الاتصال المتعددة، وقد شعرت في لحظة من لحظات تطور الثورة خاصة خلال اللجنة التي شكلها الرئيس السابق وفصيل الإخوان المشارك في لجنة الحوار ومن خلال استقرائي للواقع وتحليل الموقف حينها وجدت أن الثورة التي بدأت مدنية ربما تنتهي إسلامية مما شكل بالنسبة لي مصدرا من مصادر التخوف وقد أثبت الإيام صحة تخوفي، فقد سيطر صوت التيار الديني علي الثورة فقررت أن تكون مشاركتي في الثورة عن طريق الوعي والتوعية الشيء الذي أستطيع فعله، وكأستاذة جامعية أنشأت موقعاً علي النت باسم “دولة مدنية، هدفه الترويج لفكرة مدنية الدولة، نشرح من خلال عدد من المثقفين والنشطاء والفيديو الذي أنتجته المبادرة علي مدار أكثر من عام، قد اتسعت المبادرة وأصبح هناك جروب علي الفيس بوك اسمه دولة مدنية، المبادرة للتوعية بمدنية الدولة والمخاطر التي تهدد مصر المتمثلة في العسكر والتيار الديني ومتابعة ما يحدث من انتهاكات، وهذه المبادرة كانت إحدي المؤسسات التي طالبت بإسقاط اللجنة التأسسية للدستور والمطالبة بلجنة جديدة يمثل فيها الجميع.

من خلال إقامتك وعملك بالخارج كيف ينظر الغرب للثورة المصرية؟

– في فترة ال18 يوما للثورة وما تلاها من إسقاط مبارك وبعد نجاح الثورة التونسية ركع الغرب أمام عبقرية الشباب المصري الذي استطاع القيام بثورة سلمية وانبهر العالم كله، وقامت حركات احتجاجية ضد الحكومة الكندية ومعظم المدن الكبري تنادي بتطبيق نفس آليات الثورة المصرية، نظر الغرب للنموذج المصري والتركي كنموذج يحتذي به في الاحتجاج السلمي لكن مع تطور الربيع العربي ودخولنا في دهاليز ومناطق أخري بها عنف كثير مثل اليمن وسوريا تغير الوضع ضد المجتمع العربي مرة أخري وبأنه يتم تصوير الحكومة بأنها إرهابية وديكتاتورية تمارس القمع والإرهاب ضد الشعوب وعندما ينظر المجتمع الغربي لهذه الشعوب يترسخ في ذهنه تصور أن المجتمع العربي لن ينهض بسبب الديكتاتورية التي تمارس عليه، فقد تغيرت الصورة وبعدما كان الحديث عن الثورة المصرية في صالح الصورة كعرب حدثت انتكاسة كبيرة.

ثمة هدف أو رسالة معينة تسعين إليها من خلال كتاباتك؟

– إن العالم الذي نراه متعددا ومتشابك الأطراف ولا يمكن أن نعبر من خلال عمل إبداعي عن حقيقة مطلقة، دائماً ما تكون فكرة زعزعة اليقين أساسية، الحقيقة ثابتة ومطلقة من الأزل إلي الأبد وهذا شيء يأخذ أشكالا وأنماطا مختلفة في الإبداع وعندما ندخل عنصر الشك في العمل الإبداعي نلمس منطقة أخري في الوجود بصفة عامة هي أن الوجود متعدد والآراء مختلفة ومتنوعة، كما أن مساحة التسامح والتفاعل مع الآخر كبيرة ومن المفترض تنميتها وتعميقها.

هل هناك اتجاه أدبي أو مدرسة معينة تنتمين إليها؟

تم تصنيفي ضمن جيل التسعينات وهو الجيل الذي سمي بأنه لا ينتمي أو يهتم بالقضايا الكبري، يكتب عن ذاته، يقدم كتابة بصرية أكثر من الكتابة الأدبية الرصينة وكل هذه الاتهامات أعتقد أنها جزء من تشكيلي الإبداعي ولا أعتبرها اتهاما، نعم هي كتابة ذاتية وبعيدة عن القضايا الكبري ولكنها تلمس ما يسمي بالتاريخ غير الرسمي وربما من وجهة نظر نسائية طوال الوقت سواء في روايتي دنيا زاد أوهليوبوليس وأكابيلا، دائماً هناك شخصية نسائية نري العالم كقراء من وجهة نظرها، أعتبر هذه قضية في حد ذاتها وأنها تفرز تصورا جديدا عن مشاعر المرأة ورؤيتها للعالم وإحساسها بوجودها داخل العالم، فكل هذه عناصر علي الأقل بالنسبة للأدب العربي تحتاج لتجديد وإعادة تفكير وهو ما يحدث من خلال العملية الإبداعية، فانتمائي هنا هو لنوع من الكتابة غير محسوب علي ما يسمي بالأدب الملتزم ولكنه متزن فنياً اتجاه فنية الرواية وبقضايا معينة مثل تفتيت وتعددية الرؤية وكيف أن الأصوات لها مساحة من الوجود ومن حقها أن تتجاور وألا يعلو صوت علي الآخر أو يقصيه.

 أخيراً ما الذي يشغلك في اللحظة الراهنة؟

 – مستقبل مصر، أكثر ما يقلقني هو كيف ستخرج مصر من ثورة ربع مكتملة، فقد حصلت علي إجازة من عملي بالتدريس في كندا لمدة ستة أشهر حتي أشارك في هذه اللحظة، محاولة المشاركة بقدر الإمكان وبناء ثورة حقيقية تحقق أهدافها الفعلية وهي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فالثورة أعطتنا الفرصة للحلم وأريد المشاركة في صنع هذا الحلم، بالإضافة لوجود أمل لدي أن تكون كل أحداث الثورة وما أعيشه من تجربة من داخل الثورة يفرز عملا إبداعيا في المستقبل له علاقة بالثورة، فأنا صاحبة عين علي النضال وأخري علي الإبداع .

………………….

* نشر في القاهرة يوم 29 – 05 – 2012

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم