مسرحية “بيتزا.. همبوركر.. سوشي” للطيب الوزاني.. تشظي الزمن

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

خالد البقالي القاسمي 

صدرت للمبدع " الطيب الوزاني " مسرحية بعنوان " بيتزا.. همبوركر.. سوشي "، عن مطبعة الحمامة بمدينة تطوان بالمملكة المغربية، الطبعة الأولى سنة 2017، عدد صفحات المسرحية ثلاثا وثمانين صفحة من القطع المتوسط، وقد تصدرت المسرحية مقدمة رائعة للمسرحي العربي الرائد " رضوان احدادو ".

وتتشكل المسرحية من أربعة فصول، ويتضمن كل من الفصل الأول والثاني مشهدين اثنين، أما الفصل الثالث والرابع فكل واحد منهما مستقل بنفسه، ولم يضف إليهما المبدع مشاهد مسندة. ولقراءة المسرحية علينا أن نركز على تحديد الفعالية الجمالية في النص، والفعالية هنا تتحدد في علاقتها بالواقع الاجتماعي، وفي إنتاجها للفكر المرادف لانبثاق الثقافة، فالمسرح دائما ينتج مجموعة من العناصر والأشياء المرتبطة بتاريخنا الثقافي والاجتماعي، إن الفعالية التي نقصد هي الثاوية في عمق الظهور والتوهج، مع قدرتها على خلق التواصل الحي. وعندما نتعمق في الفعل المسرحي ضمن العلاقات الجامعة بين الشخوص التي تلعب في العمل نكتشف فجوة واسعة بين الذات والموضوع، حيث نصطدم بأفراد المسرحية وهم يعيشون خارج دائرة التاريخ الموضوعي، وخارج مدار الوعي به، فقد أصبحوا على غير ألفة مع بعضهم البعض بسبب المسافة الزمنية التي أثرت في طموحاتهم وتطلعاتهم، لأن المسرح موضوع فني وتاريخي، ونحن بواسطة المسرح نتعرف على أنفسنا وتاريخنا.  

الفصل الأول: الحلم واليقظة

المشهد الأول – الحلم:

لباس بلا هوية يلبسه شخصان مربوطان إلى جذع نخلة تتوسط المشهد فوق خشبة المسرح، ويبدو المشهد دالا على البحث عن الأصل والهوية حيث أصبح الشخص وظله أو امتداده يتحاوران ويتبادلان حديثا تنعدم فيه علامات التواصل والتفاهم، ولا نستطيع أن نحدد بالضبط الطرف منهما الذي يساهم في تعميق أزمة اللاتواصل، لأن كل طرف منهما يدل على ذاته وعلى الآخر في نفس الوقت، ونستطيع فقط لكي ننظم رؤيتنا ووعينا بالمشهد أن نقول إن أحدهما يشكل لاشعور الآخر ويورط جمهور القاعة في المشكل. وقد عمل المبدع على تعميق الرؤية والصورة عندما سعى لتأطير الحلم بواسطة الماء وكأنه يروم إضفاء الحياة والرونق والازدهار على حلمه الذي هو حلم شخوص المسرحية، ثم هذه النخلة الراسخة الثابتة هي حتما شاهدة ومؤطرة للحوار بين الشخصيات بل موجهة له ومحددة لتلاوينه.

المشهد الثاني – اليقظة:

ليس من الضروري أن تعقب اليقظة الحلم، فالحلم تعبير عن انخراط واع في أفق منطقي مبرر حسب وضعية الحالم، ولذلك فإن اليقظة تظل منفصلة عن الحلم، لكل موقعه ومجاله. الديكور يتكرر في المشهد الثاني بمعنى استمرار في الأصل وثبات على المبدأ. هناك الغفوة والسفر والهجرة وهي كلها تدل على كثافة في الدلالة ضمن حوار واحد، والنخلة الباسقة الثابتة تسجل رسوخها الأبدي وارتباط الجميع بها، إنها الأم والوطن والملاذ والهوية، هي وحدها التي تعكس تركيز المبدع على قيمة حب الوطن واحتضانه رغم المشاكل والصعوبات.

الفصل الثاني: قاعة الانتظار

المشهد الأول – الراوي:

فلسفة الحلم، الحلم طاقة مميزة موزعة بين الأفراد، قد يكون الحلم أحد أجزاء الواقع، حيث لكل حلمه تبعا لواقعه، الحلم جزء من الحقيقة، واليقظة حقيقة أخرى، وهناك حقيقة أخرى تتجاوز حقيقة الحلم وحقيقة اليقظة، ثم حقيقة أخرى هي الانخراط في العالم الافتراضي، ثم حقيقة الهاتف ومشاطرة الحلم والحقيقة مع الغير، الهوية والغيرية يتبادلان الأدوار في ادعاء امتلاك الحقيقة.           

المشهد الثاني – قاعة الانتظار:

الإيهام بوجود قاعة انتظار بدون كراسي، ساعة حائطية لا تعمل، حيث الزمن معطل، هارب، ومفارق للمشهد، هو مشهد خارج الوجود الفعلي والتخييلي بسبب اللازمن. حوار بين شخصية أنثى وشخصية ذكر، عماد الحوار التنكر للوطن، والتصميم على الهجرة قصد الاقتران بامرأة مسنة، الإحباط واليأس، والإحساس بهروب الوطن من المشاعر والوجدان. عزم شخصية أنثى الالتحاق بجماعة إسلامية وخضوعها لفتوى جهاد النكاح، وقبولها العيش كأمة في الزمن الماضي. الزمن سيد في المسرحية، هو قوة ساحقة، والجميع لا يعيشه في سيرورته الطبيعية، إما الارتماء في الماضي، أو التلاشي في الحاضر والمستقبل. صراع الأجيال، وتأفف شخصية شاب من شخصية شيخ بدعوى رغبة الأخير في اكتساح زمن الشباب، والاستحواذ على نصيبهم. ازدراء الشخصية الشاب للمرأة والأنوثة دفعه لتشبيه الشخصية المرأة المحجبة سوادا بالغراب المستورد، إنه مشكل الحرية بالنسبة للجيل الشاب الجديد الذي لا يستطيع تحمل المسؤولية، ويطمح لتحصيل مكاسب أكثر من طاقته وقدرته ومعرفته، حيث يظل المظهر خادعا لا يعكس دائما الأصل الذي يتوارى إلى العمق والداخل، لأن الحجاب لدى بعض شخصيات المسرحية مظهر من مظاهر إقناع الآخرين بالعفة والطهر والنقاء والصفاء، هو محطة تتوسط الماقبل والمابعد، قبل الحجاب وضع مغيب مطرز بالأسرار، بعد الحجاب رغبة في موقع اجتماعي أو مصلحة أو مكسب مستند إلى العفة والحصانة. وتظل المظاهر الخادعة منتجة لأحكام نمطية غير صحيحة، مثل لباس شباب الجيل الجديد وتسريحة الشعر كأمثلة على الاستيلاب وتزييف الهوية والغربة عن الذات، بسبب الإحساس بالضياع وانعدام وجود فرص الحياة الكريمة، والسقوط في العياء والاختناق والاختزال.          

الفصل الثالث: حديث المساء

تطالعنا شخصية الأب وشخصية الأم وهما منهمكان في العمل أمام شاشة الحاسوب، وشخصية الإبن وشخصية البنت كل في غرفته أمام حاسوبه كذلك، حيث لم يعد بين أفراد الأسرة في المسرحية شيء مشترك يشعرهم بالألفة داخل عالمهم الخاص، ويزيح عنهم الاغتراب، فقط شرخ وضياع وتمزق، انعدام التواصل بين أفراد الأسرة، وغرق كل فرد في التقنية الحديثة، تتعمق الغربة بين الجميع، ويضيع التواصل إلا من رسائل عبر الحاسوب داخل البيت. تعمق البيتزا.. والهمبوركر.. والسوشي من انهيار الإحساس بالوجود الإنساني، حيث أضحت جميع عناصر الحياة مختزلة في علاقات باردة صنمية تزداد جروحها ألما وهما وغما، ويظل إحساس شخصية الأبوين سجينا في أسر متطلبات العمل والحياة العصرية، ولا يستطيعان تدارك خطر ثقافة الوجبات السريعة التي تدعو إلى ابتلاع الحقيقة والهوية مبشرة بعولمة ساحقة لكل أصيل وجميل. لقد وقعت للأب في المسرحية صدمة التاريخ والوعي بالوجود، فحاول استعادة التاريخ، تاريخه الخاص لتصوره عن طريقة حياة أسرته، لقد حاول شخصية الأب استعادة مفهوم الامتداد الذي ترعرع في أحضانه وأحس في لحظة حرجة بقرب ضياعه وتلاشيه.         

الفصل الرابع: سوق الأزمنة     

تعود نخلة الثبات والأصل إلى الظهور من جديد، كأنها تعلن أن الرسوخ والتجذر لا ينهزمان بعناصر الحداثة والتطور، ولا يقهران بالتطلع نحو الجديد والمثير، وتشهد على سوق الشتات حيث انعدام العدل والإنصاف، وانتشار بقايا الإنسان الممزق المقهور، فهو تاريخ شاهد على جميع الأزمنة التي تجمعت وتكومت في سوق متخصصة تعرض بضائع من الزمن الماضي وأخرى من الحاضر والمستقبل، تتشبث بالأمن والسلام ولا تستطيع فرضهما بسبب تقطيع أوصال التاريخ وقلب حقائق شهادته وصنعته، ورغم ذلك تفتح المسرحية قوسا من التفاؤل والأمل في غد مشرق أفضل من سابقه، رغم حصول نوع من العي والاضطراب في تفسير علامات الوجود الإنساني في علاقته بالوجود العام.

          ويمكن أن نسجل أربع ملاحظات مسرحية نعدها تحصيلا هاما لمجريات النص المسرحي الذي نحن بصدده:

          للمسرح صدى يتجاوز طابعه الوثائقي، ويظل هذا الصدى ثابتا ودائما.

          كل مسرحية تفتح الأفق على عالم غير مألوف، وهي بذلك تعبر عن حرفيتها وقدرتها التأثيرية.

          ينبغي أن تكون المسرحية دائما مكتوبة بلغة نتصور أنها مرئية أو تتماهى مع المرئي.

          للمسرح خاصية القدرة على توحيد حدود الزمن في زمن واحد ثابت. 

تطوان في: 06 أبريل 2018

         

مقالات من نفس القسم