مجنون المانكان

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إسماعيل غزالي*

على فراسخ شهرٍ بكامل جهاته وهو يتردّد على طاولة الرّكن وراء الزّجاج المتغضّن في الحانة الزّرقاء ، صباح ، مساء ، يدخّن بشراهة من يعجّل بتفحيم رئتيه ، مساء ، صباح ،   يسوّد بياض الوريقات بقصائد يواظب على كتابتها لامرأةٍ واحدة ٍلاشريك لها ، يتلوها لنفسه بعد الكأس العاشرة وحين يغادر كهف البار ، يعبر الشّارع الصّاخب إلى الضّفّة المقابلة ويقف على واجهة فترينة ، تنتصب داخلها مانكان ، يبادرها بالسلام والتحية ككل مرّة ويشرع في إلقاء قصيدته الجديدة لامرأته اللاّشريك لها ولايبارح واجهة الفترينة حتى ينتزع منها ابتسامة رضا وامتنان وإعجاب وفوق هذا كلّه قبلة مسموعة أيضا ، وهذا ما جعل سكّان الحانة وأرباب محلاّت الشّارع يلقّبونه بمجنون المانكان ، وما من معتوه بعد صدّق هرطقة حكايته وما يعتريها من تهيّؤات جمّة ، زاعما حدّ البلاهة بأنّ المانكان امرأة حقيقيّة أوهي تتحوّل بقدرة القادر القهّار إلى امرأة حقيقيّة بالأحرى وقصائده الفادحةُ ما يقفُ وراء هذا التحوّل السّحري الغريب اللاّيصدق .

عل فراسخ شهرٍ بكامل جهاته وهو يتردّد على طاولة الرّكن وراء الزّجاج المتغضّن في الحانة الزّرقاء ، صباح ، مساء ، يدخّن بشراهة من يعجّل بتفحيم رئتيه ، مسوّدا الوريقات البيضاء بقصائد يواظب على كتابتها لامرأة واحدة لاشريك لها ، مانكان الفترينة في الضّفّة الأخرى للشّارع ، وهو على يقينٍ تامّ العقيدة بأنّ جائزةً كونيّةً ستمنح له في غضون أيّام قادمة أو شهور أو سنة على أبعد تخمين ، تقديرا لأحد نصوصه الشّعرية الفادحة . وعندها سوف لن يكتفي باطلاق سراح المانكان من سجن الفترينة الوضيع وحسب بل سيعقد قرانه عليها في عرس ملحميّ ، يرْسخ بذخُ تداعياتِه في ذاكرة هذا الجيل والأخرى المتعاقبة …

عل فراسخ شهرٍ بكامل جهاته وهو يتردّد على طاولة الرّكن وراء الزّجاج المتغضّن في الحانة الزّرقاء ….

 هاهو يشرب نخب القصيدة المائة التي سوّد بها بياض الورقة هذا الصّباح وهاهو يسارع بعد أن تلاها على نفسه مع الكأس العاشرة ، يغادر كهف البار عند حدود الظّهيرة عابرا الشّارع بملء التّرنّح ، به حماس مفرط في اللّهفة لإلقاء القصيدة على امرأته / المانكان في الضّفّة الأخرى … وفي هنيهةِ سهوٍ مشينةٍ منه ستدهسه حافلة طائشة وتفصد روحه على إسفلت الطريق …

لحظتها سيقع ما لم يتخيّله أرباب المحلاّت وسكّان الحانة الزّرقاء والكائنات العابرة للمشهد التي صادفت روع الحادثة ، حين يُسمعُ دويّ صرخةٍ حادّة في فضاء الشّارع من امرأةٍ كسرتْ زجاج الفترينة وكانت المانكان المنتصبة هناك في الواجهة وها قد نبتت لها عروق وشرايين وجرى دم تحت جلدها وهي تهرع نحو جثّة الشّاعر المخضّبة بنجيعه المُراق وهي تحضن رأسه إلى صدرها الضّامر ونحيبها يستفحل في هواء الظّهيرة الخلاسيّة …

ــــــــــــــــــــــــ

* قاص من المغرب

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون