محمد صلاح العزب: الكتابة لعبة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته : عناية جابر *

محمد صلاح العزب، قاص وروائي مصري، من مواليد القاهرة ١٩٨١، له مجموعة قصصية وروايات ثلاث آخرها: »سرير الرجل الإيطالي«. حاز عدة جوائز أدبية من الكويت والإمارات ومن بلده مصر. مُكنة وحرفة ورقّة وتميّز، تستدعي قراءة هذا الكاتب الشاب الكثير التأملّ والمراهنات المبهجة. مع العزب عن بداياته، ورواياته، وعلاقته بالكتابة كان هذا الحوار:

* التفرد والتميّز والخصوصية , صفات أطلقها نقّاد في متابعتهم نتاجك الروائي .

ما الذي تريده من الكتابة ؟ ماذا تعني لك والى أين تريد الوصول ؟

           – الصفة الأهم للكتابة عندي هي أنها “لعبة”، وأرى أنها حين تفقد هذه الصفة تتحول إلى ما يشبه المنشورات السياسية أو الملاحق التعليمية أو الكتيبات الوعظية، أو حتى الصفحات الأولى لبعض الجرائد، وأنا بدأت الكتابة حبا في هذه اللعبة دون أن أعلم أنني يمكن حتى أن أنشر، كنت أحب الكتب ورأيت أنني أستطيع أن أكتب مثلها ففعلت، وبدأ عالم الكتابة ينفتح أمامي، وجدت صعوبة في النشر في البداية وانتظرت حوالي سنتين حتى صدرت مجموعتي الأولى “لونه أزرق بطريقة محزنة” من المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وبعدها أصدرت 3 روايات، وحاليا لدي عروض من كبريات دور النشر العربية.. في بداية دخولي الوسط الأدبي كنت أذهب إلى بعض الندوات فأرى أناسا أفنوا أعمارهم وهم يتخيلون أنهم يكتبون، كان هذا في عام 1999 وكان عمري وقتها 18 عاما، فوقفت للحظة ومنحت نفسي 10 سنوات، وقلت إذا لم أحقق بعد السنوات العشر ما يرضيني فسأتوقف عن الكتابة نهائيا، وفي هذا العام 2009 تمت العشر سنوات، ووقفت مع نفسي مرة أخرى منذ أسبوع في حفل توقيع الطبعة الثالثة من روايتي وقوف متكرر في جناح دار الشروق الرئيسي في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أصبح لدي 4 كتب وحصلت على عدد من الجوائز، كان حولي الكثير من الأصدقاء والقراء، كنت سعيدا وقررت أن أكمل الطريق الذي لا أعرف إلى أين سينتهي بي.

أما عن التفرد والخصوصية فأعتقد أنهما هدف كل مبدع في أي مجال وهو أن يكون نفسه لا غيره، وأن يضيف ولو شيئا يسيرا، وأنا أحرص دائما على هذا، حتى أنني أحاول أن يكون كل عمل لي بعيدا تماما عن أعمالي الأخرى، وهو تحد صعب، لكنني أتحمله لأنني أعتقد أن هذا هو قدر المبدع دائما.

 

** بداية تجربتك , كانت مع مجموعة قصصية ” لونه أزرق بطريقة محزنة ” ثم

إستقرّت معالجاتك الفنية في الرواية : ” سرداب طويل يجبرك سقفه على الإنحناء ” و”وقوف متكرر” الى إصدارك الجديد “سرير الرجل الإيطالي” . ما الفرق برأيك بين القصة القصيرة وبين الرواية ؟

