من ديوان “منتصف الحجرات”

من ديوان "منتصف الحجرات"
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مقاطع

وراء الباب نقف، أنا وأنتِ،

الباب الخشبي العتيق يفتح على ممر طويل في نهايته غرفة مغلقة،

لا نريد أن ندخل الغرفة ولا أن نعبر الممر،

نريد فقط أن نطرق الباب،

مرة أنت بالداخل ومرة أنا.

أطرق الباب ولا تفتحينه ولا تسألين من الطارق،

ثم تطرقينه أنت ولا أفتحه ولا أسأل من الطارق.

في هذه الأثناء القصيرة كنا قد "عبرنا بحرا وقف الآخرون بساحله".

 ****

رفسة ذراع واحدة ظلت مطبوعة وغائرة في مرتبة السرير، كل حركة كانت تعبر فوقها ولا تمسها، كانت تمثيلا رمزيا لصدع في الجبل القريب الذي يتراءى لنا من الشرفة، لم نر الصدع أبدا ولا شعرنا به، لكن كل نظرة من الشرفة كانت تؤكد وجوده، كما تتأكد في كل حركة رفسة الذراع المستقرة على مرتبة السرير.

****

اليوم أجد رقبتي في المرآة وقد أخذت تماما شكل رقبتك، ذلك الجزء البارز من أعلى الصدر حتى اللوزتين كنت أحدق فيه يوميا وما من مرة ذكرت لك الأمر، ربما كنت تلاحظين وتصمتين ربما هرّبت إلي رقبتك قطعة وراء قطعة. يدك اليمنى الآن صورة مصغرة ليدي بلون أفتح قليلا.

*****

جسدك في الصباح ورقة نعناع خضراء، لن ألمسه، فقط أتشممه، لكنه سيكون في حياة النوم، بعيدا عني في عرقه، حيث لا تعرفينه ولا يعرفك، جسدك ملقى هناك على السرير لن يكون حاضرا دون أنفي. لن ألمسه لكنه كلية يتسلل إلي دون تشنج عضلاته ودون إفرازاته الكثيفة التي كنت أنقيك منها كل ليلة ثم تعاود الظهور صباحا، إنه هناك ملقى على السرير دون ألم، إنه ميت كورقة نعناع خضراء.

****

 كنا نسير في طريق زراعي ليس معبدا تماما وكانت تدفع أمامها عربة طفل صغير ولطيف وكنا نتحدث عن الموت والميلاد. عندما أصبح الطريق أكثر وعورة أخذت منها العربة وأشرت لها أن تتبعني. فجأة تنحرف وتأخذ الجهة الأخرى من الطريق، كانت ترتعش حتى قبل أن تقدم أول خطوة، كانت ستسقط، بل كانت تعرف أنها ستسقط وأنا صرخت نصف صرخة وأفلت العربة.

هي على يمين الطريق وأنا على يساره وعربة الطفل تمضي وحيدة ولا أحد يفكر في انتشال الآخر.

****

تركت قصيدة صينية في بيتك كنت قد كتبتها بخط منمق ولم أعد لأخذها، فكرت أن جملة منها ستتسرب يوما إليّ، جملة واحدة فيها قارب صغير وأوراق خريفية وبيت خشبي تنقط فوقه الأمطار وبلطة. جملة أفكر فيها كعمل شخصي، جملة واحدة لا رابط بينها، ستخرج إليّ فجأة ذات ليلة وأنا أحاول تذكر قرية بعيدة عبرت عليها يوما دون أن أعي تماما هل غاصت قدمي فعليا في أوحال حقولها أم غاصت رأسي تماما في تكوين صورتها.

****

أطوح ذراعي كما كنت أفعل دائما

في بلاد أظنها بلادي

رغم تبرع البعض من تلقاء نفسه بتذكيرك بخطئك

إلا أنني أطوحهما كذلك وأمضي في طريقي

الطريق ليس أمرا صعبا

إما تحفه البيوت من الجانبين وإما من جانب واحد

وإذا خلا من البيوت فهذا لا ينقص من طبيعته شيئا

ومع أنني أمشي في طريق محايد فدائما ما أظن أنني ذاهب إلى بيتك

أو عائد منه

بيتك الذي على وشك أن أنساه نهائيا

لكنني أبدا لا أنسى الطريق إليه.

****

تصدح الموسيقى طوال اليوم في البيت الجديد

في الدور الثاني العازفة تأتي في التاسعة صباحا ولا تنتهي إلا بعد أن تأتي زميلتها، والمعلم يبقى حتى ساعة متأخرة.

في الدور الرابع يقبع رجل لا يتحرك إلا بين غرفته والحمام والغناء هو أمله الوحيد، متجاهلا عزف الفتاتين والمعلم، لا يكف عن غنائه حتى في منتصف الليل.

مرة وضعوا له ورقة على الباب: “كائنا من كنت فإن صوتك يؤنسنا”.

في الدور الرابع أيضا تصعد حورية حاملة كمانا وأبدا أبدا تعزف داخل البيت.

في الدور الخامس بيانو قديم لا يمسسه أحد، حضوره الرمزي أقوى من كل اعتبار آخر.

في الدور الثالث عصفور أصفر في حجم أربعة أصابع من يدي، يوقظ من يقدر عليه صباحا وأولهم صاحبته العجوز المتأففة من البيت كله.

في الدور السادس يعيش كاتب أرادت الظروف أن يحمل اسم عائلة أدبية شهيرة يخلط الجميع بينه وبين ابن عمه، النجم الساطع

التقينا مرة على سلم الدور الأول، رمقني بتلك النظرة التي بها يتعرف النقاشون على بعضهم، من دون حتى أن يشتموا رائحة العمل على الملابس، لم نتبادل حتى تحية الصباح، كان يصعد حاملا كيسا يعج بالكتب وأنا كنت أهبط السلم خفيفا ذاهبا للقائكِ، كان متعبا وتنتظره أدوار ست في بيت بلا مصعد وأنا خرجت من البيت وأحببت الموسيقى.

****

كنتُ على سريرك والسماء كانت تشغل سقف الغرفة، كما لو خطتها يد دون أن تبرق النجوم والكواكب. غرفة لها سقف هو السماء بكاملها وبينما أتأمل الظاهرة محاولا فهمها رأيت كما لو أن النافذة الزجاجية تعكس صفحة السماء ولم يكن الأمر سوى تفسير أولي، كانت السماء حقيقة لكنها فقط لا تلمع وحينئذ دخلتِ الغرفة فاختفت السماء وكنت أنا كلص تسلل إلى بيتك وارتاح على فراشك ثم اعتذر لك ومضى.

****

بيت أزرق

هو آخر ما تراه عينيّ من النافذة،

بعده لا شيء.

يلوح لي غائما

والحياة داخله أبدا لن أعرفها

لكن الكتلة الزرقاء

تغلف عينيّ يوميا

كأن حياتي تقبع هناك

كأنني أصحو في البيت نفسه

على وقع أقدامك الذاهبة إلى العمل.

****

عندما تحاول في منتصف حجرة أن تترنم بأغنية بعيدة، أن تنفخ النغمة لتطير إليها لكن الوهن لا يدفعها أكثر من سنتيمترات خارج الحجرة، أن تلضم جسرا من الكلمات تنطلق بقوتها الذاتية لتصل إلى شباكها فتسقط في منتصف الطريق، فكر أنك في منتصف حجرة وأنه ليس عليك أن تترنم أو تلضم أي شيء، فأنت في منتصف حجرة وفي منتصف الحجرات ليس على المرء سوى أن يتمدد واضعا طوبة تحت رأسه وفي ملابسه البيضاء المشدودة بإحكام على عظامه يمكنه بالكاد أن ينسى.

ــــــــــــــــــــــ

صدر عن دار ميريت ـ 2013

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني