مستوحى من أحداث خيالية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 20
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نوره عيسى

قاعة كبيرة، بها عدد ضخم من الناس، معظمهم صغار السن.

ضجة كبيرة تُسيطر على الأجواء، وتصفيق حاد يتبعه دخول أحد المحاضرين، وبثقة كبيرة يبدأ كلماته.. “كيف تكتشف ذاتك؟”

غرفة ضيقة، تستوعب بالكاد سريرا ودولابا ومكتبا صغيرا، وجسدا مُلقى أمام المكتب يُحدق أمام ورقة بيضاء.

-“أنت مهووس”

قالتها له حبيبته بانبهار في إحدى مقابلاتهم وهي تقرأ ما كتبه في اليوم السابق.

– “هل أعتبرها مدحًا أم شيئًا سيئًا”؟ “

قالها مبتسمًا وفي داخله توتر عظيم، لم يثق بنفسه أبدًا ولا يثق بما تصنع يداه.

-” تذكرها مدحًا صادقًا، وصدق ما تفعل”

كانت تشعر بما داخله، حتى أحس أنها جزء منه حقًا.

“أهم المراحل في اكتشاف الذات، هي استغراقك الكامل فيما تفعل، حتى تتأكد إن كنت تجيده حقًا أم لا” .

لم يفعل شيئًا سوى الاستغراق في رغبته للكتابة، أهمل دراسته، ترك عمله بعدها، ولم يهتم إلا بهذه الورقة البيضاء التي يُحدق بها الآن.

– “أحتاج كوبًا من الشاي الآن”

نهض للمطبخ، لم يجد سوى بعض العلب الفارغة، تنبه إلى أنه لم يشتر ما يحتاجه، لا أحد يهتم بهذه العلب الخاوية، غيرها.

– “مطبخك هذا كارثي، لا أنظر إليه أبدًا إلا ووجدت هذه العلب الخاوية، مثلك تمامًا”

بعد تركه لمنزل والديه لم يجد من يهتم بهذه الأشياء، تركه للاستغراق فيما يفعله، أراد أن يُثبت لهم حقيقة أنه ليس مجنونا، وأن استغناءه عن كل ما يظنونه مضمونا، ما هو إلا خطوة لتحقيق كل ما تمناه يومًا.

“لابد أن تسيطر فكرة ما على عقلك بالكامل حتى يساعدك في تنفيذها، في أي مكان وأيًا كان ما تفعله، لابد وأن تفكر في شيء واحد فقط، ذاتك.”

كان يخطط لما سيكتبه في المنزل، وما يقابله من أحداث، أراد أن ينغمس في أي عراك يجعله مصدرًا للحدث، عزلته لن تساعده.

نزل من بيته ليبدأ طريقه في الكشف عن الحدث، نظر حوله كثيرًا حتى ظن من يقابله أنه تائه.

“كلب يأكل من صندوق قمامة، قطة تجلس بهدوء جانبه، وكأن هذا العداء الأزلي بينهما اختفى عند الجوع، يمكن أن أكتب شيئًا كحياة من عيني أحدهما”

في الميكروباص، يسمع كل ما يدور حوله، يرى نظرات تائهة من راكب في أتوبيس جانبه ولكن تجمعهما إشارة واحدة، يحاول العبث في أفكاره لعله يصل لحكاية هذا الشخص، لتُفتح الإشارة وينقطع بداية الوحي.

يعود لمنزله متعبًا، ليُكرر هذا الأمر يوميًا، يعود ليجلس أمام ورقته البيضاء، لا يشوبها شائبة، حتى يأتي اليوم التالي.

-“أنت مهووس”

قالتها هذه المرة بنبرة غاضبة، تبعتها الكثير من الكلمات والشتائم، يعلم أنه يستحقها تمامًا لذلك لم ينبس بحرف.

تركته وسط أوراقه، علم بداخله بأنها المرة الأخيرة التي سيسمع فيها صوتها، تركته بعد أن ملت هذا الجسد الميت، والعقل الذي بدأ يفقده، ويده التي لم تمتد لتُمسك يدها المساعدة له.

“الأهم، لا تستسلم، ربما تجد بداخلك ما لم تظنه أبدًا، وربما تبدأ بشيء لم تكن تعلم بقدرتك على فعله.”

علم أن معاناته الوهمية ستنتج أمرًا عظيمًا، كان واثقًا من هذا الأمر، كثقته بأنه السبب الوحيد في هذه المعاناة.

جسد مُلقى أمام ورقة بيضاء، تذكر إمكانياته في صنع حكايات لم يمر بها يومًا، وكأنخ يعيش خيالًا، فما المانع في كتابته؟

بدأ القلم يجري على هذه الأوراق البيضاء، التي لم يلمسها حبرًا منذ زمن، يجري وكأنه في سباق، وكأن خيالاته قد فُتح لها بابـا لتتدفق منه، ظل يكتب أوراقًا كثيرة، أنهاها بعنوان لم يجد غيره مناسبًا.. “كيف تكتشف ذاتك”

 

“في نهاية كتابي ستجدون أنه لابد من التوصل لطريقة لإكتشاف ذاتك، حتى لو كانت طريقة تبدو مستحيلة، ربما يومًا ما تأتون لتشاركوا مثلي تجربتكم الوهمية هنا.”

 

توتر الجمع بعد هذه الجملة الأخيرة، ضحك داخله، وأنهى حديثه بابتسامة مشجعة مليئة بالثقة وبعض من لغة الجسد، ليُنهي حديثه وقد أقنع الناس بكلامه، تماماً كما لم يقتنع به.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون