مجرد حلم

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصة : اميمة عز الدين *

حاولت التغلب على تلك الرغبة فى التدخين سرا والتلذذ بنفث الدخان فى الهواء ، فى الركن المظلم بسطح البيت العالى ، بعيدا عن أعين الأب والأخ الكبير والأخ الصغير ، كانت تراها متعة مجانية مختلسة من الزمن ، ترى وتتابع دوائر الدخان وهى تحتسى القهوة المسائية وكأنها رجل على وشك إتمام الأعباء الثقيلة الملقاة على كاهله ، ولا يجد غير السيجارة ودخانها للترويح عن نفسه والتفكر في الأحمال الثقيلة التي ينوء بها ظهره ، لكنه فخور بذلك الإحساس .

أما هى فتسرق السيجارة ، تختلسها ليلا من علبة الأب المسجاة فى طمأنينة على الكوميدينو وبجوارها الولاعة , تنظر لوجه الأب الذى أرخى سدوله تماما واضحي طيبا عطوفا وهو فى هيئة النائم ، ورغم هذا لم يكتمل انعقاد حاجبيه ، أصبحت لازمة لوجهه الذى لم يستطع التخلص منها حتى إثناء النوم ، شخيره يعلو وينذر بتقلب احد جنبيه ، تختبئ وراء الستارة في عجل وتجد الأم تناوله وهو نصف نائم كوب ماء بارد يروى ظمأه ، يتجرعها على عجل ويتجشأ ويعاود النوم على جنبه الأيمن ، ترى وجهه جيدا خلف الستارة الشيفون ، لو فتح عيناه وفركهما بقوة لرآها او حسبها لص فيرديها قتيلة بمسدسه الميرى الذى يعتز به من أيام الخدمة ، عندما كان أمين شرطة بالقسم المجاور للبيت .

في هدوء وخفة تسحبت ومشت على أطرافها وأخذت سيجارة واحدة وطارت بها لأعلى ، حيث السطح ، أشعلت السيجارة في نهم وفى ثوان معدودة أنفقت السيجارة وصارت مجرد عقب صغير وضيع ، نظرت له باحتقار بعد ان أفرغت متعتها وألقت به فى اهمال وتمددت فى دلال تنظر وتبحلق فى السماء ولم يؤثر فيها لسعة البرد التى جعلتها ترتعش وتحوط نفسها بكلتا يديها .

تراقب النجوم المتناثرة فى السماء وتحدث نفسها فى حكمة :

           كتل نارية معلقة بالسماء ، نحبها لانها بعيدة عنا لكن لو هبطت علينا لاحرقتنا بهيدروجينها وهليومها .

تغمض عيناها لبرهة وتحلم وتحدث نفسها مرة اخرى :

           مجرد حلم ، فليكن مجرد حلم .

هيأت نفسها للحلم وابتسمت لنفسها لانها تركت البيت وتحررت من قبضة يد الاب الذى يصر ان يقبض عليها وهما يسيران فى الشارع كما لو كانت طفلة فى الخامسة ويتناسى انهاتقترب من الثلاثين .

فى الحلم رأت نفسها / لم يكن حلما : وهى تسير عكس اتجاه الاب وتذهب الى ابعد متجر وتشترى علبة سجائر كاملة تدخنها دفعة واحدة وعلى مرأى من الناس الذيت ينظرون لها شذرا ويتهمونها بالانحلال والفساد وهى سعيدة بذلك وتخرج لسانها لهم فيظنونها مجنونة ويقذفونها بما تطوله ايديهم من عصى وحجارة وحصى صغير . والاب يرى كل هذا يمط شفتيه ولا ينهرهم بل كأن حاجزا من زجاج قد بينهما هى تراه ولا يراها ، هى تسمعهولا يسمعها .

وفى نشوة اشترت علبة اخرى واتت عليها  حتى شعرت بالصداع يتسلل الى رأسها لكن ما تزال السيجارة الاخيرة بين اصبعيها الوسطى والسبابة ،تنظر اليها فى تردد حتى حسمت امرها وطوحتها على الناس التى ينظرون لها فى احتقار ولم تحسب ان النيران ستشب فيمابينهم ، وتطول ملابسهم ، رائحة الحريق فى انفها وسخونة بالجو تحيط بها ، تحاول ان تتخلص من حلمها/ هكذا كانت تظن وتخرج منه ، لا تستطيع ، تشعر بوهج النيران على جلدها ، يلفح وجهها ، شيات زاعق يخترق انفها.

انه مجرد حلم/ عقلها يحدثها بذلك ، فلتأتي يد قويه تهزها او تزغدها حتى تستيقظ

تريد ان تستيقظ من هذا الحلم .

تتساءل اين ارادتها فى توقيف الأشياء عند مرماها وافتعال الفرح لما تشعر بموجات من مد الاحباط وجزر الدهشة وفرحة اكتشاف روحها من جديد .

، لكنها لم تكف عن الهذيان وتخبرهم ان هذا مجرد حلم

وانها الى الان لا تستطيع الخروج من شرنقة الحلم .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

*روائية مصرية

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون