مقدمة نوتردام النيل .. رواية لـ سكولاستيك موكاسونجا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 50
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

لطفي السيد منصور 

تدور أحداث الرواية في وحول ليسيه “نوتردام النيل” التي تطل على البحيرة والمنبع المفترض للنهر وتطفو فوق قمة صخرية ارتفاعها 2500 متر” أقرب ما نكون من السماء” كما تحب أن تذكر الأم الرئيسة. وهذه المدرسة الداخلية الكاثوليكية للبنات تشكل النخبة النسوية الجديدة لرواندا. ففيها نجد فخر ذرية الدبلوماسيين، والشخصيات الشهيرة والعسكريين من ذوي النفوذ وحيث الغالب الأعم منهم من الهوتو، بعضهم توتسي، قليلون للغاية أو حصة ضئيلة. وبالفعل تم تنفيذ نظام الكوتة وعلى نحو صارم بداية من سنوات السبعينيات، فنجد 90% من تلاميذها من الهوتو أو الغالبية العظمى للشعب و10 % فقط للتوتسي.

وعبر هذا السياق قدمت موكاسونجا كتابة وصفية على نحو دقيق، شعرية ولاذعة في آن، تستنطق موكاسونجا من خلال  عالم الليسيه توترات بلد في حالة معاناة.

كما أنها تبنت السرد العليم حتى تتمكن من تناول جميع أدوار الموجودين في الليسيه سواء بنات أو مدرسين أو القس أو الأم الرئيسة …وكذلك من هم على علاقة بكل هؤلاء الأشخاص  لتشكل في النهاية أنطولوجيا للذاكرة.

فالرواية على الرغم من حجمها الصغير إلى حدٍ ما ، إلا إنها ترسم بمهارة فائقة وبلغة مشفاة غير مترهلة لوحة جدارية ضخمة لعدد كبير من الشخصيات والعادات والتقاليد والأساطير وجغرافيا المكان بتلالها وجبالها وأشجارها وحتى لمواسم المطر فيها.

 إن رواية نوتردام النيل تحكي التفاهات التي تشكل الدراما اليومية لهؤلاء المراهقات: منافسات البنات، اختيار أفضل كريم ” مبيض”، ركوب دراجة بخارية مع صبي، أينبغي أم لاينبغي السماح له بمداعبة نهديها؟

لقد قامت الكاتبة بتعرية كل المجتمع: الأم الرئيسة بكل صرامتها أو فلنقل قسوتها تغض الطرف عن  ذلك السفير الذي يأتي ليضاجع خطيبته في الليسيه وتحمل منه. والأب هيرمينيجيلد القس المقيم يستغل سلطته ليقيم علاقات مع البنات. والمدرسون سواء الفرنسيون أو البلجيك يغضون الطرف عن أي شيء – حتى لو كان قتلًا أو إبادة- لتظل العلاقات السياسية على مايرام. فساد السلطة العسكرية التي تفيد بناتها سواء بمراكز آبائهم أو بسيارت الجيش وإمكاناته. الرئيس الدكتاتور الذي يجب أن تعلق صورته حتى في أحقر دكان ……

كما إنها تناولت التراث الرواندي أو فلنقل الأفريقي دون تقديسه فتقف عنده في حالة من النوستالجيا و دون سخرية منه لصالح الحداثة. فنجدها تضفر أسطورة إيزيس والملكات كانداس وأوصول التوتسي وصانعة المطر والسحرة أو المشعوذين والأساطير حول أرواح الموتي بلغة فنية رائعة وشعرية فائقة عبر مشهدية دقيقة تجعلنا نرى، نحس، نشم، نمسك، نعايش هذه الحكاية/ التاريخ التي صارت بمثابة أسطورة تمجد الإنسان والإنسانية

الحياة في هذه المدرسة الداخلية صارمة لأن هذه المدرسة هي حاضنة تفريخ النخبة النسوية الرواندية، كما أنها تمنح فرصة الحصول على زيجة رائعة” إنهن ليسوا مجرد زوجات صالحات، أمهات صالحات بل أيضًا مواطنات و مسيحيات صالحات، ولا تكون الأولى دون الأخرى”

نعم المدرسة صارمة لكن بنات المدرسة كما قلنا هن بنات كبار رجال الجيش ورجال الأعمال والنافذين في الدولة لذا نجدهن يصنعن قانونهن الخاص : واحدة تُدخل إلى المدرسة خطيبها بل، وتحمل منه، وأخرى تجعل من نفسها زعيمة فتشكل مجموعة من الشباب(الشبيبة) للقضاء على التوتسي خاصة البنات الموجودات في المدرسة؛ بينما الأم الرئيسة عاجزة،المدرسون عاجزون، حتى نوتردام النيل (مادونا رواندا) عاجزة لدرجة أن انكسر أنف التمثال وتهمشمت بعض أجزائه بل وسلطة الله نفسها عاجزة، بل غابت عن رواندا التي صارت مملكة الموت لا مملكة الرب: ” لم أعد أريد البقاء في هذا البلد. رواندا، إنها بلد الموت. أتذكرين ما كنا نقوله عن التعاليم المسيحية: طوال اليوم، يجوب الله العالم، كل مساء، يعود إلى بلده، يعود إلى منزله في رواندا. حسنًا، فيما كان الله يتجول، استولى الموت على مكانه، عندما عاد، صفق الباب في أنفه. أقام الموت مملكته فوق بلدنا رواندا المسكين. لديه مشروعه: قرر أن ينجزه حتى النهاية. سوف أعود عندما تعاود شمس الحياة شروقها من جديد على رواندانا.”

.

ولدت الروائية الراوندية “سكولاستيك موكاسونجا” عام 1956 في رواندا لعائلة تنتمي لعرق التوتسي، تعيش وتعمل حاليا في باس- نورماندي. في عام 1960، انتقلت عائلتها إلى منطقة غير آمنة من رواندا، نياماتا في بوجيسيرا. في عام 1973، طردت من المدرسة وتم نفيها إلى بوروندي. استقرت في فرنسا عام 1992. وفي عام 1994 (عام التطهير العرقي للتوتسي من قبل الهوتو) حيث قتل أكثر من مليون شخص في مائة يوم، علمت أن سبعة وعشرين من عائلتها كانوا قد ذبحوا، من بينهم أمها.

وبعد ذلك باثني عشر عاما دخلت إلى عالم الكتابة بعملها الذي نشر في جاليمار كباقي أعمالها في سلسلة (continents noirs) (النيانزي أو الصراصير) الذي كان بمثابة سيرة ذاتية. وفي عام 2008 نشرت (امرأة عارية القدمين) ويعتبر هذا الكتاب تكريما لأمها ولكل الأمهات الشجاعات. وحصلت بها على جائزة (seligman) وهي جائزة ضد التمييز العنصري. ثم مجموعة  “البطن النهم” (L’Iguifou) وهي مجموعة قصص رواندية تؤكد شعرية حقيقية: فمع كل صفحة ينفتح أفق من الألوان، الزهور، الأشجار، من العصافير، من الأحاسيس اللمسية؛ باختصار، مقتطفات من الجمال تقف أمام قسوة الإنسان لتحدث التوازن في هذا العالم بين الجمال والقبح وبين الإنسانية واللإنسانية.

ثم تأتي روايتها التي بين أيدينا “نوتر دام النيل” في عام 2012 لتتوج في نفس العام بجائزة أمادو كوروما(*) وجائزة الروندوالمرموقة .

وعن هذه الرواية تقول موكاسونجا” كنت قد كتبت هذه الرواية ؛حتى لا أنسى. كنت أقول لنفسي ماذا لو استيقظت ذات صباح ووجدتني عاجزة عن حكي هذا التاريخ، سيكون كل هؤلاء الناس قد ماتوا بالفعل.”

لكن ماذا سجلت من هذا التاريخ وهذه القصة وهي التي طردت من المدرسة لإنها توتسي، والتي ماتت أمها ضمن قرابة الثلاثين من أهلها؟

هل كتبت مشاهد القتل والذبح لتغلف قلبها بالكراهية ولتغرقنا في هذه البحار الدموية التي مات فيها ما يقرب من مليون في مائة يوم؟

لا لم تفعل ذلك؛ لأن ذلك لن ينتج أدبا ولا حتى تأريخا. فالأدب لاينتجه الدم ولا الكراهية والتأريخ ليس ابن الذاتية أحادية النظرة حتى وإن كانت من وجهة نظر المظلوم/المقتول/ المضطهد…

لقد حاولت موكاسونجا – كما قالت- خشية أن تنسى الكارثة التي حلت برواندا وبعرقها وعائلتها أن تدونها، كما أظن أنها حاولت التطهر- مم تطهر وهي المقتولة لا القاتلة؟- من الكراهية؛ الكراهية التي ستكون أشد فتكًا من الهوتو.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)جائزة أدبية يمنحها المعرض الدولي للكتب والصحافة في جنيف باسم الكاتب الإيفواري أمادو كوروما.

مترجم مصري .. والرواية صادرة مؤخرًا عن سلسلة الجوائز ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب 

مقالات من نفس القسم