ميسون صقر: وضعي الاجتماعي جعلني اكثر تمرداً

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورها : محمد أبو زيد

تتعدد حالات ميسون صقر الإبداعية، فهي شاعرة، ومن باب الشعر دخلت الفن التشكيلي، ومن هذين البابين وطأت أرض العامية المصرية، لكنها في لحظة أوصدت الأبواب جميعا وقفزت إلى عالم الرواية.. أثمرت هذه الرحلة عدداً من الدواوين الشعرية والمعارض التشكيلية اللافتة، ورواية أثارت الكثير من الجدل حول همومها وطرائق تشكيلها، هنا حوار معها:

* تبدو المشهدية إحدى السمات العامة في القصيدة لديك، كيف ترين ذلك؟

ـ بالفعل، بدت المشهدية في أعمالي الأولى مثل «جريان في مادة الجسد»، و«تشكيل الأذى»، وفي «البيت»، وأيضاً في «رجل مجنون لا يحبني». وإن في هذا الديوان الأخير كانت تنحو منحى القصيدة ـ القصة، بالنظر إلى التركيب الواضح في القصيدة. أيضاً تمثل المشهدية بالنسبة لي تقارباً بين المستمع والملقي، ويرتبط بها المكان أيضاً.

* ألاحظ تكرار تيمة السفر والرحيل والاغتراب في أعمالك، إلام يعود هذا في رأيك؟

ـ ربما يعود إلى عدم الاستقرار، وعدم وجود استقرار نفسي في بيئة ما والانتقال من حالات متعددة من الامارات إلى القاهرة ثم إلى الامارات للعمل، فهناك انتقال دائم داخلي، وهناك عين ترى خارج المكان الذي استقر به. فإذا كنت في الامارات أنظر إلى القاهرة، وإذا كنت في القاهرة أنظر إلى الامارات، فدائماً هناك فكرة الرحيل. وهو رحيل أيضاً في الزمن وليس المكان فحسب، رحيل عن الأصدقاء، وهي مرتبطة في ذهني بفكرة الفقد. وربما تجد في كتابتي الكثير من الفقد، وعدم الاستقرار، وينعكس هذا على شكل القصيدة نفسه، فتجد قصائد في ديوان «البيت» مثلا، سردية بالكامل، ثم قصائد قصيرة، ثم قصيدة طويلة في الريهقان، ثم المشهد واضح تماماًَ في «رجل مجنون لا يحبني». وهناك التحولات في «تشكيل الأذى»، فالشكل أيضاً عدم استقرار، عدم ثبات بداخلي، وهذا ينعكس على مسألة الرحلة التي بدأتها منذ صغري للانتقال من مكان إلى آخر، والانتماء إلى مكانين في الوقت نفسه، والإحساس الدائم بالغربة، فأصبحت كل أمتعتي في جسدي، ولم تعد لدي أمتعة كثيرة خارج هذا.

* لو تحدثنا عن ديوان البيت تحديداً، وفكرة الكتابة عن المكان، هل قصدت الكتابة عن المكان بالذات في هذا الديوان؟

ـ أنا كتبت ديواني «جريان في مادة الجسد»، و«البيت» في وقت واحد، وكانا ديوانا واحداً، وأنا أكتب وجدتني أنحو ناحية تخليص فكرة «البيت» من داخل القصائد، وهي نفسها التي أكملت عليها في (الآخر في عتمته) ثم في ريحانه، حيث نجد فكرة البيت والحصن والغرف.

* لكن فكرة البيت بما توحي به من الغرف، والنوافذ المغلقة، والجدران تحيل دائماً إلى فكرة المرأة الشرقية التي تبحث عن الحرية، هل ينطبق هذا عليك؟

– ربما، لأن هناك قصيدة عن الشقوق في الجدار. انها هي التي تفتح الأمل للشخص المحبوس داخل المكان، وفي الكتابة ذاتها لست محبوسة فقط داخل الجدران، وإنما محبوسة داخل ذاتي، داخل نفسي، أنا أغلقت في البيت الأبواب والنوافذ ولكن فتحت للأحلام عالماً كبيراً على الجرأة.

* البعض يرى أن قيمة الحب في ديوانك «رجل مجنون لا يحبني» قيمة شكلية، فارغة من الحب نفسه، ما رأيك؟

ـ ربما، مع أني طرحت فكرة أنه ليست المرأة هي التي تتعزز والرجل هو الذي يتعذب، ولكن المسألة فيها قدر من المراوحة بين الاثنين، فجريت وراء القصيدة، أكثر من حالة الحب نفسها، بالرغم من أنها لحظات صادقة جداً. ولكن ما إن أبدأ اللعب في القصيدة حتى يتحول الحب إلى شكلي، وربما حدث هذا، لأنه كانت لدي رغبة في الابتعاد عن فكرة الرومانسية الزائدة، وربما وقعت فيها. غير إني، وأنا أكتب، كنت أريد أن أبتعد، كنت أريد أن أقدم لعبة، مسرحية شكلية في اللغة.

* حسناً، ما هي قيمة الشكل بالنسبة لك في القصيدة، وهل لهذا علاقة بممارستك الفن التشكيلي؟

ـ قبل ممارستي للفن التشكيلي كنت صارمة في بناء الشكل، ولكن بعد ذلك بدأت أشعر أنني أدخل إلى غنائية الشعر، فأردت أن أتخلص منها، خاصة أنني متمردة على كتابتي ذاتها، فوجدت أن الكتابة السردية والمفتوحة على أفق واسع أفضل لي ولتجربتي، ولكن لا تخلو كتابتي من المعمار، كيف ترتبط الأولى بالثانية، بالثالثة، الإعادة، إغلاق النص، بدايته. ودائماً حين أقرأ للآخرين أبحث عن هذا، وربما أكون قد استفدت هذا من الفن التشكيلي، وهو كيف أحول القصيدة إلى شكل لا يرتبط بالفن التشكيلي فحسب، وإنما بالشعر، ويحمل مضمونه من دون أن يكون بشكل تقليدي.

* عندما تذكر ميسون صقر يذكر ديوانا «تشكيل الأذى»، و«رجل مجنون لا يحبني» فقط، في اعتقادك لماذا لا يذكر الناس أعمالك الأولى؟

ـ يرتبط هذا بواقعي الاجتماعي، فأنا بدأت عام 1983 بديوان «هكذا أسمي الأشياء»، ووزعت منه نسخاً قليلة جداً، وكانت هناك مشكلة في بيتي بسبب جرأتي في الكتابة. ومنعني والدي من الكتابة فظللت أكتب ولا أنشر طيلة عشر سنوات، ونشرت بعد ذلك 3 دواوين كأنها منشورات أطبعها، وأوزعها بشكل شخصي، فكنت أتحكم في التوزيع حتى لا يعود الديوان إلى بيتي مرة أخرى، إلا الديوانين الأخيرين فقد كانا عن داري نشر، وأعتقد أن ديوان «البيت» لاقى نجاحاً وكذلك «السرد على هيئته» وربما لخوفي من التوزيع ظلمت نفسي في دواويني الأولى.

* هل يمكن أن نقول إن سبب شهرة ديوانيك الأخيرين عائد إلى انك استفدت فيهما من طاقة قصيدة النثر وحريتها في التعبير؟

ـ ربما، لكن الكاتب عموماً لا يثبت على حال، فإما أن يتطور وإما أن يتراجع.لا يوجد ثبات، وأعتقد أنني كنت دائماً أبحث عن الشكل، عن التغيير، وكنت أبحث تماماً، حتى بين الكتاب الشباب، عن النصوص الجديدة، فعندي رغبة دائمة في التعلم، والتطلع إلى الجديد وبرغبة في تطوير نفسي، وهذا من دون ادعاء بالتواضع، وأنا كما أنظر للخلف، أنظر أيضاً للأمام، فاستفدت كثيراًَ من تجارب علاء خالد، عماد أبو صالح، احمد يماني، محمد المزروعي، إيمان مرسال، لأني كنت أشعر بأن لديهم طرحاً جديداً مختلفاً، لابد أن أناقشه، وكنت في فترة أشعر بالولاء للسبعينيين رغم أنني لست سبعينية، بعد ذلك تحولت إلى الثمانيين، ثم بدأت أنظر للأمام، وكلما كتبت تطورت الكتابة والأدوات.

* هل يمكن اعتبار السرد في ديوانك الأخير «رجل مجنون لا يحبني» هو الذي نقلك لكتابة الرواية؟

ـ من الممكن أن يكون السرد في هذا الديوان نقلني للرواية، رغم أنني طوال عمري أقول انني لن أستطيع أن أكتب رواية، ولا قصة، ذلك لأنني لا أملك القدرة على الحكي، ودائماً كنت أرى أن الذي يكتب الشعر لا يستطيع أن يكتب الرواية لأن الشعر أكثر تكثيفاً، ويحتفل بأشياء مختلفة عن تلك الموجودة في الرواية. لكن الرواية التي كتبتها كانت بداية كتابة سيرة حياتي وكنت كلما أقرر أن أكتبها يحدث شيء يعوقني بأن يموت شخص من أبطالها، فأقرر أن أغير الشخص الذي أكتب عنه بشخص آخر، فيمرض هذا الشخص، فأغيره، فيمرض الشخص الجديد الذي قررت أن أكتب عنه، وفي النهاية قررت أن آخذ خادمة من خارج العائلة. وكنت أكتب الرواية في غرفة الإنعاش وأنا أجلس مع والدتي في أميركا لمدة ثلاثة أشهر، ولم يكن لدي أحد أحكي معه سوى القلم، فكانت رواية «ريحانةش، مع اني لم أقصد أن أكتب رواية.

* عندما يتحول الشعراء إلى كتابة الرواية، تكون أولى رواياتهم أشبه بسيرة ذاتية، بالنسبة لك كيف كان الأمر؟

ـ في الرواية بعض من سيرتي الذاتية، لكن ليس كلها، فرحلة الدخول والخروج هي رحلتي أنا، وبها أشياء عن أهلي.

* حسناً هل يمكن اعتبار الرواية سيرة ذاتية لك؟

ـ لا، لأن بها أشياء لا تخصني بالمرة.

* لكن بها أشياء تخصك، أليس كذلك؟

ـ نعم، شخصية الأم، وشخصية الجدة شخصيتان حقيقيتان، ولكني أضفت عليها أشياء من عندي، أيضاً شخصية البنت أضفت عليها أشياء من خيالي، الخادمة أيضاً بها أشياء من شخصيات أخرى.

* من التيمات الرئيسية في رواية «ريحانة» تيمة العبودية والحرية، هل قصدت مناقشة هذا الأمر؟

ـ أتصور أن الإنسان بدون حرية لا يستطيع أن يكتب أصلا، وأنا عشت عالماً به الحرية والعبودية متجاورتان، وعشت أيضاً ممنوعة من الكتابة حوالي ثماني سنوات، وهذا به أيضاً نوع من العبودية، والذي يطرح هذا يطلب منا الحرية، فوالدي شخص تقدمي، وشاعر، ووطني وناصري وعندما يمنعني من ممارسة شيء أحبه، فمن الطبيعي أن أشعر باضطهاد أكبر. أنا عشت عالم العبيد، وعرفته، ربما لم أعشه بشكل كامل، لكن سمعت حكايات كثيرة في البيت، وأغلب الحكايات في الرواية عن العبيد الذين يباعون، هذا موجود، ولم أطرح شيئاً ليس موجوداً، قد أزيد بعض الأشياء، كأن أذهب بواحد إلى أفغانستان لكن العالم موجود بالأساس، وكل ما قمت به هو أنني فتحت الباب لكي نراه.

* هل يمكن اعتبار الهم السياسي هو الذي حركك لكتابة هذه الرواية؟

ـ أيُّ هَمٍ؟

* أن تكتبي عما يدور في كواليس هذه الإمارة؟

ـ لا، أنا كتبت عن المسكوت عنه، لأن السياسة شيء آخر، وأنا كتبت عن شيء مغاير.

* يرى البعض أن استخدامك العامية في الرواية أضر بها، ما رأيك؟

ـ أنا أكتب كأني أمارس لعبة ما، واللعب هو الذي يوجهني في ممارستي للإبداع سواء كان شعراً أو رسماً أو رواية. وبالنسبة لي كنت أريد أن أشعر بأن الرواية قريبة مني ومن القارئ، وأعتقد أنني لو كتبتها بالعربية الفصحى لكانت أخذت منحى بعيداً آخر، في اللغة والحوار، لأن هناك ثلاثة عوالم في الرواية، مصر، والخليج، والعالم الذي بينهما، فكنت أتكلم في مصر بلهجتها وفي الخليج بلهجته، والوسيط بالعربية الفصحى، لذا أعتقد أنه لو كانت الحوارات كلها بالفصحى فلن يكون هناك هذا التدفق، قد يكون الأمر صعباً على القارئ، لكني سعيدة عموماً بالأمر.

* قلتِ لي قبل الحوار انك تكتبين رواية أخرى الآن، هل يمكن أن أقول انك أصبت بغواية الرواية؟

ـ الإشباع الذي يأخذه الكاتب من الرواية يختلف عن الإشباع الذي يمنحه له الشعر، وأنا أكتب الآن رواية أخرى، لأن هناك ثمة عالماً جديداً أريد أن أكتب عنه.

* هل استطعت في ديوانك «مخبية في هدومها الدلع» تقديم شيء مختلف عن ديوان العامية الأول «عامل نفسه ماشي»؟

ـ أعتقد ذلك، لأن الأول كان متأثرا قليلا بصلاح جاهين، وكانت هناك فكرة أنني أريد أن أكون مصرية، فأكتب بالمصري، أما الثاني فأعتقد أنه خلا من ذلك.

* هذا يدفعني لأن أسألك، لماذا كتبت شعراً بالعامية المصرية؟

ـ لا يوجد شيء اسمه لماذا كتبت شعراً؟ وأنا كتبت بالعامية المصرية لأنها اللهجة التي أجيد التحدث بها.

* لكنك أيضاً تجيدين التحدث باللهجة الخليجية؟

ـ أعرف كيف أتحدث بها فقط، ولا أعرف كيف أكتبها، ثم أنني عشت هنا منذ كنت صغيرة، فأعرف معاني كل الكلمات، أما اللهجة الخليجية فهي غير ممتلكة حرية كتابة قصيدة النثر بداخلها، لأن القصيدة الخليجية متزمتة جداً، بالرغم من أن هناك حرية في التعبير أكبر، كما أنني كتبت شعراً بالعامية المصرية، لأنني قرأت فيه كثيراً، وأتحدث بمفاهيمه ومعانيه، وعندما أكتبه أشعر به، أشعر بمعنى شخص يأكل الذرة فوق النيل.

* لي سؤال عند هذه النقطة، أشعر بأن تجربة الديوان مفارقة لك اجتماعياً، وكتبت عالماً ليس عالمك، ما رأيك؟

ـ من قال هذا؟ أنا عشت هذا العالم، ولم أكتب شيئاً لم أعشه، ذهبت الى أفلام الترسو، وكنت أشتري الفول بنفسي، ولم أره في السينما فقط، وعموما فليس من الضروري أن يكون كل ما يكتبه المبدع هو عالمه، وإنما يتحول إلى عالمه فور كتابته.

* ما المشترك في اعتقادك بين تجربتك الإبداعية في الشعر والرواية والتشكيل والعامية؟

ـ أنا كل هذه الحالات المتعددة، وهذا يتشكل بداخلي، والكتابة عوالم متداخلة ومتشابكة، لكنه في حاجة الى جرأة، فيرفض البعض بعد 8 دواوين مثلا كتابة رواية، فقط الأمر يحتاج الى جرأة، وعدم وجود مركزية، لأن تثبيت الوجود يضر بالمبدع، الفن أكبر من المبدع، وليس العكس وطالما بذرة الحب للإبداع موجودة، فإنها هي التي تفعل هذا، وتشكل هذه الإبداعات، لكن لابد أن تكون هناك قيم ومفاتيح الفن موجودة في هذا الإبداع.

* يرى البعض أن وضعيتك الاجتماعية تكبح جماح الإبداع لديك، هل هذا صحيح؟

ـ بالعكس، الوضع الاجتماعي جعلني أتمرد أكثر، وجعلني هذا الوضع أكثر جرأة، وأشد تمرداً، إلى أن رأيت أنه لا أهمية لذلك، وأقصد التمرد الذي ليس له عائد سوى الصوت العالي.

* لكنك اتهمت بكتاب الجسد في «تشكيل الأذى»؟

ـ هي ليست كتابة جسد، وإنما طرح النفس داخل الكتابة، وأن يكون الجسد مصدراً للكتابة عنه، وهذا ليس معناه الجنس، فاليد هي كتابة جسد، الأذن حين تستمع والقلب حين يخفق، وكتبت في هذا الديوان عن الوردة وعلاقتها باليد.

* يقول البعض أيضاً إن حضورك الفني مستمد من شخصيتك الاعتبارية؟

ـ لم أطرح أبداً حضوري الفني من خلال شخصيتي الاعتبارية، بالعكس أنا أنسى ذلك تماماً، وأنا ألغي تماماً هذه الفكرة، ولو فكرت فيها لما كتبت، وَلَمَا كتب عني أحدٌ، ولما كتب عني إلا المرتزقة، وعدم طرحي لهذه الفكرة التي لم أعشها أساساً، جعل الناس تتعامل معي ببساطة أكثر، ومع كتابتي بشكل أكثر قسوة، حتى لا تكون هناك مجاملة.

 

 

مقالات من نفس القسم