           – بدأت بالقصة القصيرة لأنني شعرت أنها كانت مناسبة لي في البداية، ثم اتجهت إلى كتابة الرواية لسبب مهم بالنسبة إلي، وهو أن القصة القصيرة تقوم على فكرة تقديس اللحظة أو الموقف، لكن الرواية تتعامل مع هذه اللحظة أو الموقف بشكل عابر لتخلق عالما متكاملا، وأنا أرى أن هذا مناسب لهذا العصر الذي يرفض إلى حد كبير فكرة التقديس، وأرى أيضا أن هذا كان تفاعلا مشتركا بين الروائيين والعالم، وأنهم أثروا فيه فنيا وإبداعيا بقدر ما أثر هو فيهم بتغيراته المتلاحقة وظروفه الصعبة، واتجاه العالم قراءة وكتابة إلى الرواية حاليا يُكذّب ما كان يقال منذ عقد أو عقدين تقريبا من أن القصة القصيرة مناسبة أكثر لإيقاع العصر السريع، لأن القارئ يستطيع “خطف” قصة قصيرة في الأوقات القليلة المتاحة بين انشغالين، القارئ الآن لا يريد لقطة عابرة، بل يريد حياة كاملة مليئة باللقطات الواردة في سياقها دون انتزاعها منه.

 

** تسنّت لي قراءة إصداريك الأخيرين , وسمعت فيهما صوتك الأحادي في ندب صامت

لأمكنة الطفولة , شخوصها وإنفعالاتها العاطفية والحسيّة . أليست مبكرة هذه الحنينية في السرد , وأنت في العشرينيات من عمرك ؟

           – أحب دائما أن أقول: “ألا ليت الطفولة تعود يوما فأخبرها بما فعل الشباب”، وأنا شخصيا أحب فترة طفولتي، وأرى أن المتعة أو السعادة تتناسب تناسبا عكسيا مع العمر، فكلما زاد العمر قلت المتعة أو السعادة، والحنين إلى الطفولة شعور ينتاب شخصيات بعض أعمالي نظرا لظروفهم الاجتماعية الضاغطة، فالطفولة هي فترة الاعتماد الكامل على الغير، وبمجرد الخروج منها تزيد المسئوليات والأعباء، وبانتهاء الطفولة يتفتح الوعي على كل المشكلات والكوارث المحيطة، فتلجأ الشخصيات إلى الهروب إلى الجسد أحيانا وإلى الخيال أحيانا وإلى الحنين إلى الطفولة أحيانا.

 

** من هم كتّابك المؤثرين , مصريين وعرب , وأجانب من خلال ترجمات كتبهم فأنت _ على ما قلت لي _ لاتُحسن سوى اللغة العربية . ثم هل نحتاج برأيك الى اللغات الأجنبية لنكون رواة جيدين ؟

           – أحب جدا إبراهيم أصلان ومحمد المخزنجي وأقرأ كل ما يكتبه الآخرون تقريبا، لأنني يجب أن أتابع، وأحب كونديرا وماركيز وإيزابيل الليندي وزوسكيند، وأقرأ الأدب العالمي مترجما لأن دراستي الأزهرية جعلتني بعيدا عن اللغات الأخرى، لكنني أضع خططا زمنية لكل شيء في حياتي، وقد قررت ألا أتجاوز الثلاثين من عمري إلا وقد أجدت الإنجليزية على الأقل إجادة تامة، لأن الروائي يجب أن يكون ملما بكل مايمكنه، وكلما نقصت خبراته في جانب ما فقد ركنا مهما من أركان عالمه الروائي.

 

 

** القاهرة مازالت منهلاً خصباً للرواية , رغم أن هذه المدينة تُشرع بالشحوب . أين تقع كتابتك بين مدينة قديمة يجري هجرانها ( بالمعنى الفني للكتابة ) بضراوة , وبين مدينة جديدة لم تتبلور بعد على جماليات بديلة عن التي نعرف؟

– – القاهرة سحر خالص، وليس مطلوبا من السحر إلا أن يكون مؤثرا ونافذا وناجعا، وهي تفعل هذا بمهارة سياسي محنك وبنعومة فتاة في العشرينيات من عمرها، كل التغيرات التي تحدث في المدينة الخالدة فنية وموحية، مهما رآها الناظر من بعيد مجافية للجمال، كل ما هنا فني، البشر الذين يقفون على الحافة بين الصمود والانهيار، والمباني التي يحمل كل حجر منها بداخله قصة بديعة، الشوارع والميادين، حتى الهواء الذي يحمل من عوادم السيارات أكثر مما يحمل من الأكسجين، كل هذا أنا أعشقه ولا أستبدل به حتى الجنة، ربما الأجيال الأكبر مني يتحسرون على ماضي المدينة التي كانت جميلة ولم تعد كذلك وأشياء من هذا القبيل، لكن بالنسبة لي فأنا أرى أن دوري هو تفجير الجمال من وسط كل هذا الزحام، وإعادة اكتشاف الأشياء الجميلة التي يحاول القبح الذي يزحف بقوة طمسها، أنا محب وأرى أن هذا واجبي، وأمارسه بمنتهى الاستمتاع.

 

** يومياتك _ إن صحّ التعبير _ في أغلب رواياتك غير متسلسلة أو متناغمة, بل في نسيج شديد التداخل والتركيب . مع ذلك ميزة كتابتك أنها تنهض بروح العمل من بساطتها ورقتها . الى أيّ مدى يجدر الإنتباه الى اللغة برأيك؟ وهل من الضرورة أن تشبه اللغة صاحبها؟

— ليس هناك يوميات في رواياتي، وهناك مساحة فاصلة بين ما أكتبه وبين سيرتي الذاتية، وأنا حريص ألا أكتب كتابة متسلسلة، أنا كما قلت لك أحب اللعب والمخاطرة وخوض مغامرات جديدة في كل شيء، في المضمون وطريقة تقديمه وفي اللغة وحتى في الشخصيات، لا أحب الجمود، ولا السير على الطرق التي عبّدها الآخرون، وهذا يحتاج شجاعة ما، ومصدر هذه الشجاعة عندي أنني ليس لدي ما أخاف عليه، وأستطيع تقبل الإخفاق والسقوط ثم النهوض للمواصلة من جديد، فحين يتم التعامل مع الأمر على أنه مغامرة فنية وليس عملا له راتب شهري، تهون الكثير من الأمور، ولاتبقى إلا الفنية فقط.

أما اللغة فأنا أرفض تماما فكرة التعامل معها على أنها مجرد وسيلة أو موصل، وأرى أن الاهتمام باللغة من أهم الأسباب التي تفرق بين مبدع وآخر، اللغة هي اللون والطعم والرائحة، ودون لغة جميلة يخرج العمل ناقصا ومشوها ومنفرا، لكن المشكلة أن شريحة كبيرة من القراء حاليا فقدوا متعة التذوق باللغة الجميلة وصاروا يفضلون من يأخذهم من أيديهم ويوصلهم إلى الفكرة أو الموضوع، وللأسف استجاب لهم عدد كبير من الكتاب، لكن أرى أن دور الكتاب الحقيقين هو استعادة هذه اللغة الفنية التي تميز الأدب عن نداءات الباعة الجائلين. 

 

** عناوين رواياتك تصلح لمجموعات شعرية . كما نلمح قصائد هايكو في بعض مطارحك الروائية . هل تحب الشعر ؟ السينما ؟ الرسم ؟ علاقتك بسائر الفنون.

أنا أعشق الشعر، وتحديدا قصيدة النثر، وأرى أنها استفادت كثيرا من المنجزات السردية المختلفة على مستوى العالم، وأنه يجدر بالرواية الحديثة الاستفادة منها من حيث اللغة والتقنيات والجماليات، وحتى الآن لا ألمح هذه الاستفادة إلا في أعمال عدد قليل جدا من الكتاب العرب، وأيضا أعشق السينما، وأحب الكتابة عن طريق المشهدية، ومعظم السينمائيين حين يقرأون رواياتي يقولون إنها تقريبا جاهزة للسينما، وأستمتع جدا بالفن التشكيلي، ومارست الرسم مؤخرا في ورشة ومعرض بعنوان “كتاب مصر يرسمون”، شاركت بأربع لوحات حازت اثنتان منها على إعجاب كل رواد المعرض بجانب النقاد التشكيليين، لدرجة أن نفسي راودتني أن أواصل الرسم بجوار الكتابة، لكنني جلست معها وأقنعتها أن “من خرج من داره.. يتقل مقداره”

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعرة وصحافية لبنانية

 

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم