مصطفى ذكرى : انخدعت في إدوار الخراط و نموذج علاء الأسواني يدل على تدني الذوق العام

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته : علا الساكت

لا تتسلل يوميات مصطفى ذكرى "على أطراف الاصابع" إلى قلب القارئ، بل تهرب منه كعادة كل كتابات ذكرى التى تنفر من فكرة الجماهيرية.فذكرى ابن جيل التسعينات الأدبي، له ثلاث روايات هي "هراء متاهة قوطية"عام 1997 ، و"الخوف يأكل الروح" في 1998 ، ولمسة من عالم غريب في 2000 و"الرسائل" عام 2006، بالإضافة لمجموعتين قصصيتين هما "تدريبات على جملة اعتراضية" و"مرآة 202" ، تخرج ذكرى فى المعهد العالى للسينما، وكتب سيناريو "جنة الشياطين" و"عفاريت الإسفلت"، هو ما أثر كثيرا فى كتاباته الادبية ، وفى يومياته التي صدرت حديثا عن درا "العين" للنشر تحت عنوان " على أطراف الأصابع "قام ذكرى بتصفية الكثير من حسابات الماضي، والحاضر وهاجم الكثير من الظواهر الأدبية الحالية. ،وفى حوارنا التالى معه استكمل ذكرى هجومه على من يرى أنهم ظواهر أدبية تنتهي مع القراءة الأولى فإلى نص الحوار.

 

 

 

           انتقدت سحب الرواية إلى أرض الواقع وتورطها في مناقشة قضاياه ، ألا ترى للرواية دور اجتماعي؟

ـ لا أرى للأدب دورا اجتماعيا، لأنه بالنسبة لي متعة مرفهة لا علاقة لها باللحظة الراهنة وما نعيشه من قضايا سياسية ومادية ، وهذا التراجع جاء على حساب ما يمكن تسميته “الأدب الجمالي” المعنى بتقنيات الكتابة والأسلوب. ، فعلاء الأسواني نموذج يدل على ان الذوق العام متدني، لان الأدب الذي يدعى أنه صاحب دور اجتماعي ثوري وأيديولجى صار هو الذى يعجب الناس ويلتقي مع حاجاتهم الوقتية.

 

           لكن ألم يجلب علاء الأسواني شريحة جديدة من القراء للأدب؟

ـ ما فعله الاسوانى وغيره من الكتاب الأكثر مبيعا  ليس إيجابيا، فالأمر صار أشبه بالبحث عن تأمين إجتماعى للكتاب، لأن هذا الجمهور الجديد غير مدرب على القراءة ولا علاقة له بالأدب أو جمالياته إنما له علاقة باللحظة التى نعيشها.، كما صارت الروايات العربية الان غارقة فى الواقعية، بسبب طموح الكاتب لأن يكون جماهيريا .

 

           وما العيب في ان تكون الرواية واقعية؟

ـ رأيي أن جزء من جمال الأدب في أنه مختلق بالكامل، وأنه مفارق للواقع بقضاياه ومشكلاته.

 

           ألا يبدو لك هذا الرأي متطرفا بعض الشيء؟

ـ أعرف أن رأيي متطرف لكن هذا ما أنا عليه، فمثلما يهاجم الآخرون الأدب الذى كتب للأدب – وهم أقوياء بعدد قرئهم- أدافع أنا عن القيمة الجمالية للأدب. ، فالكاتب مهنته أن يحسن أسلوبه الجمالى وليس له أية ألقاب أخرى لا هو مثقف ولا هو معنى بتغيير الدنيا.

 

           وفى رأيك ما هي الموضوعات التي يمكن ان تعنيه؟

يعنيه تلك الأشياء الصغيرة التى تفترض الكتابة الأخرى أنه لا مشكلة فيها، التفاصيل الصغيرة التى تتكرر كل يوم، والتى يقوم بها البعض كتحصيل حاصل.

هذه الأشياء لو تأملناها سنجدها الأكثر صدقية، لا تلك الكتابة التى تدعى أدوارا كبرى وتتبنى قضايا التغيير.

 

           عادة ما تتهم كتاباتك بالتعالى على القارئ، بما ترد؟

ـ التدنى الثقافى مشكلة القارئ، حين يقع نظر قارئ عادى على كتاب لى سيقوم برد عدائى هو الاخر فسيترك الكتاب على الرف متأففا منى، لذا أنا لا أخشى على القارئ فهو ليس ضعيفا.

ومن العبث أن يطلب منى أحد أن أرتقى بمستوى القراء، لانه غالبا لا يكون هناك قارئ محترف دون أصحاب المهنة والمشغولين بجمالياتها، أما القارئ العادى فيكفيه كاتب غير محترف مثل الاسوانى.

 

           فى كتابك هاجمت فكرة أن يسوق الأديب نفسه، فما الذي يمكن أن يفعله البعض حيال طوفان النشر؟

ـ أنا ضد أن يقوم الكاتب بتسويق نفسه، فهذا جارح لكرامة الكاتب ويستهلك جهدا من الكاتب كان من الأفضل أن يبذله فى كتابة الكتاب لا توزيعه.

 

           هل هذا تابو لا تحبذ أن يكسره كتاب جيلك ؟

ـ انا مع هذا التابو، وضد أى تابو آخر، فهناك أشياء كلاسيكية لا يجب أن تتغير، فالنجاح التجاري لا تجلبه حفلات التوقيع، على سبيل المثال لم يسع علاء الاسوانى لانجاح روايته عمارة يعقوبيان أو خالد الخميسى وكتابه “تاكسى”، فهذه اعمال نجاحها حقيقى وغير مختلق رغم كونها غير جيدة فقد باعت ملايين النسخ.بينما من يتعاملون مع الكتاب كسلعة، لا يمكن أن تتخطى طموحاتهم أن يصل الكتاب إلى طبعة ثانية.

 

           انت من الكتاب القليلين الذين لم ينخرطوا وسط الظواهر التى جلبتها السنوات الأخيرة للأدب، كيف ترى المشهد وأنت خارجه؟

ـ ابتعدت عن الوسط الادبى احتجاجا على الكثير من الظواهر السلبية، فالترجمات والسفر والجوائز كلها أمور مبنية على العلاقات وطريقة الكاتب البذيئة فى تسويق نفسه.وفضلت التركيز فى الكتابة لانها وحدها تحقق لى متعة، فى هذا الكتاب أشياء كثيرة كان من الممكن الضغط عليها لتصير رواية او قصة لكنى أحببت أن أكتبه هكذا.

 

           لكن هل كانت اليوميات استجابة لممارسة الكتابة الصحفية على مدى طويل؟

ـ من يقرأ كتابى يدرك على الفور أن هذه ليست كتابة صحفية، فهى مادة ثقيلة جدا على أن توصف بكونها صحفية.كان مثيرا لى أن أكتب بانتظام فى صحيفة كتابة ليست صحفية، والفيصل بينى وبين من يدعى غير ذلك هى الكتابة نفسها.

 

           لماذا اخترت اذا صيغة اليوميات؟

ـ لدى شعور بالنفور من الرواية، فأنا أكره الشعبويات، وكل الناس صارت تكتب روايات الآن ،أما اليوميات فهى صيغة كلاسيكية جدا، ولينة لدرجة تسمح بكل شئ، فقد تكون اليوميات مزيج من السيرة الذاتية والرواية وأدب الرحلات وأى شئ وكان ذلك مريح بالنسبة لى.

 

           لكن البعض يرى لجوء روائي لصيغة اليوميات إعلان للإفلاس الروائي..؟

ـ قد يكون هذا صحيح، وبشكل ما قد تكون استراحة، لكن كتابتي الروائية بها هذا الخليط من السينما والتأملات مع فارق النسبة.

 

           فى تصريح أخير لك قلت أنك تتعالى على القارئ..

ـ أنا مجهول بالنسبة لهذا القارئ وكذلك هو مجهول بالنسبة لى فأنا لا أعيره جزء من تفكيرى وانا اكتب، الازمة تكمن فى الوسطاء الذين يحاولون ايجاد تلك العلاقة غير الموجودة بينى وبين الشريحة الاكبر من القراء.

 

           يحتل جزء كبير من كتابك مخزونك السنيمائى، وهو ما جعل الكتاب متخم بهذه الافلام والمشاهد التى من الصعب أن تجتمع فى ذاكرة معظم قراء الكتاب، ألا تخاف نفور القراء؟

ـ فى النهاية حاولت أن أبذل جهد أسلوبى فى حكى هذه المشاهد، فمن لم يرى هذا الافلام يستمتع بالأسلوب.

 

           لكن ألا يبدو ذلك استعراض فى مواجهة القارئ؟

بالفعل هذا استعراض لان مخزونى المعرفى قوى فى هذه المنطقة، ولا بد أن تخرج هذه القوة باستعراض. لكنى فى الوقت نفسه أعيد تأويل هذه المشاهد بطريقتى، وهذه التأويلات هى مبرر لاعادة الكتابة مرة أخرى.وقد واجهت تحدى أن أعيد سرد مشهد مع التعليق عليه بشكل مكثف.

 

           عادة ما توحى كلمة يوميات بمساحة من التلصص على حياة الكاتب، يسمح بها لقراءه، فلماذا لم تسمح أنت بتلك المساحة من حياتك؟

ـ ما بين دفتى الكتاب لحظات خاصة جدا، فهذه حياتى، أنا أحب اللحظات الخالية من الفعل.

 

           فى مقالك عن ادوار الخراط وصفت أدبه بالمتوسط القيمة، رغم أنه هو الذى قدمك فى بداياتك.. فهل يمكن أن نسمى ذلك قتلا للاباء؟

انا قمت بتصفية حسابى مع ذوق أدبى قديم، فقد كنت أحب كتابته حتى بداية التسعينات، والان اتساءل لماذا انخدعت فيها.أنا مع قتل الاباء وأكره هذا النوع من العلاقة، فالادب ليس فيه اعترافا بالجميل.وهذه الروح الثورية فى النهاية تنتج نماذج جديدة وحيوية.ومن جهة أخرى بدأت ألمس فى الجيل الاصغر منى بعض من استقبلوا كتاباتى بشئ من التتلمذ وحاولوا أن أكون أبا لهم، لكنى لا أحبذ هذه التلمذة وأعرف مصير علاقة من ذلك النوع، ولا أتمنى أن أكون قيدا على أحد.

 

مقالات من نفس القسم