من يعرف سر الفردوس؟

وأنتَ من أهله، فعلاً
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

"ترجل أربعة رجال من العربة مرتدين عباءات سوداء فوق جلابيبهم الكشمير، وفتحوا الباب الخلفي. أخرجوا منه جسداً مغطى بملاءة بيضاء، وحملوه صاعدين السلالم."

بتماسك يستحضر المشاهد الأقوى من ثلاثية “الأب الروحي” لفرانسيس فورد كوبولا، استثمرت منصورة عز الدين – منذ “متاهة مريم” (2004) – تراثها العائلي في إعادة اختراع العالم: فجرت علاقة بنت الريف بالمدينة بعيداً عن أي فرضيات مستهلكة حول “الأقاليم” أو “المرأة”. وبإلغاز لا يستتبع ضعفاً في التركيز، عرّت كل شيء – الجنون، الموت، الأنوثة – دون أن تكشف سراً واحداً من أسرار نصوص أشبه “باللاڤا لامپ”، ذلك الفانوس البيضاوي الذي يسخر الكهرباء، لا للإنارة، بل للتلاعب بالضوء الملون.

هذه هي “كتابة السر”، كما سماها الناقد محمد بدوي إثر قراءة قصص كتابها الأول، “ضوء مهتز”.

واليوم، على خلفية الأقدار المتقلبة لصناعة الطوب وما استتبعته من تجريف الأرض الزراعية في دلتا الثمانينيات، يتسع مجال التداعي من منامات قاهرية مستجدة إلى ذاكرة كاتبة محبطة لطفولتها في العزبة والبندر، من جرائم القتل الحلمية إلى الفجيعة الواقعة وفقدان البراءة وعفاريت الأحباب الغائبين: في “وراء الفردوس” تتبلور قدرة منصورة عز الدين على بناء شخصيات حية ورسم الخطوط العريضة لمجتمع متمايز، مقترحة معاني غير تنويرية للوعي التاريخي وأسطورة القرين.

وبرغم المبالغة في الانضباط الأسلوبي (على حساب خصوصية صوت الراوية، أحياناً)، برغم التعدد المربك (أحياناً أيضاً) للشخصيات والحواديت، وبرغم أن تجاوُر مختلف المآرب الأدبية لا يبلغ دائماً غاية الامتزاج العضوي، تنتج منصورة عز الدين كتابة محبوكة، عميقة، سائغة، خالية ليس فقط من شوائب الذات (النسوية) وإنما كذلك من تهويمات المحيط (الريفي). بلا تعقيد مجهد أو ادعاءات “علمية”، تتجاوز “وراء الفردوس” القرية “الإدريسية” وإنسان “الأيام السبعة”، “حكاية” حنان الشيخ ومثلية صبا الحرز.

تتجاوز حتى الهوية الوطنية والجنسية، وتهمش بطلتيها حاملتي تلك الهوية، لتجوب فضاءات – مثل كاتبتها – تكشف دون أن تبوح.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم