مـرايـا بـأبـعـادٍ ثـلاثـيـةٍ

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مكي الربيعي*

الـبـعـد الأول

نـقـطـة .

أول الـسـطـر ،

لـم أكـنْ أعـلـمُ أن أبـي يـعـد فـي الـسـر خـطـةً ، لـتـقـديـم  دمـي قـفـصـاً  لـسـمـك الـزيـنـة .  

لـم أكـن أعـلـمُ أنـي أعـابـثُ ضـوءاً يـدق عـلـى بـابـي ولا أفـتـحـهـا .

لـم أكـن أعـلـمُ أن خـنـجـراً يـكـبـرُ مـعـي كـلـمـا أطـلـقـت حـمـامـة فـي فـضـاء الـرصـاصْ .

 

مـتـأخـراً ، رأيـتُ الـحـلـم خـشـبـة مـلـسـاء يـتـعـلـق بـهـا الـمـاء

مـن الـغـرق .

مـتـأخـراً ، حـاولـت الأمـسـاك بـهِ وهـو يـسـقـط مـن

سـواد الـغـرابْ .

 

أنـي 

لأرى فـي حـلـمـي مـالـم يـره الأعـمـى :

 

يـالـقـمـيـصـهـا ، لـم يـعـد فـيـه مـتـسـعٌ . الـحـمـامـاتُ كـبـرنَ ، أقـولُ لـهـا :

دعِ الـكـلاب تـنـبـح ورائـي ، لا أريـد أن أضـرَ حـجـارة الـطـريـقْ.

فـقـطْ ،

أريـدُ أن أُعـَبـدَ الـهـواء بـشـعـركِ الـطـويـلْ .

فـي الـظـلـمـة أسـمـعُ حـفـيـف يـدٍ يـنـحـت شـكـل نـهـديـهـا .

مـن هـنـاك ، قـلـتُ ؟ 

فـزعـتْ ، فـأرتـطـمـت سـرتـهـا بـغـيـمـةٍ ، 

تـسـاقـطـت الـنـجـوم ضـوءاً مـشـعـاً ومـلـيـئـاً بـالـمـعـانـي الـغـامـضـة .

 

ضـجـةٌ وتـدافـعٌ وراء الـبـاب ،

ــ مـاذا يـحـدث ؟

ــ حـبـرٌ يـريـد الـدخـولَ ، لـكـن جـنـاحـيـه لا يـتـسـعـهـمـا الـفـضـاءْ .      

 

فـي الـعـام الـفـائـت ،

رأيـت رأسـي يـتـدحـرج بـيـن الـسـطـور ، وكـان الـسـيـف لـغـويـاً.

كـان الـشـجـريـتـدفـق مـن فـمـي . فـيـمـا كـان دمـي

مـشـغـولاً بـتـنـظـيـف خـفـيـه مـن الـغـبـارْ .

 

أيـهـا الـلـغـوي ،

مـتـى سـتـعـيـد الـحـيـاة لـلـوقـت الـمـيـت فـي سـاعـة الـبـيـت ؟ .

 

أمـشـي وأدخـن الـكـلام ،

إنـتـهـى الـكـلام ومـازلـت أدخـنُ ،

قـال الـلـغـوي :

إتـبـعـوهُ ، تـلـك آثـار أقـدامـه عـلـى الـحـبـر ،

إنـي أراه يـسـوي عـصـاه نـجـمـة تـسـتـدل بـهـا الـمـراكـب ،

عـلـيـكـم بـعـصـاه . إكـسـروهـا .

الـوضـوح غـمـوض آخـرَ ،

يـدٌ تـلـم ثـوب الـريـح وتـنـضـده ، وأخـرى تـتـوغـل حـامـلـة

الـفـانـوس ، لـتـتـفـحـص نـقـصـان الـدم فـي جـسـد الـكـلـمـة .

 

واطـيءٌ سـقـف الـلـغـة ،

نـاولـيـنـي كـرسـي الـمـعـنـى ، أريـد أن أصـعـد عـلـيـه

لأدفـع الـسـقـف قـلـيـلاً إلـى الأعـلـى ،

أحـاولُ ، يـتـدفـق الـبـحـر مـن فـم الـقـصـيـدة ، يـالـهـذا

الأزرق الـذي يـشـبـه وشـم يـد أمـي .

 

نـومٌ يـتـعـرى فـي الـمـرايـا .

ضـع فـي الـكـسـاء جـنـاح الـطـيـر ، لـتـسـاعـد الـورقـة عـلـى الـطـيـران ،

غـمـوضٌ آخـرَ ،

كـمـثـل ثـلـج يـلـقـنُ الـجـحـيـمَ سـرالأشـتـعـالْ .

 

يـا إلـهـي ،

لـمـاذا فـي الـشـعـرأتـذكـرُ كـل شـيءٍ

وأنـسـى نـفـسـي .

 

خـذي رأسـي ،

أريـدُ أن أنـامَ ،

الـمـطـرُ كـثـيـفٌ ،

نـشـفـيـهِ مـن الـغـيـومْ.

 

لـيـس فـي الـشـعـرعـفـة لـشـيء ، 

الـشـعـرُ تـمـريـنٌ عـلـى إقـتـطـاف الـنـار مـن

يـد الـطـبـيـعـة .

الـشـعـر . إنـتـبـهـي ،

الـحـلـيـب الـسـاخـن يـسـيـحُ فـي الـمـرايـا ، دلـيـه عـلـى الـطـريـقْ .

 

الـكـلابُ تـنـبـحُ ،

يـالـرواق الـحـلـم الـطـويـل ،

لا أريـدُ الـمـكـوث فـي الـمـرايـا بـإنـتـظـار آخـر الـقـطـارات ،

الـطـريـقُ شـيـخٌ  ضـريـرٌ ،

أخـافُ أن آخـذه مـن يـده ولا أصـلُ .

أيــهـا الـشـعـر، ضـع الـسـكـيـنَ بـيـدي ،

أريـدُ أن أذبـحَ الـوقـت الـفـائـض .

 

أمـوتُ فـي لـغـةٍ ،

تـنـضـجُ الـكـعـكـةَ ولا تـأكـل مـنهـا .

 

فـي الـمـرايـا مـدخـنـة ،

كـلـمـا رأت

الـقـصـيـد تـقـول

لـفـتـاهـا :

إمـلأنـي بـحـضـورك ،

يـتـكـاثـرُ الـدخـانْ.

 

الـبـعـد الـثـانـي

 

سـاعـة الـمـقـهـى تـشـيـرُ إلـى الـثـالـثـة ،

عـيـنـي عـلـى الـبـاب ، 

ويـدي تـطـارد الـكـلاب الـمـخـتـبـأة فـي الـمـرايـا .

 

تـسـألـنـي عـامـلـة الـمـقـهـى : مـاذا تـشـربُ ؟

أقـولُ لـهـا :

الـمـاضـي الـجـمـيـل سـيـدتـي .

تـتـفـحـصُ الـحـمـامـتـيـن وتـطـعـمـهـمـا بـقـايـا يـدي .

 

أقـول لـلـغـة  :

تـعـالـي أحـيـك مـن ثـوبـك حـبـلاً يـربـط قـدمـي

الـسـمـاء بـالأرض .

 

وحـيـدة تـتـشـكـل الـمـرايـا ،

مـن دونـمـا يـدٍ ،

تـعـلـق الـمـنـعـطـف وردة فـي قـمـيـصـهـا .

 

أيـهـا الـلـغـوي ،

ظـلٌ مـيـت تـحـت قـمـيـصـك ،

تـعـال نـواريـه الـتـرابَ قـبـلَ أن تـفـوحَ رائـحـتـه .

 

كـم سـتـحـتـاجـيـن أيـتـهـا الـلـغـة مـن الـوقـت ،

لـتـنـظـفـي أسـنـانـك مـن الـلـحـوم الـفـاسـدة ؟ .

كـلامٌ ،

يـلـدُ  قـطـاراً يـضـجُ بـالـراكـبـيـنَ ،

ومـا مـن مـحـطـةٍ تـمـسـحُ بـقـمـيـصـهـا الـغـبـارَعـن عـويـنـات الـطـريـقْ.

إخـتـلـطَ الأمـرُ ،

أشـعـرٌ هـذا ،

أم غـيـمـة تـقـتـطـفُ الـعـنـبَ مـن

شـجـرة الـسـمـاءْ ؟ .

لا ،

هـذه نـبـؤةٌ ،

أقـل مـا يـقـال عـنـهـا ،

حـفـيـف ظـل يـمـرُ خـاطـفـاً ، وعـلـى كـتـفـه يـحـمـلُ

جـثـة الـمـكـانْ .

 

فـي الـمـرايـا ،

نـهـدان يـتـعـثـران بـحـصـى الـظـلام ،

نـصـلا ضـوءٍ ،

يـشـقـان الـقـمـيـص ويـصـعـدان نـحـو فـمـي .

 

تـسـألـنـي عـامـلـة الـمـقـهـى :

كـيـف إسـتـطـعـت

أن تـنـضج الـرغـيـف وتـنـورالـعـائـلـة

مـلـيءٌ بـالـنـبـاحْ ؟

أقـول لـهـا :

عـزلـةٌ ، ثـم عـزلـة ،

ثـم بـسـتـانـي يـشـطـبُ الـرطـبَ مـن مـقـتـنـيـات الـسـلالْ .

 

الـبـعـد الـثـالـث

 

حـقـائـب الـهـواء مـلـيـئـة بـمـكـائـد الـهـدهـد ،

ولـيـس هـنـاك مـلـمـح واضـحٌ لـمـقـاصـده ،

ولا أثـرٌ لـجـنـاحـيـه عـلـى سـواد الـمـصـابـيـح .

 

الـكـلام زجـاج مـتـشـظٍ ،

يـرادُ مـنـكَ أن تـلـصـقَ أجـزاءهُ ، لـتـعـيـد إلـيـهِ 

هـيـأة الـطـيـر .

 

ثـلـجٌ يـوصـي أبـنـاءه :

دفـئـوا أقـدامـكـم ، بـعـد قـلـيـلٍ سـيـوقـد الـشـاعـرالـنـار فـي

دم الـقـصـيـدة .

بـعـد قـلـيـلٍ ، يـعـيـد لـلـضـوء الـمـيـت حـضـورهُ

فـي تـوهـج الـمـصـابـيـح .

 

تـتـكـاثـرالـطـرقـات ومـامـن أحـد يـصـل .

 

قـالـت عـامـلـة الـمـقـهـى :

فـي الـمـزهـريـة طـيـرٌ ، كـلـمـا رآنـي يـحـط عـلـى نـهـديَّ ويـرتـشـفـهـمـا .

قـلـتُ لـهـا :

أبـي كـان طـيـراً مـن حـبـرٍ ،

كـلـمـا رأى جـسـداً يـحـط عـلـيـه ويـشـرب الـبـيـاض .

قـالـت وهـي تـمـرر يـدهـا فـوق يـدي :

أوتـشـبـهُ أبـاكَ ؟

قـلـتُ :

الـشـعـر فـرسٌ فـي زجـاجـةٍ ، الـزجـاجـة فـي وردةٍ ، الـوردة

فـي نـقـطـةِ حـبـرٍ ، الـحـبـر فـي مـكـان مـوحـشٍ ،

لا تـدنـوهُ ،

غـيـر يـدٍ تـعـرفُ كـيـفَ تـروضـه .

 

قـالـت :

مـن أيـن جـئـتَ بـهـذا ؟ .

 

قـلـتُ :

أبـي عـلـمـنـي ، أن أُطـيـّْرَ حـمـام الـقـصـائـد عـلـى سـطـوح الـورقٍ ،

بـعـد أن أسـوي لـهـا أجـنـحـة مـن الـحـبـر .

 

حـجـرٌ تـمـتـلأ رئـتـيـّْه بـتـقـاذفـه مـن يـدٍ لأخـرى ،

حـتـى يـكـاد أن يـخـتـنـق بـالـرمـاة .

 

أيـتـهـا الـسـاعـة الـرمـلـيـة :

أعـيـدي عـقـارب الـمـوجـة إلـى الـشـاطـيء .

لـنـسـأل الـلـغـوي :

عـن مـحـبـرتـه الـعـالـقـة بـيـن ألأحـراشْ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*شاعر عراقي يقيم في استراليا

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني